في مقدمتها حلحلة الخلافات الأميركية الإيرانية.. ما أجندة زيارة الكاظمي إلى واشنطن؟
صلاح حسن بابان
هذه المرة أيضا تعدّدت سيناريوهات مخرجات زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن ولقائه المرتقب بالرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، اليوم الاثنين، على رأس وفد رفيع المستوى من حكومته يضم وزراء كل من الخارجية والدفاع والنفط والتجارة والثقافة.
وتأتي زيارة الكاظمي وهي الثانية لأميركا، بعد لقاء جمعه بالرئيس السابق دونالد ترامب في 20 أغسطس/آب من العام الماضي، وستتضمن في جدول أعمالها لقاءات مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ورئيس الأغلبية الديمقراطية تشاك شومر.
وتحمل حقيبة الكاظمي جملة من الملفات المهمة، أبرزها علاقة طهران ببغداد وانعكاسها على مصالح واشنطن مع وصول الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي إلى الحُكم، وما يتعلق بنتائج الجولة الرابعة من الحوار الإستراتيجي فضلا عن جدول زمني لسحب القوات الأميركية من العراق مع نهاية العام الحالي، والمطلب الأساسي للفصائل العراقية الموالية لإيران.
ولم تغب الاحتمالات والأسئلة المتعلقة بهذه الزيارة لكن أبرزها انحصر في ما إذا كانت مجرّد استعراض وتطبيع إعلامي قبل 3 أشهر من الانتخابات النيابية المبكرة أم لا، وماذا يمكن أن يفعل مع بلوغ حدّة الصراع الأميركي الإيراني داخل العراق ذروته؟ وهل يمكنه إقناع إدارة بايدن بضرورة سحب قواتها القتالية من البلاد بعد أن أكد عدم حاجته إليها؟
استعراضات وتناقضات
وفعلًا دون اختلاف عن سابقتها، ستكون هذه الزيارة إعادة للاستعراضات الإعلامية والتصوّر بأنها احتفاء غير مسبوق بالكاظمي، كما يقول المحلل السياسي الدكتور إياد العنبر، مستبعدًا حدوث أي تغيير في مستوى مضمون الزيارة، عازيًا السبب إلى عدم حسم الوفد العراقي موقفه بشأن ماذا يريد من الولايات المتحدة.
وسبقت الزيارة 3 تصريحات مختلفة ومتناقضة تتعلق بالوجود العسكري الأميركي، الأول للكاظمي أكد فيه حاجة العراق إلى الدعم اللوجستي والتدريب، ليقابله في اتجاه معاكس وزير خارجيته فؤاد حسين بتأكيده الحاجة إلى الوجود العسكري الأميركي، وأما الثالث لمستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي الذي رأى أن الحاجة إلى المعسكر الأميركي غير موضوعية وليست ملحة خلال هذه المرحلة، وهذا ما يصفه العنبر بـ”الغريب جدًّا”.
وهذا التناقض يعطي انطباعًا يؤكد غياب أجندة واضحة تتعلق بهذه الزيارة، كما يقول العنبر ويُشير إلى أن الوجود العسكري يأتي ضمن الأولويات الثانية لدى واشنطن وليس مهمًّا بالدرجة الأولى مع عدم وجود إشكالية في سحب القوات القتالية، محدّدًا الأولوية الأولى لدى أميركا بالتزامها الدفاع عن العراق والنظام السياسي والعملية السياسية فيه بإدراكها طبيعة التحديات.
وعن موقف الكاظمي سياسيًّا في الحفاظ على سيادة الدولة من جانب وتنفيذ ما تريده الجماعات المسلحة وبعض القوى السياسية التي تُطالب بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، يقول العنبر للجزيرة نت إنه يتعين على القوى السياسية العراقية أن تتفق إذا كانت فعلًا تريد إخراج هذه القوات أم لا، منتقدًا بشدة الاستقطابات والمزايدات والاستعراضات الإعلامية التي ستبقى في دائرة الجدل دون أن تتحول إلى واقع، مؤكدًا ضرورة حسم ملف الحاجة إلى القوات الأميركية ووجودها.
سيناريو أفغانستان
ولا يرى العنبر أي أوجه مقارنة بين العراق وأفغانستان بعد ازدياد المخاوف من تكرار سيناريو هذا البلد بسبب الشراكة بين بغداد وواشنطن، فضلا عن اختلافها تمامًا فهي لا تحتاج إلى الوجود العسكري والقوات المقاتلة لكنّها بحاجة بالدرجة الأولى إلى ضمان استمرار وديمومة العملية الديمقراطية فيها رغم تعثرها وإخفاقاتها والمحطات التي كانت مخطئة فيها.
ويحذّر العنبر من رفع الدعم الأميركي للعملية السياسية بتأكيده أنه حليف وشريك ليس فقط في السياقات العسكرية على عكس الوجود العسكري الذي حدث في أفغانستان، متوقعًا في حال حدث ذلك أن يواجه العراق انهيارًا تامًّا على المستوى الاقتصادي والسياسي لأن القوى السياسية فيه غير قادرة على تحقيق إجماع وطني على القضايا الأساسية.
دور الوسيط
وعن احتمال أن يكون العراق وسيطًا أو جسرًا لحلحلة الخلافات أو تهدئتها على الأقل بين واشنطن وطهران مع تزايد حدّة الصراع بينهما داخل أراضيه، وما يمكن أن يبحثه الكاظمي مع الإدارة الأميركية الجديدة على المستوى الدبلوماسي بعد أن كانت تهتم بهذا الملف على المستوى الأمني والعسكري فقط، يستبعد المحلل السياسي هاشم الكندي في جوابه عن هذا السؤال أن يمتلك العراق القدرة على أداء هذا الدور، بسبب عدم تكامل قوة رئيس الوزراء ولعدم امتلاكه وحدة القرار السياسي التي تسمح له بأن يتخذ دورًا مهمًّا في هذا الملف.
ومع عدم التفاؤل الواضح عليه، فإن الكندي يتوقع أن تكون زيارة الكاظمي حاملة لرسائل معينة مع آراء محدّدة في حدود الوجود والتأثير والنفوذ ما بين الطرفين، مؤكدًا أن أميركا لا تراعي سيادة العراق وأمنه بما تمارسه في إطاره الجوي، في إشارة منه إلى القصف الذي تشنّه على الفصائل المسلحة الموالية لإيران داخل الأراضي العراقية.
وتختلف هذه الزيارة تكتيكيًّا على الأقل إن لم يكُ إستراتيجيًّا عن اللقاء السابق مع ترامب في وقت يقترب فيه العراق من انتخاباته البرلمانية المقررة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهذا ما يرُجح تطوّر العلاقات بين البلدين من خلال رسم آلية جديدة بينهما مع تغيير كثير من الملفات وطريقة التعاطي معها لدى الإدارة الأميركية الجديدة، حسب عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي مثنى أمين.
هذه العوامل يراها أمين أنها إيجابية وستنعكس بمزيد من الاستقرار على العراق لأن إدارة بايدن لا تبحث عن تفعيل الأزمات كما كانت تفعل إدارة ترامب من خلال زيادة التوتر في المنطقة وإيجاد الأزمات عبر صفقة القرن وغيرها والاستفزاز المستمر وإثارة كثير من الملفات الحساسة على مستوى المنطقة.
ويستغرب عضو اللجنة النيابية التركيز على الملفات الخارجية التي يقول إنها مصالح أميركية إيرانية في الأساس وليست عراقية، مؤكدًا أهمية واشنطن لدى العراق والاستعانة بها لإنجاز ملفات حساسة ومهمة أبرزها ما يتعلق بالأمن والخدمات فضلا عن مكافحة الفساد.
وأسّست أميركا إستراتيجيات لأعمال إن لم تكُ بعيدة المدى فهي متوسطة المدى على الأقل، مع وجود مُتغيّرات مستمرة في السياسة تؤثر في قضية ما من حيث جعلها بطيئة أو سريعة، وهذا كله يعني استحالة انسحاب القوات الأميركية من العراق، كما يقول أمين للجزيرة نت، ولكنه يتوقع أن تُعيد تمركزها في بعض المناطق أو قد تنتقل في معظمها إلى إقليم كردستان العراق أو تبقى في المناطق الغربية من البلاد.
الفرصة الأخيرة
وعن التكهن بمستقبل العلاقات العراقية الإيرانية مع وصول رئيسي إلى الرئاسة في البلد الجار، وانعكاس ذلك على المصالح الأميركية، يصف السياسي العراقي مثال الآلوسي زيارة الكاظمي إلى واشنطن بأنها قد تكون الفرصة الأخيرة له للحصول على الدعم الحقيقي الفعلي منها وتحديدًا من بايدن شرط إثباته أنه لا يخشى الشراسة الإيرانية الجديدة ورئيسها القادم، وأنه رئيس وزراء العراق ويهتم بأمره فقط.
والمصالح الأميركية في العراق إيجابية وإستراتيجية وليست مرحلية ولا تتأثر بأي تكتيك للخارجية الأميركية أو الإدارة سواء أكانت الحالية أم السابقة، وأما اللعب بالمفردات والمزايدة بها فلا يدل على قوة الحكومة العراقية بقدر ما يؤكد ضعفها، ومن ثم، فكما يقول الآلوسي للجزيرة نت، فإن الحديث عن انسحاب القوات الأميركية يعدّ سذاجة مطلقة.
فالظروف الحالية للعراق تؤكد حاجته إلى العلاقة العسكرية الإستراتيجية مع أميركا وليس التهرب من هذه المسؤولية بناء على رغبات دول الجوار أو بعض المجاميع المسلحة، مع وجود مرحلتين حساستين، الأولى تخص الحوار والاتفاق بين الوفدين العراقي والأميركي، والأخرى لقاء الكاظمي وبايدن، وهذه الفرصة الأخيرة لرئيس وزراء العراق ليدفع بحكومته نحو النجاح بغض النظر عن طبيعة الحوار العراقي الأميركي ونتائجه.