عنان عكروتي
وأنتظر الصبـحَ ..كلَّ صبحٍ ..بقوةِ الشوق، ونشوة الفرح الموعود فيهِ ..
أبدو واقفاً للشمس! تعـال : ..تناديني ..وتسكب صوتها
كأنّه حلمٌ ..يراوغ لثغتي عند الحديث ..تلكؤي ..وتماسكي المخدوع ..وتمنطقي بالعلم ..أو بالخط تارةْ ..أو حتى بتوقيعي الموشَّى بالخجل ..
لكنني أصبو ..فتنهااار السدود ـ لم تنجرف ـ ولكل أوديتي ستروي حين تهفو ..كما قالت وتنتفض الزهور .
يااا حُـبُّ ..مُدَّنا بالفيض؛ كي نخوض غمار معركة من اللهفات والأشواق ..فالجو رَطبٌ ..والمناخُ ملائمٌ ..وتماثل الأرواح درعٌ ..والحنين عتادنا ..
لا هدفٌ لنا.. ياااا حـبُّ ..سوى الهزيمةِ للألم ..
والانتصار لشهقةٍ خمرية عَمَد الزمانُ قتالَها عند البزوغ ..
وصَبوةٍ ولدت وعاث الدهرُ في أكتافها ..فتعطلت عمداً ..مخافة أن يشوهها النمو ..!
فلتنتصر …ياحُـبُّ ..واكلأها بعين شجاعتك ..
كي تنتشي ..ويزدهي قلبي بوعدٍ ينتظر ..
ولتندفع ..فالعطرُ محبوسٌ ..والبحر صلدٌ ..والغيم يشتكٍ الملل ..
وأنا رهييييين عذابها ..وأحبُّهاااااــ فهلّا زرتها ..وخطفتها؟ــ فأنا هنا/ك أحبُّــــها !!
من المتعارف عليه في الدراسات النقدية الحديثة أنها خرجت عن النهج الذي تأثر به النقاد سابقا و أصبحت القراءات الحديثة تهتم بالوقوف على الأسس الجمالية العامة للنص والتركيز خاصة على الصورة والرمز و اللعب على تناقض المصطلحات والألفاظ التي تمنح النصوص الحديثة ألقا وتوهجا ،هذا ما لم تعرفه النصوص القديمة في تشكيلها الجمالي على عكس النصوص الحديثة التي صارت تعتمد على تكثيف الصور و مزجها بثنائيات متناقضة تترجم هواجس الكتابة و تبرز النسق الجمالي في النصوص . وفي نص فارس البيل ’’ هي الصبح ’’ تتراكم هذه الزخات العاطفية ويحتشد الجمال الباذخ في سمفونية
عذبة عزفت على أوتارالنص منذ البداية
وأنتظر الصبـحَ ..كلَّ صبحٍ ..بقوةِ الشوق، ونشوة الفرح الموعود فيهِ ..
أبدو واقفاً للشمس! تعـال : ..تناديني ..وتسكب صوتها
كأنّه حلمٌ ..يراوغ لثغتي عند الحديث ..تلكؤي ..وتماسكي المخدوع ..وتمنطقي بالعلم ..أو بالخط تارةْ ..أو حتى بتوقيعي الموشَّى بالخجل ..
لكنني أصبو ..فتنهااار السدود ـ لم تنجرف ـ ولكل أوديتي ستروي حين تهفو ..كما قالت وتنتفض الزهور .
أول ما ينتبه اليه القارئ أن فارس البيل قد تخلى عن القالب التقليدي و أن الصياغة اعتمدت بالأساس على الاحساس لجعل الفكرة شعرية بأسلوبها و ابداعها . فكان نمطا جديدا متجاوزا لكل الأطر التي تعودناها ،و احساسنا به هو الذي خلق هذه اللذة والقشعريرة الجميلة ، و أنت تمارس عليه فعل القراءة.
( وأنتظر الصبـحَ ..كلَّ صبحٍ ..بقوةِ الشوق، ونشوة الفرح الموعود فيهِ …..) الى آخر هذا المقطع
يبدو واضحا هنا أن الكاتب متأثر بالمذهب الرومنسي الذي من خصائصه بروز الذاتية في الأعمال واتخاذ الطبيعة مادة خاما للعمل الأدبي، فاستعمل الشروق والشمس و أغرق نفسه في رومنسية عذبة .
وكان صراعه مع ذاته ومع هذه العاطفة المتدفقة لا يهدأ فهو يقول
يااا حُـبُّ ..مُدَّنا بالفيض؛ كي نخوض غمار معركة من اللهفات والأشواق
لا هدفٌ لنا.. ياااا حـبُّ ..سوى الهزيمةِ للألم ..
والانتصار لشهقةٍ خمرية عَمَد الزمانُ قتالَها عند البزوغ ..
وصَبوةٍ ولدت وعاث الدهرُ في أكتافها ..فتعطلت عمداً ..مخافة أن يشوهها النمو ..!
يتغير اتجاه النص كليا هنا وكأنه يقر بمرارة الحقيقة ويعلن الهزيمة : لا هدف لنا سوى الألم ، كما أن اللغة التي استعملها الكاتب هنا تشكل مسافة مليئة بالحسرة والالتياع اختزل فيها كل ما يمكن أن يدور بذهن القارئ من تساؤل وما يمكن أن تكون ردة فعله المستقبلية حيث أنه قطع عليه كل التضاريس التي يمكن أن يستهلكها والأفكار التي يمكن أن يقترفها وكأنه لا يريد منه أن يقتفي أفكاره هو فقط و يلتمس لها الأعذار كأنه يحله من هذه المهمة الشاقة ويرفع ستارة المستقبل ليرى ما خلفها ( القارئ).
( والانتصار لشهقةٍ خمرية عَمَد الزمانُ قتالَها عند البزوغ ..
وصَبوةٍ ولدت وعاث الدهرُ في أكتافها ..فتعطلت عمداً ..مخافة أن يشوهها النمو ..! )
انه الاشتعال الدائم المقرون بفعل الغياب الذي خلفه الانتظار الممل والتوق الى العثور على الآخر الغائب الحاضر . انه التشكل الزماني ( ولدت / الدهر / النمو) هذه الألفاظ اللغوية الدالة على فعل الزمن كأنها تنقل لنا صراع الكاتب مع الزمن هذا البعد المفترس الذي يتغول على كل الأشياء ليحيلها عدم ،كانه خوف منه أن يفعل فيها فعله فوقفت لتكابر وتتحدى (فتعطلت عمدا) ( مخافة أن يشوهها النمو ) والنمو هو فعل زمني بالأساس .
فلتنتصر …ياحُـبُّ ..واكلأها بعين شجاعتك ..
كي تنتشي ..ويزدهي قلبي بوعدٍ ينتظر ..
يتواصل النص لكن متمردا ثائرا على اقراراته السابقة حيث أنه بالامكان أن نخترق الطقوس المتعارف عليها ونتمنى ونحلم : فلننتصر …. يا حب . هنا يأخذ الكاتب نفسا اشتهائيا بحثا عن تحقيق وعد ينتظر و لو بصيغة االتوسل المكتومة ، المهم تحقيق تلك الأمنية ان كان صمتا أو صخبا رغم استحالة الحلم داخليا وربما هي دعوة للقارئ كي يشاركه ذاكرته القديمة التي فيها اقرار بالهزيمة والتمرد عليها بارباكها و تتويهها ولو بالتحايل.
ولتندفع ..فالعطرُ محبوسٌ ..والبحر صلدٌ ..والغيم يشتكٍ الملل ..
وأنا رهييييين عذابها ..وأحبُّهاااااــ فهلّا زرتها ..وخطفتها؟ــ فأنا هنا/ك أحبُّــــها !!
ان العواطف والأحاسيس النابعة من الداخل أساسية في تأثيث أي نص لأنها تمنحه بعدا انسانيا أكثر و تبصمه من وجدان كاتبه. فيؤثر الشعور الانساني الصادق في المتلقي وتؤثر عليه لتمنح النص نجاحا كبيرا. وهذا المقطع من النص مشبع بالرقة مما يمنح القارئ مساحة كبيرة من الترقب لما سيأتي بعده من أحداث. والقلق والأرق العطر محبوس / البحر صلد/ الغيم يشتكي الملل)الذين ينضح بهما النص هنا يتسربان الى القارئ أيضا ليمنحاه تفاعلا كبيرا يجعله يحلق مع ذات الكاتب الشاعرة .
( وأنا رهييييين عذابها ..وأحبُّهاااااــ فهلّا زرتها ..وخطفتها؟ــ فأنا هنا/ك أحبُّــــها !! )
الكاتب لم يتوارى خلف الأقنعة والأستار و لم ينكر هذه العاطفة السامية بل أقرها و أقرها وأكدها وعشقه كان حقيقيا رغم الخوف والقلق الذان يحيطان به. وقد أكدت علامة التعجب ! التي ختم بها هذا الاقرار.فالقارئ حقيقة سيستغرب من هذا الاعتراف لأنه يعرف حقيقة ما يجري لكن نقطة التعجب هذه أضفت بعدا جماليا آخر و اضافة أنيقة تحتسب للنص.