* قراءة في قصيدة “نصّ خارج (النصوص)”
للشاعر عبد الستار نورعلي
د. سعد ياسين يوسف
نصٌّ (خارج النصوص )، هكذا أسمى عتبة نصهِ الجديد شاعرنا المبدع (عبد الستار نورعليّ) ، والعتبة كما يُجمع النقاد على أنَّها نصٌّ يوازي النصَّ الأصلي لإنتاج المزيد من الدلالات الشعريّة التي تُفعّل دائرة التلقي وفنّ التأويل ، لكنَّ شاعرنا أراد هنا من المتلقي أنْ يخلع نعليهِ وقميص تصوراتهِ وتوقعاته المألوفة التي أثقلتنا بها رتابة القصائد التقليديّة ليدخل إلى عالم غير مألوف من الكتابة الشعريّة عبر قصيدة النثر .
نعم هو نصٌّ نثري لكنه يكتسب شعريته من عمق الرؤية الفلسفيَّة للزمن من وجهة نظر الشاعر ووجوده فيه عبرالماضي والحاضر مثلما يكتسب إيقاعه من نبض الحوار بينه وبين الآخر الذي ربّما يكون هو الشاعر، في حالة من حالات التشظي والإحساس بالغربة الموجعة :
“سألني الواقفُ..
في المحطةِ الأخيرةِ مثلي:
ألستَ المُسمّى بـ(عبد الستار)؟… ”
إنَّ الشاعر وظَّف بشكل جميل تقنيات العمل السينمائي في القصيدة عبر هذا التقطيع الجميل في الحوار والذي هو حوار مع النفس في حالة انشطارها على رصيف محطة القطار ، وهذه سمة تُحسب له ولقصيدة النثر المحلقة بأكثر من جناح بعيداً عن القيود ، والمنفتحة على الفنون والأجناس الإبداعية الأخرى….
لقد نجح الشاعر في استحضار الرموز التي تمنح النصّ ديمومته وشكله وقوته ، والرمز هنا رمز ثقافي عراقي تزخرُ له الذاكرة العراقية بالكثيرمن الثراء المعرفي والثقافي وكأنه وهو على رصيف الغربة وصدمة الاختلاف في المشهد أراد أن يتنسم عبق العراق عبر هذا الرمز الباذخ وبذلك يكون الشاعر قد حمل العراق معه حتى بعد أنْ غادره جسداً ، فالأشجار لا تغادر أعشاشها ….!!!
“ـ سينهض المرحوم مصطفى جواد..
الجواد
محتجّاً ـ ”
وجاء الاستدعاء الثاني لوالدهِ ليؤكد ويعاضد الاستدعاء الأول اتقاء برد الغربة المُمضّ وليكون رائده في حياة تختل فيها القيم والموازين وملاذه و( نوره ) الذي كلما ادلهمت الحياة أنارها بقيمه النبيلة وبخطاه الواثقة وثباته ونوره :
” ألستَ ابنَ (الملا نورعلي..
المواظبِ..
على القياسِ،
ولم يختلفْ،
فواظبْتَ..
ولم تختلفْ؟! ”
النص مكتنز بالحركة عبر الصور وعبر الأفعال المستخدمة فيه (أبيعُ ، توقفتُ ، انطلقَ ،سألَ ، ينهضُ ، محتجاً ،يختلف ، صفقَ ، غابَ ….الخ) وكذلك عبر الأسماء ( حانة ، خمرة ،قطارالشرق، محطة ، الساعة ، كوستانتين جيورجيو، مصطفى جواد ، نورعلي ) مما منحه حركة فاعلة ورسم مشهد النصّ وبيئته التي نستطيع تحسسها ، زادها التكثيف عمقاً وقوة ً مشكلاً مشهدية شعرية رُسمت تفاصيلها بدقة ومهارة تمتد ُّ لزمن بعيد وهي تتشكل في ذهن الشاعر ولا وعيه وتتجمع كما تتجمع الغيوم وتبدأ البروق في سماء يوم مشمس لينهمر غيثاً … هو غيث الإبداع الذي أنجزه لنا الشاعر عبد الستار نور عليّ في نصه المغاير هذا والذي يحتاج الكثير من التأمل والقراءة النقديّة التي تتعدى حدود تعليقٍ عابر ٍ كهذا …
تحيّة لمبدعنا الذي أثبت أنَّ الشعر يتجسد في قصيدة النثر بأبهى صورهِ لو أجاد الشاعر التكثيف والدهشة وهذا ما توفر في هذا النصّ فكان خارج النصوص التقليديّة .
د. سعد ياسين يوسف