(التسلسل المعنوي الدلالي في الزمن المروي )
حين نعطي البعد التأويلي لأي نص أدبي سواء كان شعراء أو قصة علينا نحدد السمات المشتركة في النصوص أو الشخوص التي تحدث الروي في القصص ، لأن هذا يعطينا القدرة النقدية على أحداث الوعي المعرفي للشاعر أو القاص و تبيان المنهجية السردية لديه من خلال الكتابة ، و نبحث عن الدلالات التي تظهر في هذه النصوص ، لتناولي النقدي للمجموعة القصصية ( بئر برهوت) للقاص والشاعر جابر محمد جابر، لهذا علينا أن نكتشف اللعبة السردية القصصية للقصة القصيرة والزمن المروي لقصص ، وكيف حقق القاص هنا حالة الجذب الذهني الإدراكي الإيحائي لكل رموزه التي أراد أن يقولها من خلال شخوص هذه المجموعة وما أستطاع أن يحقق من بعد تخيلي لأحداث في مشهدية الأحداث التي تجمع تسلسل السرد المحكي ضمن شخوصها ، التي تبين التداعي الذهني في فكرة كل حدث ضمن الأحداث القصص التي تعتمد على المجهولية في المكان والزمان وضمن تسلسل المعنوي الظاهري لأنها تعتمد على الروي الداخلي المنعكس على الحدث الخارجي ،وما يحدث التميز ما بين الأحداث ضمن هذه المجموعة ، أي : لكي يمتلك اللعبة السردية ضمن شخوصها ، و تبين كيفية التحكم فيهم لكي لا ينفلت منه ترتيب المعنى الدلالي لكل شخص من هذه الشخوص ، لأن كل القاص يقوم برسم البعد السيكولوجي الفهمي أو النفسي الحواري لكل حدث تعبيري من خلال شخوصه ، لحوارية الحدث بين السردية القصصية والحدث التأثيري لبناء الحدث الداخلي لشخوص القصص ، ومن خلال تبيان الدلالات المهيمنة على لغة السرد ، نجد أن القاص قد أعطى للحوار الداخلي أبعاد إنسانية ضمنت رؤيا تحكمية استبداليه عالية الصور الفكرية الإيجابية ، لكي ليجعل من لغة السرد هي اللغة التي تحكم الدلالات المنهجية دون الوقوع في خلق الأحداث التي لا تعطي التفسير الذي يضمن الأبعاد الصورية للحدث الداخلي الذي يبنى عليه الحوار السردي ، أي أنه أعطى الوعي الكامل لهذه الشخوص من خلال التقارب الذهني الأبستمولوجيا ، و يرتقي بمستوى التعبير المروي من اجل ان تعطي الأبعاد 1- نسق السرد لهذه الشخوص 2- نسق الحياة التي تعيشها 3- ونسق الفعل التي تقوم به . فالقاص يحاول أن يعطي الأبعاد الإنسانية والنفسية ضمن التجربة الزمانية التكوينية( الحدث ) والزمنية هنا هي ضمن التكوين اليومي الذي يهيمن عليه الحدث التاريخي أو اليومي التي تعطي السلوكي الفردي تجاه مصيرها في الحياة …
1- المعالجات الدرامية
القاص يحاول أن يرتقي بشخوص قصصه الى مستوى الرمز لكي ينضج حوارها الداخلي ، ليبين نظرته التعريفة لكل الحالات التي تمر على أبطال هذه القصص ، أي : أنه وضع المعالجات الدرامية لكي يتصاعد النضج الإدراكي داخل هذه الشخوص لكي يكون صوتها عبارة عن تلميح لمعاناتها من خلال التعبير الارتباطي والتعبير هنا هو الذي يرتبط مع الحوار الداخلي ضمن التأثير النفسي الانعكاسي وهذا يعتمد على البناء الرمزي للقصص وخواصها اللغوية الأسلوبية من أجل إعطاء التجربة المعيشة ومن دون السقوط في التبسيط المخل الذي يفقد النضج المروي لشخوص القصص وهذا ما نجده في قصة(معطف الحقيقة )ص8 حيث نجد في القصة المعطف هو التعبير الكلي عن المكان المرتبط بالحالة النفسية لراوي هذه القصة ، وكما يقول هنا ( إلا أنها …كانت تصر مثل كل مرة ، على مقارعة الوجع اللامرئي ، وهي غالبا ما تترك معطف الحقيقة في غرفتي وتغادر بلا ذنوب ) وما يتشعب المعنى الدلالي المخفي داخل ذات هذا الراوي ليعطينا حالة التأويل الدلالي لحالة العجر الكلي بالإتيان بالفعل الأيروسي ، تبقى حالة اللقاء طاهرة من دون ذنوب ، وهي تشعبات نفسيه تترك أثرها التنظيري لما يريد أن يقوله من خلال هذه القصة ، فليس كل لقاء يؤدي بشكل حتمي الى الفعل الجسدي ، طالما هناك وجع مخفي لا يستطيع أن يتجاوزه ، لكنها تبقى الحقيقة الثابتة في الارتباط بينهما ، لهذا تبقى اللحظات التي تجمعهما خالية من الذنوب لطهارة المكان رغم الرغبة المكبوتة داخله لأنها لا تعيش الأوهام ولا تقرأ ما سوف يأتي لهذا تبقى لحظة اللقاء لقاء الأحلام رغم الحقيقة الجودية داخله اتجاهها ( انتزعتها من أحلام سقطت قبل سقوط المطر )والمطر هو الكشف الحقيقي بعدم حدوث أي لقاء يؤدي الى الذنوب أي: هو رمز طاهرة اللقاء بينهما .
2- الحبكة السردية الرؤيوية
أن النظام السردي الذي يحقق الانسجام الجيد في تنظيم الأحداث السردية من خلال الاستعارة ضمن زمن السرد الذي يعطي لأفعال اللغة الصورة البلاغية لمسميات المروي في احداث القصة وشخوصها ، والقاص الذي يرتقي بمستوى الاستعارة الى مستوى الحبكة الرؤيوية القصصية ، يستطيع أن يحقق الابتكار الدلالي في مخيلته التي تعطي لشخوص القصص التمايز المطلوب في أفكارها التكوينية للحدث التي تعيشه ، ولكي لا يقع في التشابه في حواضن الزمن المتغير لهذه الشخوص على طول مجموعته القصصية ،و يعطي الى الاستعارة الأبعاد النفسية والاجتماعية المختلفة في رؤاها المشهدية وكما قال أرسطو ( أن تكون بارعا في صنع الاستعارات يكافئ أن تكون مبصرا في أدراك التشابهات ) لأن وجود التشابهات في أي مجموعة قصصية يقتل المعنى الدلالي المختلف الكل قصة من قصص المجموعة ويبعد عنها النضج الفكري القصصي لكل قصة .والمثال على هذا نجده في قصة ( محاولة لسرقة امرأة ) ص 31 لأن في القصة بدأ بها بسماع صوته الداخلي ( سأعود بقوة أبحث عن الحب ، لا ألتفت هذه المرة الى الحلم ، بل علي أن ابحث عن مغامرة) وهذه التناظر الذي يريد أن يؤكد من خلاله عن تفجير طاقته الداخلية ، و يثبت لنفسه القدرة على تحقيق كل يريد أن يصل إليه والبحث عن المغامرة أي : أنه حدد شروط عمله القادم في البحث عن المرأة من خلال المغامرة ، لأنه لا يريد أن يبقى ثابت تجاه ما يشعر به من داخله ، فلا يهمه التاريخ ، وهنا يبرز التناقض ما بين فعله الذي يريده ،والذي يريده أن يكون فائق السرعة والسرية و في نفس الوقت لا يهمه التاريخ بتحقيقه ،وهي أشاره على أن هذه المغامرة قد تطول أو تقصر المهم أن يحققها بأي تاريخ ، لأنه بقدر ما هو مندفع لإنجاز ما يريد لكنه في نفس الوقت متردد ، لأنه لا يثق بفعله على التحقيق ضمن التاريخ الذي حدده ، كما أنه يريد أن يتجرد من إحساسه الداخلي لكي يتجاوز ضعفة لأنه لا يريد أن يلتفت الى حلمه ، ونشعر أن شخص في هذه القصة ضائع ما بين التردد والأقدام ، لأنه ليس متأكد من أنه يجد ما يبحث عنه ، وما يؤكد هذا قوله ( في هذه اللحظة التي جعلت مني أعمي، ذهن فارغ ، قلبي نازف ، أشعر بعظمتي تنهار ،ربما تكون مخيلتي العجوز ) فهو بقدر ما يطرحه أنه لا يلتفت الى حلمه ، مع أنه يعيش كل شيء بمخيلته ( أين أطلق صرختي ووعيدي بأني سأسرقك من القمر ) وبعد أن يعجز عن أيجاد ما يريد أن يصل إليه ، يحاول أن يمضي من الحياة ولكن بطريقة الشهادة من أجل وطنه ، وهذا هو تسابق ذهني في تحقيق الرؤيا النفسية الداخلية أتجاه الآمال التي لا يجدها خلال بحثه عن شيء يقربه من الحياة وهي المرأة ، والمرأة هنا وهي القيمة المعنوية لرمزيه حياته التي تريد أن يعيشها ولكنه لا يجدها ، ولكي يتجاوز عجزه الذي يشعر به ويبين قدرته على العطاء والتضحية ، يقرر الشهادة من أجل وطنه .
3- التخيل والسرد
حين تتحول الرؤيا الى خيال سردي ،يريد من خلاله أن يصل به القاص الى الغاية أو الدلالة ، لكي يعطيها الأبعاد التحولية في تحديد المدلول التأويلي ، فالسرد العادي لا يحقق المدلول التأويلي ضمن التخيل اللغوي ، و يعطي الى شخص القصة أبعاد نفسية دلالية خارج المألوف ،و لكي تأتي أشاره الدلالة المتحولة في نسق فكرة النص، و يحقق القاص النضج الفكري برموز القصة ، يحاول أن يصوغ المعنى الدلالي ضمن واقع الخيال أوضمن واقع الخرافة أو الأسطورة التي تعطي رموز القصة البعد الميثولوجي ،و بعد أن يعجز الواقع عن تلبية المعالجات المعنوية للدالة للنفسية لشخص القصة ويصبح الواقع حالة راكدة لا يستطيع القاص أن يخلق المناخ التدريجي للسرد ، ولا يستطيع أن يربط اجزاء الواقع مع بعضها بكل تفاصيل الواقع المتناغم مع روحية السرد ،و من أجل كل هذا يلجئ القاص الى الخيال أو الأسطورة لكي يحقق التنامي الدرامي داخل أحداث القصة ، بعد أن يعجز الواقع عن توفير التنامي السردي بانسيابية سردية ،وقد لجئ الكثير من الكتاب الى هذا النوع من الأدب القصصي قصص الواقعية السحرية ،و قد كتب بهذا النوع الكثير من القصاصين وروائيين ، حيث يتشابك الواقع مع الخيال والأسطورة بالحياة اليومية. وفي عالم الواقعية السحرية تُنزع عن العادي عاديته، ويُصبح السحر مألوفًا ، أول مجموعة قصصه كتبت من قبل الكاتب خورخي لويس بورخيس وهو كاتب أرجنتيني وتعتبر مجموعته القصصية “الألف” أفضل نموذج لهذا الأدب، لهذا يحاول القاص جابر محمد جابر أن يرتقي بالواقع الى مستوى الخيال وضمن نسق الواقعية السحرية التي تعطيه كل الإمكانيات التي يضع فيها المعالجات التقريبية لواقع أتسع وأصبحت أزمة الإنسان فيه بظروفها العادية أكبر من سردها من خلال الواقع اليومي ، ونجد هذا في قصة ( الولد الذي تحول الى صقر )ص 62 ( الغربان السود بنت اعشاشها عند قبر ابيه ، شوهت صورته ،حاول جاهدا ان يزيح القبح من حوله ) يستمر بالسرد لكي يعطي التحول الكامل لشخص القصة (حتى اتته فكرة ان يتحول الى صقر يواجه غربان الشر )والتحول عنده حدث بعد أنسنة الإنسان الى صقر ، وخلق لأنفسه تيارا يلون الواقع بألوان الأساطير والخيال ، لكي يعطي النسق التكويني للخيال الأسطوري في مفهوم القصة القصيرة .
4- آفاق النص وحدوده السردية
حين يصبح التخيل السردي جوهرا وليس عرضا في عملية السرد، تصبح الدالة المعنوية هي عنوان السرد ، وهذا ما يعطي الفرق ما بين السرد العادي اليومي والسرد الفني وهنا تحدد المفاهيم بأبعادها وعلاقاتها المتشابكة والتي تسعى لتحقيق هذه الدالة ، من خلال فتح آفاق متعددة للنص وليس حصره في مسار واحد في زمن التخيل لكي يحقق القابلة التأويلية قي نسق شخوص القصة ، باعتبار أن القاص هو الشخص الأخر والذي يثبت حضوره من خلال ذهن المروي ، وهنا تأتي قدرة القاص على إعطاء لهذا المروي النضج المعرفي بكل ما يحيط به في المكان والزمان ، ما يعطي القاص القدرة على اخراج زمن القصة من زمن العادي الى الزمن النهائي وقد يكون هذا الزمن زمن المجهول . وهذا تحقق من خلال قصة ( بئر برهوت ) وهذا البئر ، والقاص حقق أيمانه بهذا البئر وما يمثل ، ومن دون أن يقع بالمباشرة و يؤثر على الدالة الذاتية ، بل أعطاها الإضاءة الاستدلالية لمحور الشخصية والفعل الجامع لكل حالات التأويل ، لكي يوسع من أفق الشخصية الرئيسية ، فحقق التوازي الفعلي والتنظير المعرفي ، وما القاعة الكبيرة إلا أشاره دلالية على أتساع أفق هذا الصحفي وأخبرته الواسعة بأجراء التحقيقات الصحفية السابقة ، لهذا كلفه بهذا التحقيق الذي يتطلب جنكة صحفية تنتجها الثقافة والمعرفة أي : أن القاص حقق البعد التأويلي الإشاري ، لأن هنا من الممكن أن يستدعيه رئيس التحرير الى مقره ضمن مكان الصحيفة بدل هذا الاستدعاء في القاعة الكبيرة( جاء رئيس التحرير ، وإلى القاعة الكبيرة ،نادى باسمي) وكذلك حقق البنية الزمنية الدلالية من خلال اصطحاب أحد المصورين وهي حالة قصدية لوجود هذا البئر (طلب مني أن أصطحب أحد المصورين لعمل تحقيق استقصائي عن بئر برهوت ) والقاص قد حقق إشارتين المتزامنتين لهذا المكان ( الوجود والنفي ) فالبئر موجود من خلال السعي لتصويره ، وفي نفس الوقت نفى علمه بما يمثله ، ومن خلال الحوار الذاتي الذي نفى فيه ما يمثل هذا البئر ( لم أكن أعلم ،أنه بئر جهنم ويسمى احيانا البئر السوداء، تسكنه الأفاعي ، والطيور الغريبة وعمقه (375) قدم ) وهذا إيحاء الدلالي أن هذا الصحفي بقدر ما يمتلك الوعي المعرفي بالحياة ومهنته ووجودية المعاني في الوجود الإنساني ، أراد القاص أن يحقق البناء الرمزي للقصة وطبيعتها الاختزالية لكي يحقق النص القصصي القصير بأحداث المفارقة للنموذج الضمني الذي يقارن ما بين الوعي وحالة الأيمان ، فالبئر يمثل حالة الظاهرية التي تحدد الأيمان ، والقاص يريد أن يقول أن الوعي المعرفي ( الثقافة) قد لا يؤدي الى الأيمان ، لأن البئر كما تؤكد الروايات التاريخية والدينية هو مكان تذهب إليه أرواح الكفار وكما قال الأمام علي (ع) )أبغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت بحضرموت فيه بئر ماؤها أسود منتن تأوي إليه أرواح الكفار( وهنا تحضر الإشارة الدلالية ، التي تؤكد أن الصحفي هذا لا يؤمن بالفكر الديني وما تترتب عليها من إشارات فهمية لكل الرموز الدينية ، حيث هو ذهب ولم يعد ، وكأن روحه سكنت هناك وبقيت عالقة ( مع هذا ذهبت الى محافظة الحيرة في اليمن ،ولازلت هناك ) وهذه أشاره خفية على أن الوعي الثقافي لابد أن يؤدي الى الأيمان بالقيم الدينية ورموزها في الحياة . و حين لا تكون هذه الثقافة هي الطريق الذي يؤدي الى الأيمان بالله لا يمكن أن تبعده عن الخطايا والكفر لهذا بقيت روحه عالقة هناك عند البئر .
واستطاع القاص جابر محمد جابر أن يمثل الشخص الأخر في كل قصصه ضمن هذه المجموعة ، وبهذا حقق الحضور الخفي للتحدث باسم هذا شخص ، وبنى السرد الاختزالي لكل لشخوصه التي تنوعت في معاناتها بالحياة ضمن الحدث المكاني و الزماني أي أبعد القاص حالة التشابه في كل معانيه التي توزعت قصصه أي : أستطاع أن يخلق شخوص القصص باستقلالية تامه ،من ناحية المعاناة والنضج المروي في طرح الأحداث القصصية برمزية عالية الاختزال والتروي ومن دون أن يربك المشهد القصصي في قصص المجموعة .