قراءة في كتاب علم النفس السياسي تأليف: دايفد باتريك هوتون
بقلم / مجاهد منعثر منشد
المؤلف البرفسور دايفد باتريك هوتون أمريكي الجنسية من أصل بريطاني , أستاذا في جامعة وسط فلوريدا في الولايات المتحدة , وعمل قبل ذلك في جامعات بريطانية وأميركية. له ستة كتب وعدة مقالات منشورات في دوريات علمية محكّمة. كتابة علم النفس السياسي ترجمته الأردنية د. ياسمين حداد .
قبل الخوض في تفاصيل قراءة كتاب علم النفس السياسي , لابد لنا من موجز يوضح للقارئ الكريم من المستهدف في علم النفس السياسي ؟
هذا العلم مجال أكاديمي متعدد الاختصاصات، يقوم على فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور نفسي وتعتبر العلاقة بين السياسة وعلم النفس ثنائية الاتجاه؛ فيستخدم العلماء علم النفس كمرآة لفهم السياسة, وكذلك السياسة مرآة لعلم النفس، ويعد هذا العلم مجال متعدد الاختصاصات، لأنة يأخذ مادته من مجموعة واسعة من التخصصات الأخرى، بما في ذلك علم الإنسان، وعلم الاجتماع، والعلاقات الدولية، والاقتصاد، والفلسفة، ووسائل الإعلام والصحافة بالإضافة إلى التاريخ.
ويعرفه مورتون دويتش بأنه: “دراسة تفاعل علم السياسة مع علم النفس، خاصة أثر علم النفس في السياسة”.
تتصف الطبيعة البشرية بخصال عديدة ومتباينة , فتجد فيها الأنانية والقسوة وترى الكرم والنزاهة والطموح إضافة إلى الحماقة وغرابة الأطوار , بذلك هي خليط معقد من الخير والشر كما أنها تمثل معجزة التطور .
ومهمة علم النفس البشري تفسير تلك الطبيعة الإنسانية واختلاف الطبائع البشرية من فرد لآخر وأثر البيئة المحيطة الخارجية بالبيئة النفسية الداخلية للفرد.
أما على مستوى العلاقة بين علم النفس الإنسان وعلم السياسة فسنجد أنه فروع هذا العلم تتنوع إلى نظريات سياسية وعلاقات دولية ونظم سياسية وسياسيات عامة وخارجية وتنظيمات وقوانين دولية وغيرها من الفروع المختلفة التي يتطرق إليها علم السياسة.
وإذا ألقينا نظرة عامة وشاملة على هذه المجالات ندرك أنّ الفاعل الأساسي في كل هذه التخصصات هو “الإنسان“، والتفاعلات المختلفة من سلام وحروب أو تعاون وتنافر بين الدول والشعوب فهى تقوم على دوافع معينة تصدر من النفس البشرية.
يلخص الكتاب بنمطين أساسيين من المقاربات لفهم السلوك السياسي الإنساني: أوّلهما مقاربة موقفية تعدّ البيئة أو الموقف المحيط بالفرد، أكثر أهمية في تشكيل سلوك الفرد أو دوره في المجال العام من نزعاته أو خصائصه الشخصية أو انتمائه الحزبي؛ و الأخرى المقاربة النزوعية التي ترى أنّ شخصية الفرد وما لديه من اعتقادات وقيم أو حتى موروثات جينية، أكثر تأثيرًا في هذا المضمار. بل يمكن، على العموم، النظر إلى السلوك السياسي على أنّه حدث مدفوع بأسباب داخلية أو مؤثرات خارجية، أو بمزيج من هذين النوعين.
في هذا الكتاب يجيب المؤلف على سؤال جدلي من أكثر الأسئلة الفلسفية تعقيدًا حول سلوك البشر، وهو في ما إذا كان سلوك الفرد نابعًا من خصائصه النفسيّة الفرديّة -أي مدفوعًا بأسبابٍ داخلية -أم ناتجًا عن أسباب خارجية بمثل الظرف المحيط، والموقف الذي وُجد فيه الفرد (قوى موقفية).
وأن السؤال المحوري الذي يطرح هوتون والقضية التي تدور حولها موضوعاته في الكتاب , ما الذي يُحدّد سلوكنا؟ أو لماذا يفعل الناس ما يفعلونه؟
إن معظمنا يحمل نزعات إضافة إلى قيم واعتقادات نفترض بأنها تحول دون قيامنا بأفعال مشينة، إلا أن قوّة الموقف المحيط، وضغطه، قد يطغيان في أحيان كثيرة على هذه القيم والمعتقدات، ويجعلاننا نتصرف بما يخالفها.
ولكن إذا كان الموقف أو المحيط هو كل شيء، بحسب بعض علماء النفس الاجتماعي، وأنه المُحدّد الرئيس لسلوك البشر، فهل نتعامل مع الأفراد كأنهم يولدون «صفحات بيضاء فارغة» وغير مسؤولين عن سلوكهم؟ ألم نولد ونحن نحمل في داخلنا نزعات معيّنة تحدد سلوكنا؟ أليست لدينا القدرة على الاختيار؟ أليس لحالاتنا الذهنية والنفسية أهمية كبيرة في تحديد سلوكنا؟ ألا يحق لنا أن نتساءل عن أسباب استجابة الأفراد للموقف الخارجي الواحد بطرائق مختلفة؟ فما هو إذًا هذا الشيء في داخلنا الذي يُكوّن هذا الاختلاف في السلوك؟.
من خلال الإجابة على الأسئلة المطروحة أعلاه يريد دايفد هوتون فهم السلوك السياسي , فيعرّف هذا السلوك بأنّه “أي نشاط يومي يرمي إلى تحقيق غاية سياسية، ويشمل ذلك نطاقًا واسعًا من النشاط السياسي الذي يزاوله البشر، من السلوك المتطرف كالإرهاب والحرب إلى السلوك العادي المألوف كالتصويت في الانتخابات. ويتضمن ذلك صنع القرار – في مستوى الأفراد المصوتين، ومستوى النخبة في الحكومة- وما يتعدى ذلك.
في الكتاب مقدمة وثلاثة أبواب رئيسة. وجاءت المقدمة في فصلين، وضع فيهما المؤلف موجزًا لما سيتعرف إليه القارئ في الكتاب، إضافة إلى نبذة حول علم النفس السياسي وتاريخه. أمّا الباب الأول، فعنوانه: الموقف، وضمّ الفصول من 3 إلى 6. وفيه يفحص المؤلف مناحيَ متنوعة من المقاربات القائمة على علم النفس الاجتماعي، والتي تؤكد أهمية الموقف قياسًا بدور الأفراد وخصائصهم في توجيه السلوك، بادئًا بالتحليل الموقفي الأكبر، وهو السلوكية والتي كانت شائعة في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، لينتقل بعدها إلى وجهة نظر سكينر القائلة إنّ الدول تحسن صنعًا إذا عملت على إشراط مواطنيها (أي تعلمهم بالثواب والعقاب) على الأخذ بالسلوك “المرغوب فيه اجتماعيًا” وتجعلهم أفضل حالًا. وفي الفصل الرابع يتناول المؤلف تجارب ستانلي ميلغرام، والتي تعدّ من أبرع التجارب التي أجريت في علم النفس، محاولًا أن يطبق الاستنتاجات التي يخرج بها من هذه التجربة على فكرة الإبادة الجماعية، وخصوصًا تلك التي حصلت في ثلاثينيات القرن المنصرم. أمّا الفصل الخامس، فيستعرض تجربة مناظرة لتجربة ميلغرام، وهي تجربة ستانفورد الشهيرة على سلوك السجناء والسجّانين. وسيكون التركيز على متطلبات الموقف وكيف أنّ الأدوار المحددة اجتماعيًا يمكن أن تكوّن سلوكنا. ويختتم الباب بالفصل السادس المخصص لفكرة سلوك الجماعة. ويتناول بصورة خاصة أعمال إيرفنغ جانيس عن كيفية تغيّر سلوك الفرد استجابةً لضغوط الجماعة.
وفي الباب الثاني، الفرد، وهو الباب المخصص لوجهة النظر النزوعية، ويضمّ الفصول من 7 إلى 11، يبحث في النظريات النفسية القائمة على أساس فردي. والجدير بالذكر أنّ هذه النظرية ذات تأثير أكبر في علم النفس السياسي من وجهة النظر الموقفية. وفي الفصل السابع، يوضح المؤلف ما للمقاربات القائمة على التحليل النفسي من أثرٍ كبير في تطور علم النفس السياسي، ويَجري في الفصل الثامن بحث كتاب الشخصية الرئاسية لجيمس دايفد باربر. أمّا الفصل التاسع، فيتناول ما يسمى “الثورة المعرفية” لفترة الثمانينيات والتسعينيات. وهي الحركة التي عمدت إلى طمس آثار المقاربات الفرويدية الطابع وإن ظلت تحافظ على منطلقٍ نزوعي في الأساس، ونقلت بؤرة الاهتمام إلى البنى المعرفية القائمة في الذاكرة الإنسانية وكيفية تأثيرها في تكوين السلوك. في حين يتحدث الفصل العاشر عن التركيز التعويضي على العواطف والانفعالات، والذي حدث لعلماء النفس، بعد مرحلة التركيز على العمليات المعرفية الباردة التي سادت في الثمانينيات والتسعينيات. ويتحدث الفصل الأخير عن دراسة الانفعال، والتي تعد بتطورات على صعيد المقاربات النظرية ذات العلاقة بالسياسة.
أمّا الباب الثالث والأخير، ربط الاثنين معًا، والذي يشمل الفصول من 12 إلى 17، فهو أكثر إمبريقية (من حيث إنّه يتناول ظواهر خضعت للدراسة العلمية القائمة على الأدلة الملاحَظة)، ساعيًا قدر الإمكان إلى التوفيق بين النزوعية والموقفية، ومتطرقًا كذلك إلى نظريات القومية والصراع العرقي، والعنصرية وعدم التسامح السياسي، وسلوك الانتخاب، والأمن الدولي، ويسأل في كلّ حالة إذا ما كانت المقاربة الموقفية تقدّم التفسير الأفضل للسلوك موضوع البحث أم المقاربة النزوعية.