قراءة لروا(ة “الربيع يأتي متأخراً) للكاتب السوري منذر فالح الغزالي
بقلم : زينب الحسيني .كاتبة وشاعرة / لبنان
تصدير:
بدأت أكتب والحيرة تملؤني ، كيف أستطيع أن أبوِّب قراءتي لرواية ثرية بديعة، ألّفها كاتبها بتأنٍّ وشغف وأخذت منه الوقت الكافي، لتكون بمثابة بانوراما حقيقية، تجري أحداثها في حقبة زمنية هامة، وقد اختار لأحداثها شخصياتٍ نموذجية متخيَّلة، أبدع في تشخيصها ودراسة تحولات الشخصيات عبر الزمن، فبدت كأنها واقعية، نحسها ناطقة ونتخيَّل حركات ممثليها: أحلامهم خيباتهم، وسقطاتهم في مسرح الحياة. كما نتخيل تطلعات شبان وشابات جدُد، حلِم الكاتب بأنهم سيكونون مفاتيح التغيير المرتجى، في مجتمعاتنا العربية التقليدية، الرازحة تحت نير سلطات استبدادية مغرقة في الظلامية والتسيُّد المطلق وكبت الحريات ..
الرواية بلسان مؤلفها الأديب منذر غزالي هي ” رواية في العشق ، وعن العشق ، عن الروح والعقل والجوارح، والإنسان الحائر بين هذه الأقانيم الثلاثة، وهي تتنازعه وتتحكم بمصيره” ومن خلال السرد ولعبة “الفلاش باك” وعبر التلاعب بالزمن ما بين ماض وحاضر، يتعرف القارئ إلى الظروف التي رافقت الأحداث، والتي تصل حد التعسف والظلم، والتفاوت الكبير في مستوى العيش بين العاديين من الناس وبين أزلام السلطة أو المقربين منهم .
الرواية مقسمة إلى ثلاث عشرة فصلاً، يحكي الكاتب فيها سيَر مجموعة من الشبان والشابات الجامعيات، تنشأ بينهم علاقات حب وصداقات وتدور بينهم حوارات متنوعة الموضوعات الثقافية والسياسية والإيديولوجية، تعطينا فكرة واضحة عن مجتمع الشباب وطريقة عيشهم وعن النظم السياسية التي تتحكم بمصائرهم واقدارهم، وتوقهم إلى الحرية وتحطيم التقاليد البالية التي تقف حاجزاً منيعاً أمام التقدم الحضاري المرتجى . و رغم تشعب الموضوعات والقصص وكلِّ ما دار في الحوارات من نقاشات وتحليلات ونظريات متنوعة، امتازت الرواية بحبكة متينة ، مشدودة بإحكام ، وسرد شيق سلس يشد المتلقي ، ويجعله يتابع السرد بشغف ودون ملل.
الملفت في الرواية، هذه القدرة من جانب المؤلف على تحليل نفسيات الشخصيات، كل شخصية بما يتناسب مع وعيها ومزاجها ودرجة ثقافتها ولغتها التعبيرية، مما يدل على أن لديه خبرة بالنفسية الإنسانية ، وتقلباتها، والصراعات التي تدور بين
” الأنا الأعلى” وبين “الهو ” بين القيم المجتمعية التي تحكم تصرفات الفرد، وبين ما تتوق إلى فعله بحرِّية النفس البشريَّة.
العنوان :
سأتوقف عند العتبة الأولى/ عنوان الرواية وهي “الربيع يأتي متأخراً ” عنوانٌ بدا كنافذة يطل بها المتلقي على الرواية، ويستوحي بأنَّ هناك إرهاصاتٍ لربيع ، لولادة ما ، كلما لاحت تباشير بزوغه ، كان يتأخر في القدوم أو الظهور .
بدأ المؤلف كتابة الرواية سنة2011، وكان الربيع العربي قد بدأ في تونس وعُرف ب” ثورة الحرية والكرامة ” في السابع عشر من ديسمبر عام 2010
يوم قام محمد البوعزيزي بإضرام النار في جسده تعبيراً عن رفضة للإذلال والفقر ، مما أدى إلى احتجاجات ومظاهرات عارمة، وخروج آلاف التونسيين الرافضين للبطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الح
وهكذا شكلت الثورة التونسية ، المفجِّر الرئيسي لما سمي بالربيع العربي، وتلتها ثورة مصر وكانت قد بدأت المظاهرات والاحتجاجات في سوريا، ولم يلبث أن تعقَّد الوضع فيها واندلعت الحرب الشعواء التي لم تبقي ولم تذرْ، وتحوَّل الربيع إلى خريف عاصف وشتاء مدمِّر.
كما أنَّ للعنوان أكثر من دلالة، ففي الرواية أكثرُ من استحقاقٍ كان “ربيعاً” منتظراً قاب قوسين أو أدنى من الاكتمال ، لكنه لم “يتحقق” أو تحقق بعضه بعد طول انتظار وعناءِ اصطبار. ومن الأمثلة على ذلك، ذاك الحب الأسطوري العارم،
بين بطلين هما من أهم شخصيات الرواية: جنان ورياض، اللذين رغم ما ربطهما من حب ، لم يثمر حبهما عن زواج، إلا بعد عشرين سنة من العذاب والانتظار العبثي، وبعد أن تحول “ربيع الشباب ” إلى خريف.. وهناك كثير من الأمثلة التي أوحى بها العنوان .
الأمكنة :
هناك تعدد في الأمكنة، وهي بمثابة محطات شهدت حضوراً متنقلاً بين مكان وآخر للأبطال .
منها درعا أول الأمكنة التي انطلق منها رياض وزياد، ثم جامعة تشرين في اللاذقية، وجامعة دمشق ، وهناك أماكن أخرى
مثل ( سوق الهيل ، منطقة الطابيات..) وقد برع الكاتب في أنسنة هذه الأمكنة ، فكانت تبدو فرحة مهللة عندما تتم فيها لقاءات الأحباء، وحزينة عندما يحزن زائروها، كما أن الطبيعة نفسها، كانت كمرآة عاكسة لما يدور في نفسيات الأبطال من تقلبات وقلق وتشوش .
الأزمنة : نجح الكاتب أيَّما نجاح ، في التلاعب بالزمن عبر لعبة :الفلاش باك” وكان ينتقل ببراعة من الماضي إلى الحاضر،
مما يجعل الحدث اكثر ديناميكية ويخفف عن المتلقي عبء المراوحة في نفس الأزمنة والأمكنة ويخفف الملل، لذلك ورغم طول الرواية والإسهاب في توصيف بعض التفاصيل أحياناً ، كنا نحس شغفاً بمتابعة القراءة نظراً لأسلوب السرد الشيق والرومنسي في معظم الأحيان .
شخصيات الرواية:
الشخصيات الرئيسية: رياض وزياد وجنان، طلاب جامعيون هم من أبرز الشخصيات الرئيسية ، رياض وزياد كانا رفيقين
منذ مرحلة التعليم الابتدائية وصديقين حميمين استمر تواصلهما في مرحلة الدراسة الجامعية ، جنان كانت صديقة زياد، نشأت بينهما قصة حبٍّ انتهت بخلاف شديد، بسبب حبٍّ وشغف بين رياض وجنان لم يكتب له أن يولد ويعيش، إلا في نهاية الرواية ، فكانت ولادته ك ” ربيع يأتي متأخراً” جاءت إيحاءاته في عتبة الرواية: “الربيع يأتي متأخراً ”
شخصياتٌ رئيسية أخرى أقل حضوراً وأقل أهمية في الرواية: ميسون ، خليل ، نشأ بينهما علاقة حب خجولة وغير جدية لم تلبث أن انتهت ليصبح خليل شيخاً وداعية إسلامياً يدعم المجاهدين الإسلاميين .هناك أسامة الذي تزوج بجنان، بعد فشل قصتها مع زياد، وخيبة حبها لرياض . وأخيراً أطلت شخصية ليلى ابنة جنان، التي ترمز إلى جيل شباب، يعتبره المؤلف جيلاً واعداً ، يحلم بالتغيير وبالحرية الحقيقية، لكن حلمه بحاجة للإكتمال بوعيٍ ثقافي ونضاليٍّ، يستمده من تجارب جيل المناضلين
الذين خاب حلمهم في النضال لتحقيق الحرية المبتغاة .
شخصية سامر الذي يعمل في سوق الهيل، والذي انتهت
حياته مقتولا من قبل المخابرات لمنعه من تملك قطعة ارض صغيرة .
هناك شخصيتان مهمتان هما :
شخصية عبير زميلة رياض ،وهي فتاة جامعية قوية الشخصية تعرف معنى حريتها وتدافع عنها بشراسة في المجتمع الشرقي الذكوري .
اما ضحى، فهي البائعة الجميلة اللعوب التي تحاول إغواء رياض وتلفت نظره في حين انه يعرض عنها .
بعد هذا العرض للشخصيات الرئيسية، اخترت أن اقصر بحثي على ثلاث شخصيات رئيسية محورية كان لهما الحضور الطاغي والاطول على مدى مساحة الرواية .
الصراع الدرامي للشخصيات الرئيسية الثلاث:
رياض ، جنان ، زياد.
شخصية رياض: شخصية رئيسية تكاد تكون من أهم شخصيات الرواية ،والتي – برأيي المتواضع- حمَّلها المؤلف معظم أفكاره
الاجتماعية/ الإنسانية، والسياسية والإيديولوجية ، ومجمل تأملاته الوجودية في الحياة.
شخصية، تذكرنا بأبطال التراجيديا الإغريق، أو بالبطل الأرسطي، الذي كان يوصف ب”شبه الإله” إلا أن علَّةً ما تدفعه لارتكاب خطأ مأساوي، يدفع به إلى مآزق تراجيدية متتالية تعقِّد له مسار حياته، و تحرفه عن تحقيق خياراته الأساسية،
وكما يقول أرسطو” إن العمل التراجيدي لا ينبغي أن يكون بسيطاً بل معقَّداً، كي يعرض الحوادث التي تثير الخوف والشفقة”، كما تثير السخط، بغية التأثير على مشاعر المتلقِّي ونقل هدف المبدع من عمله الأدبي .
كان رياض منذ بداياته مولعاً بالعلم وقد وضع نصب عينيه التحصيل العلمي الجامعي لبناء مستقبله المرتجى، كما كان يُعتبر قدوةً من حيث التعامل الراقي والتضحية والإخلاص للأصدقاء. أقداره بدأت تعاكسه في السنة الجامعية الخامسة لأسباب سيأتي ذكرُها لاحقاً . يتمتَّع رياض بثقافة شمولية متنوعة المصادر والمشارب، ويمتلك قدرة متميزة على إدارة النقاش والحوار والإقناع بأسلوب سلسٍ جذاب. هو روحاني حساس يحب الشعر وينظمه، كما أنه يجهد في تهذيب غرائزه حدَّ “الكبت” ممَّا يميِّزه عن صديقه زياد الذي يتعامل بصلفٍ وقسوة مع أصدقائه، مما جعل “جنان” تعجب برياض، وتحبُّه حدَّ الشغف، وتعرض عن حبِّها الأول لزياد .
ومن هنا بدأت المأساة تكبر وتتسع ، ويكبر معها الصراع الدرامي للشخصيات الرئيسية على مدى مساحة الرواي.
شخصية زياد: زياد ولد في درعا السورية، والده سجين سياسي معتقل بسبب انتمائمه للحزب الشيوعي المحظور،
غياب الأب أثر في شخصية زياد، فعاش مراهقته بلا أصدقاء حقيقيين ، يخشاه رفاقه لقوته وسلاطة لسانه، وهو لا يلقي بالاً للعادات والتقاليد ويعتبرها متخلفة بالية ، يؤمن بأنَّ الشكل الأسمى للحب ،” هو تلبية الحاجة الغريزية، ويؤمن بالحرية الجنسية كتأكيد للحرية السياسية التي يؤمن بها.”
اخذ زياد عن ابيه انتماءه للحزب الشيوعي، وكان زميلا وصديقاً مقرباً جداً لرياض منذ أيام الدراسة في قريته درعا ، افترقا ثم التقيا مجدداً في جامعة “تشرين” في اللاذقية، وكان رياض في السنة الخامسة/ هندسة،
تدور بين رياض وزياد حواراتٌ كثيرة ونقاشات ومواضيع متنوعة منها السياسي والاجتماعي والإيديولوجي تُظهر ما بينهما من اختلاف في وجهات النظر والسلوكيات الاجتماعية، وقد نجح المؤلف في توظيفها لتعكس ما في المجتمع السوري والعربي من تناقضات اجتماعية، نفسية، عقائدية و سياسية. و يبدو زياد ملماً بالحوارات السياسية، وهو حادٌّ في نقاشاته، يحاول دائماً أن يلفت النظر بسطوته وحضوره .
شخصية جنان:
جنان ولدت في أسرة ميسورة وعاشت طفلة مرفهة، لديها هامش من الحرية، تحترم التقاليد وتخشى اختراق العادات الشرقية “الأساسية” أحبت زميلها زياد بشغف، لكنَّ تصرفاته السلطوية ، وإيمانه بالحرية الجنسية بشكل مطلق ، جعل جنان تنفر منه تدريجياً وتحب صديقه رياض بدلاً عنه. خشيتُها من انتقادات المجتمع لخيارها رياض، وإدانتُها لنفسها على
التنكر لحب زياد، جعلتها تدوس على حبها ، ومشاعرها تجاه رياض، لذا تزوجت من أسامة ، دون أدنى حب،
ومن هنا ينشأ صراع نفسي حاد في داخلها، يفضي بها إلى حالة نفسية اكتئابية تعيشها سنينَ طويلةً محفوفة بالألم والضياع والعذاب … وهي تقول عن عمرها الذي ضاع منذ أن تزوجت وطلَّقت أسامة ” كان عمراً بلا حياة، وصار للعمر معنىً”
تتحسر عليه منذ أن عادت والتقت ب”رياض” بعد عشرين سنة من أول لقاء ..
السقوط المأساوي لشخصية رياض :
أسبابه عديدة، كان أولها ذاك الصراع النفسي بين الحب والصداقة: حبِّه لجنان وخوفه من خيانة صديقه زياد، لذا داس على قلبه و”أخفى مشاعر الألم والمرارة، فلم يبح لجنان بحبه، حرصاً على مشاعر زياد وإخلاصاً لصداقتهما الوطيدة”
رياض كان يؤمن ” بأن الحب هو سر الخلود، وأنَّ البحث عن الحب الحقيقي، هو بحث عن الخلود” لذا خيْبته في حبه لجنان كانت ضربة قاضية لشغف استمراره في الحياة، فهو يناجي نفسه قائلاً ” لماذا انتهى حبي لجنان إلى هذا الجرح العميق، لقد ابتعدت كثيراً عن ذاتي، وصار صعباً عليَّ أن أعود إليها”
الظلم الذي لحق برياض في الجامعة ومنعُه من إتمام سنته الخامسة الأخيرة ، قتل أحلام مستقبله، وضيَّع إمكاناتِه الفذة
وجعله فريسةً لاكتئابٍ وخيبة، وسمت حياته اللاحقة ووقفت عقبة كأداء في طريق تحقيق مستقبله.
القدرٌ ظلَّ مُعاكسَه، حتى بعد أن شدَّد العزم على إتمام تخرُّجه، لكنَّ حادثة اغتيال “سامر” ظلماً وبهتاناً، برزت عائقاً
معرقِلاً من جديد. سامر الذي شغَّل مجموعة من العمال في سوق الهيل، من بينهم رياض الذي قرر أن يعمل ريثما يتخرج . ولما جمع سامر من أتعابه مبلغاً من المال، اشترى أرضاً صغيرة ، ليبني عليها مستودعاً للخردة، لكنه اصطدم بجماعة مستثمرين كبار مدعومين من رجال في الدولة، هددوه ببيع الأرض وإلا سيلقى مصيراً أسود . وما لبث سامر أن اختفى فجأة، ليجده رياض مقتولاً في ثلاجة مستشفى، ثم يعرف لاحقاً أنَّ القتلة الأوغاد يتعاملون مع المخابرات. لم يجد رياض بدَّاً من الإدلاء بشهادة تتعلق بالحادث، لكنه كوفئ بالحكم عليه لأربع سنوات.. مما زاد في الطين بلَّة، وضاعف مآسيه ، و ضرب حلم تخرُّجه ضربة نهائية قاضية ..وهكذا تابع رياض حياته غريباً في قريته، منكفئاً على ذاته، لكنه اكتفى بنهمه القديم للقراءة والتثقيف الذاتي المتنوع ، إلى أن شاء القدر ل”يأتي الربيع متأخراً” ويلتقي بعد عشرين عاماً بحب حياته ومعشوقته “جنان”
التي ظل وجوده ناقصاً دونها، وعاد للاكتمال فهو يقول لجنان: “كلُّ عمري الذي مضى كان مهرجاناً من حزن وخيباتٍ وضياع في انتظارك، أنت حوائي التي حين وجدتها، اكتشفت أني أجدُ ذاتي ”
زياد: أصيب زياد بخيبة أفقدته توازنه النفسي والجسدي لفترة، من جراء إعراض جنان عن حبه للأسباب التي ورد ذكرها سابقاً، لكن الحادثة هذه أظهرته على حقيقته ،فقد كان حكمه ظالماً جداً على صديقه رياض واتهمه بأنه خان الصداقة
وغدر، واختطف منه حبيبته جنان، رغم كلِّ تضحيات رياض بمشاعره وحبه لجنان، ليبقى مخلصاً للصداقة.
زياد عاد يزاول حياته العادية، وجمع المال بعد أن تولَّى إدارة مكتب “دار التراث للنشر والتوزيع” وصار
“يجمع في شخصيته عالمين متناقضين، حتى بات لا يفرِّق بينهما، المهم أن يقنع الزبون فيشتري أكبر كمية من الكتب ”
بالمختصر تنكَّر زياد لأفكاره ومبادئه ، فهو يصف نفسه بالقول: أنا تاجر والتاجر لا يهمه سوى الربح”
رسالة المؤلف: من وجهة نظري أرى أن رؤية المؤلف جاءت على لسان شخصياتٍ رئيسية حمَل بعضاً منها رياض ،
وجنان وحمَّلها رياض إلى “ليلى” الشابة، ابنة جنان .
رياض عبر مونولوج يقول” طيلة حياتي لم أسعَ إلى هدف خاص أو منفعة شخصية، لكنَّ حالة من عدم الثقة كانت تسيطر على كل أفعالي. صرت أشك بجدوى الثقافة والأخلاق والمبادئ، وقررت التصالح مع هذا الواقع الحار، لكني بقيت غريباً عن كل شيء. أدركت أن الحياة أسمى بكثير ، وأنَّ قدرنا أن نحمل الصخرة على أكتافنا كي تظلَّ سامية ، هذا إنجازنا الوحيد الذي يحق لنا أن نعتزَّ به، في هذا الزمان الصعب”
واقتناعاً منه بجدوى متابعة النضال بحرية وجرأة، فقد أعجب ب”ليلى” ابنة جنان ، وشجعها على الانخراط مع شباب
جيلها وشابّاته في نادٍ شبابي يَنشد تغييراً حقيقياً مبنيَّاً على النضال في سبيل الحرية الحقيقية التي دونها ستبقى مجتمعاتنا العربية رازحةً تحت نير الأنظمة الاستبدادية ، التي تثبت استمراريتها وحكمها عبر القمع والاعتقالات السياسية والفساد الذي يطال المجتمع برمته من رأس الهرم حتى القاع …
لن أنسى شخصية عبير/ النموذج للفتاة الجامعية المتحررة، والتي تعرف كيف تدافع بجرأة عن حقوقها وعن حريتها المستلبة
في مجتمعاتنا الذكورية الشرقية.
وقبل أن أنهي بحثي الوجيز لا بد لي أن أتكلم قليلاً على اللغة التعبيرية الشاعرية والتوصيف الرومنسي للطبيعة وأنسنة الأمكنة الساحرة، والتعبير الوجداني لرياض وجنان عن الحبِّ الجامح الذي وحد قلبيهما ، واستحال خريفاً وشتاء عاصفاً لردح من الزمان، ليعود مزهراً في ربيع “تأخر في الإشراق” لكنَّه عادَ ليحييهما من جديد…
كل التقدير والتثمين للأديب المبدع، الناقد الأستاذ منذر غزالي، على هذه الرواية الرائعة ، التي أمتعتنا بسردها الشيق وثراء
ما اختزنته من مواضيع اجتماعية وثقافية ومن تأملات فلسفية سامية، في البحث عن كينونة ومعنى الوجود الإنساني الحقيقي…
زينب الحسيني
لبنان