د . علي عبدالحمزه
كلنا يعرف إن البرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشعب أو المؤتمر العام ، وإلى غيرها من الأسماء ، كلها جهات رسميه تتولى تشريع القوانين العامة والنافذة والتي من شأنها إصلاح الخلل والبناء على هذه القوانين مستقبلاً من أجل بناء المجتمع وتطويره ، ولذلك نرى إن في ذيل كل القوانين الصادرة من مجلس النواب في العراق توضع الأسباب الموجبة لصدورها والتي توضح لماذا صدر القانون وتبرر تواجده ونفاذيته في المجتمع . ولأننا عرفنا عمل مجلس النواب بهذه الصورة ، لذا أتقدم أو أتمنى تقديم مقترح قد يكون غريبا ً ومثيراً للأستغراب والتعجب ولكنه لابد من الأخذ به ، ذلك هو قانون الذوق العام ، أسوة ً بقانون المرور العام وقانون منع التدخين في الأماكن العامة وقانون حماية البيئة والحد من تلوثها ، ذلك إن هذا المقترح يدخل مدخل التلوث البيئي بالضبط … المقترح هو إصدار قانون المحافظة على الذوق العام والذي أرى أنه يجب تبنيه من قبل لجنة الثقافة والأعلام في مجلس النواب ، وهذا القانون الذي أتمنى أن يتضمن تشريعات رادعة بحق كل من يسئ إلى الذوق العام بالكلمة والتصرف والسلوك ، وقد يسأل سائل لماذا الكلمة؟ أقول نعم .. المقصود بالكلمة هنا هو الأغنية .. فالأغنية العراقية وللأسف الشديد تشهد إنحداراً وإنحطاطاً في مفرداتها والقيم والأفكار التي تتناولها بشكل يهدد الذوق العام للفرد والعائلة من خلال إستخدام من حُسبوا على الشعراء كلمات سوقية هابطة يندى لها الجبين وتشمئز منها النفوس كونها تُبَث في أماكن عامة كامطاعم وسيارات النقل والشارع والبيت وغير ذلك . وقد يسأل سائل ولماذا وضع الأغنية في خانة البيئة ؟ وأقول أعذر القارئ على سؤاله هذا ، إذ ربما لم يقرأ في علم البيئة وأسباب وأنواع تلوثها ، فمن خلال دراستي العليا الأكاديمية لعلم الحياة وعلم البيئة تحديداً وتخصصاً، قرأت أن أنواع التلوث كثيرة وعديدة منها التلوث الهوائي والتلوث المائي وتلوث التربة وتلوث الطعام ، وأخيراً التلوث الضوضائي .. وأذكر عند دراستنا لهذا الموضوع في مرحلة الدكتوراه جادلت كثيراً الأستاذ المحاضر في هذه المادة وهذا التخصص الذي أقنعني بالآخر حينما وضح لنا كلمة التلوث Pollution التي تنص على أنه هو كل تغير في طبيعة المادة وإنحرافها عن صورتها الأصلية الطبيعية وصفاتها الأمر الذي يؤدي إلى تغير في نتائج تفاعلها مع مكونات النظام البيئي الحية وغير الحية ، والحية بطبيعة الحال يٌقصد بها الكائنات الحية والذي يمثل الأنسان فيها أرقى هذه الكائنات .لذلك فأن الضوضاء الناتجة عن الأصوات النشاز وغير المقبولة والرديئة تسبب إزعاجاً للمستمع أياً كان موقعه ، البيت ، خارج البيت ، السياره العامة ، لذلك صدرت قوانين عديدة منعت أن تكون المعامل والمصلنع والورش الميكانيكية داخل أو قرب التجمعات السكانية العامة خشية من أن تلوث أسماع من يسمعها أو تخدشها وبالتالي تسببها في إتلاف العمل نتيجة سوء تفاعلها وما تفرزه من سلبيات وما تخلفه من مخلفات مادية ومعنوية تؤثر على حياتية الفرد كعامل من عوال إنجاح النظام البيئي . وعلى هذا الأساس رأيت إن الأغنية ، والأغنية العراقية بالتحديد يجب أن تُضبط بقانون يحاسب من يسئ إستخدامها بتشريعات تجبره على إستخدام أرق وأجمل الكلمات التي تضفي نوعاً من الرومانسية والخيال الجميل والسعادة في زمن نحن أحوج إلى أن نكون به سعداء على أقل تقدير بالأمور المعنوية لا المادية ، فقد يسترخي الفرد وهو يتصصب عرقاً ولايهتم لحرارة تموز وآب وهو يستمع ويستمتع بأغنية ذات كلمات جميلة تحلق به وبأحلامه عالياً متناسياً همومه وآلامه. قد يكون هذا المطلب غريباً بعض الشئ ويثير على التعجب لطلب مثل هذا الطلب ، ولكن صدقوني عندما يشرع مثل هكذا قانون فسنكون بموقف غير مسبوق من التحضر الفكري والسلوكي وستكون لنا سابقة في هذا التشريع لأن الأغنية برأيي عبارة عن سلوك ، والسلوك هو تصرف أخلاقي أولاً وأخيراً ، وقد درسنا وتعلمنا ، أنما الأممُ الأخلاق ُ ما بَقِيَتْ .. فأنْ هُمُ ذَهَبَتْ أخْلاقُهُم ذَهَبوا .. وبالفعل فأن الأغنية تشكل جزء من إنعكاس سلوك وفكر وأخلاق المجتمع ، هذا يتضح من خلال مشاهدة الفرق بين أن تسمع أغنية تقول كلماتها .. يافؤادي لاتَسَلْ أيْنَ الهَوى .. وبين أغنية (بِسْ بِسْ ميوْ) وأغنية ( أنا بياحال والدفان يغمزلي ) و( باك محفظتي) و (أكسر خشمج) إلى غير ذلك . وإذا كان من الصعب تشريع قانون يخص الأغنية العراقية بالذات والتجديد ، فأنه من الممكن أن تكون الأغنية جزء من قانون كبير يضم تشريعاً ينص على حماية البيئة كأن يحرم رمي القمامة والمخلفات من نوافذ السيارات إلى الشارع وعدم التلفظ بألفاظ نابية جارحة في الشارع العام الذي هو مُلك الجميع مثلما هو المذياع والتلفاز مُلك متاح للجميع . ولا أجد أي إستغراب أبداً لتشريع مثل هذا القانون إذا ما علمنا أنه تم تشريع قانون يحرم التدخين في الأماكن العامة بسبب ما يسببه من أضرار على الآخرين ، فالأغنية هي الأخرى كذلك يجب أن تكون بمستوى لائق لايؤثر ولا يضر الآخرين بكلماتها وموسيقاها ولحنها وحتى إخراجها .