* في صياغة النص المسرحيّ *
المنطق – الاستطيقيا – السيميائية
كيف يساهم المدرك العقلي – المدرك الحسي – الرمز الدلالي
* دراسة نقدية *
سعدي عبد الكريم / كاتب وناقد مسرحيّ
من المعروف إن أول المنظرين في فن المسرح للمذهب الكلاسيكي القديم هو الفيلسوف اليونانـي (أرسطو ) ( Aristo )( 384 – 322 ق- م) المولود في )ستاجيرا) في (تراقيه) وتربى في ( أثينا ) وتلقى علومــه بمدرسة أفلاطون Platon ) ) إلا انه انتقد نظريـة أستاذه الخاصـــة بالصور المفارقـة ) المُثل) ولقـد تحدث (أرسطو) عن المذهب الكلاسيكي عبر منتجه الفني والإبداعي كتاب (فن الشعر) فقد استحضر فوانيين وقواعد ذلك المدون مستعرضا مسرحيات (سوفكليس) و (اسخيلوس) فجهـد فــي تحليلها وقد ركز على المسرحيات التراجيدية (المأساة) وأهمـل التصانيف الأخرى مثل (الملهاة) وغيرها، باعتبار ان مكنونات وضيعة لا ترقى الى صفـوة تقيماته الاعتبارية للفنــون النبيلـة , وعرف (المأسـاة) هي (محاكاة الأفعال النبيلة الكاملة) وان لها طولا معلوماً، وتؤدى بلغــة ذات ألوان تتحلى بعناوين الرقي والشاعرية وتشتمل على الإيقــاع والألحــان والأناشيد, وتتم هذه )المحاكاة) بواسطة ممثلين وهي بالتالي تثيــر في نوازع ونفوس (الجمهور ( الرعب، والرأفة, وبذا تؤدي تلك المظاهـــر المولودة من رحم باحــة (العرض المسرحي) الى ( التطهيـــــر ( Catharsis ) (.
ووفق منهج الصياغة في فن كتابة المسرحيات الكلاسيكية القديمة التي تعتمد في أصولها الصراعية ، ومناخات أسسها التقليدية , وشرائطها الثابتـة على ثلاث وحدات أصلية وهي :-
-1 وحدة الموضوع .
-2 وحدة الزمـان .
-3 وحدة المكـان .
الوحدة الأولى ( وحدة الموضوع ) وفق تعاليم ارسطو، فلا مجال إطلاقا لخلق أية عقدة ثانوية عرضية لتفادي الخطر الذي من شأنه ان يهدد ذلك النسيج الدرامي الداخلي الحتمي الصارم ( الثيمة ) والذي قد يؤدي بالتالي الى (تجزئة وحدة الفعل) ويُغيب الاستجابة ويشتت فكرة ( تسيد البطل ) بالكامل علـى محيط الموضوع ويبدو ان المثال الأقرب ملازمة في تطبيق هذه الوحدة الفاعلة في صياغة الحبكة وعدم المساس بثوابتها وشرائطها هي مسرحيـة ( اوديب ) لـ ( سوفكليس ) حيـن يتسيـد ( اوديب ) تلك الوحـــدة الموضوعيـة لـ ( الفعل (وليس من الممكن بالعموم وبأي حال من الأحوال خلــــق ( جوكاستا ) ثانية كزوجة وأما ً له ، أو خلق شخصية ملك آخر يدانـــي ( اوديب ) بذلك الانشطار النفسي الذي أوقعه القـدر تحت طائلــة حكمـه المأساوي المدون في العلى ، ويأتـي سيـاق هذا النمط من أنماط الحفـاظ على هذه الوحـدة الرئيسيـة ( الموضوع ) في اطار تمتين قوة ( الحبكة ) لتصل الى أعلى مستويات الصراع التراجيدي بغير اللجـوء او الاستمالـة أو الاستعانة الى حكاية ثانوية أخرى تؤثر بالسلب على وحدة موضوعها ليؤدي ذلك الى تفتيت الفكرة ( الثيمة ) الأصلية للنص المسرحي الكلاسيكي القديـم المحكم .
لكننا في الوجهة الثانية وفي نوع آخر من انواع صياغة الكتابــــة في المسرحية الكلاسكية الحديثة , نجد ثمة مفاوتة في أحكام هذه الوحــدة الموضوعية على رمة الحكاية , فقد اتيح في هذا النوع من انواع الكتابـة المسرحية بوجود (عقدة ثانوية) أو أكثر بمحاذاة العقدة الرئيسية لتحاكـي وتتفاعل وتشارك في صياغـة (الحكاية) بشرط ان لا تؤثر بالإجمال وبأي حال من الاحوال ايضا على تسيد ( العقدة ) التأسيسية الأصيلة في متــ )الحكاية) او تميل لمحاولة اضعاف ( الفعل الرئيسي ) كما نجدهــا في مسرحيات كبار كتاب المسرحية الكلاسيكية الحديثة أمثال (كورنــي) أو ( راسين ) أو ( موليير ) ا في الوحدة الثانية ( وحدة الزمان ) وكيفية المحافظة على أجواءهـــا وأوقاتها الثابتة المستقرة في فن كتابة المسرحية الكلاسيكية القديمة نجدها تدور في فلك زمني تحديدي أمده ( أربعة وعشرين ساعة ) لا تتعداها , أما بخصوص أحداث الماضي فيمكن لـ( الجوقة ) من روايتها عبر ( دايلوكات ) طويلة او قصيرة عبر اناشيد ملحنة لتؤدي مهمة استداع الأفعال الفائتة واستحضارها الى ( الزمن ) التوقيتي الحالي لاجواء المسرحية , لتساهم في انشاء بنية الحكاية , وتنشيط ذاكرة الأفعال التراجيدية بالإجمال .
في حين ان ( الزمان ) في فن كتابة المسرحية الكلاسيكية الحديثة قد يمتـد الى ثلاثة دورات شمسية او اكثر اما ما يتعلق بالوحدة الثالثة وحدة( المكان ) في فن كتابة المسرحية الكلاسيكية القديمة فنرى احداث المسرحية تجــول داخل ماهية (المكان ) والاطار المحدد في الوحدة الثانية ) الزمان ) , وهي تتقيـد فـي ( مكان ) محدد واحد , لا تتعداه , كأن تكون احداث المسرحيـة تدور داخل باحة قصر , فهو مجبر بأرتداء عباءة ذلك المكان تحديــدا ولا يتخطى اروقته , اما ( المكان ) في كتابة المسرحية الكلاسيكية الحديثة , فقد يتفرع الى امكنة اخرى داخل المكان الواحد , بمعني انه من الممكن التجوال او التنقل داخل اروقة , أوحُجر أوممرات , ذات القصر موضع الأحداث فـي الأجواء ( الزمكانية ) في المسرحية الكلاسيكية الحديثة وبعد الأقفــال من تسليط الضوء على كيفية استثمار واستخدام الوحدات الثلاثة في صياغة فن كتابة المسرحية الكلاسيكية القديمة والحديثة , ومن اجل الامتثال امام جـٌل الشخصيات الرئيسة ( الأبطال ) التي تتعرض لهم وتتناولهم المسرحيات في العصر الكلاسيكي القديم والحديث .
نجد ان ( البطل ) في المسرحيات الكلاسيكية القديمة كان أما من الآلهة أو من أنصاف الآلهة او الملوك او من الأمراء او من النبلاء او من كبار رجال الدين , أما الأدوار الثانوية فتسند بالمدون المسرحي الى الرعـاع الذيــن ينحدرون من اصول غير نبيلة , ليتمكن ( البطل ) من الوصول الـى قمــة النسق الذرووي المأساوي بتداخل ذلك العرق الوضيع الكارثي المحرض على بث قوى الشر بنوازع ( البطل) وتنمية ملامح الإيقاع الدرامي , لاختراق تلك الأجواء البطولية السامية .
أما كتاب المسرحية الكلاسيكية الحديثة , فلا يمانعون من خلق وصياغــة الأدوار المساندة والمساعدة الثانوية من عامة الشعب او من الصف الثاني او الثالث الموازي للبطل بالانحدار الطبقي , ويبدو ان العنصر الرئيسـي عنـد الكتاب في العصرين الكلاسيكيين ( القديم – الحديث ) الذي اتفقــا عليـه بالضمن والاجمال هو عنصـر ( اللغة ) الذي يـُعد من اهم العناصر التـي تاخذ على عاتقها التوطئة لسمو ورفعة المنتج المسرحي الإبداعــي الذي نتوخى من خلاله أضفاء وشائج ملامحية شعرية أخاذة للحصول على أجمل فرص الاستجابة الفنية لذلك المنتج المدون , فاللغة هي المعبر الاستثنائـي عن الماهيات الداخلية والنوازع المكبوته ومن ثم فهي تساهم في خلق تلك الاجواء الانشائية الابتدائية الاستهلالية والختامية التي تطبعت بطابع شعري خلاب , لترتقي وتسمو في حمل ( البطل ) على الافصاح عن جـُل مشاعره العاطفية النبيلة وتثوير الحالات الانفعالية المأساوية لديه .
ولقد كان عنصر ( اللغة ) من اهم عناصر صياغة مقومات الكتابة المسرحية حيث استقرت داخل رحمها الخلاق تلك الملكة الشعرية الرفيعة ذات الاسلوب الراقي والتي تخاطب بشكل مباشر المدرك العقلي لدى المتلقي لاستنهاضه من غفوته المؤقتة وحمله على التعاطف وإحراز أعلــى درجات الاستجابــة الإدراكية العقلية لديه , باعتباره الأداة المعنيـة في نتائــج تلك الهيكلــة المسرحية التراجيدية الخالدة .
ولقد كان لحتمية ( القضاء ) و ( القدر ) القاهرة والصارمة , المجال الارحب في تسيد ملامح الكتابة في الكلاسيكية القديمة , بينما لجأ كتاب الكلاسيكيـة الحديثة الى تحريك الدوافع القهرية عبر العاطفة وخلجات النفس لتحويلهــا الى أدوات دفعية لإظهار النوازع الرغباتية لدى ( البطل ) وإملاء شحنــات التحريض او النبل لدى الشخصيات الثانوية ليتسيد ( البطل ) داخــل النص المسرحي برمته .
وكانت ( الموضوعة ) في فن كتابة المسرحية الكلاسيكية القديمــة تخاطب العصبة الاصلية للحكاية ( البطل ) ومحاولة اظهار اكبر قدر ممكن من قدرته على التسيد الثيمي على مجمل أحداث المسرحية , واتخاذ القرارات المصيرية بذاته , اما كتاب الكلاسيكية الحديثة , وعلى سبيل المثـال الكاتب الفرنسـي الكبيـر ( موليير ) فقد كان يسخر من السلوكيات والأخلاقيات والتعامــلات المخزية بين طبقات المجتمع باختلافها .
كما تخلت الكلاسيكية الحديثة عن ( الجوقة ) بالتمام وعن عموم الفواصل الزمنية بين المشاهد لتأخذ المتلقي ( الجمهور ) الى حيث يكمن ( التفكير ( بواسطة تحفيز ( المدرك العقلي).
وهنا لا بد لي من العودة الاستثنائية الى عنصر ( اللغة ) باعتبارهــا الأداة التنفيذية المجيدة لما يدور في النص المسرحي في كلا العصريــن , ولـو استعرضنا مجمل الأعمال المسرحية المدونة على وجه الاستقـراء الذهنـي السريع، لوجدنا بان شاعرية اللغة ورفعتها قد كونت وأنتجت مع حبكة الصراع أعمال مسرحية خالدة عبر تاريخ المسرح القديــم والحديث , وقـد حاولت بالإنابة التنظيرية استضافة العنصرين المهمين في العلوم التنظيرية الحديثــة وهما ( المدرك الحسي ) (الاستاطيقي) و( الرمز الدلالـي ) ( السيميائي ( وإضافتهما للعنصر الأساسي (المدرك العقلي) في التكوين الإبداعي لمنتج النص المسرحي , لتمكنت من خلق حالة فضلى في تشريح النص المــدون القديم الذي كان يقينا يغازل المناهـج (الاستاطيقية ) و ( السيميائية ) دون قصدية معرفية تنظيرية مسبقة على اعتبار ان ( الاستطيقيــا ) علـى رأي ( باومجارتن ) هي ( /-
((علم المعرفة الحسية .. وفن التفكير على نحو جميل ((
أما ) السيمائية ) على رأي ( جوزيف كورتيس ) أهم أعضاء مدرسة باريس السيميائية , باعتبارها منهجا يهتم أولا, بدراسة المحتوى او المدلــول عن طريق شكلنته ( اي دراسة شكل محتواه ) فعلى مستوى شكــل المدلول يتم التركيز على (النحو) و ( الصرف ) و ( التركيب ) و ثانيا , يركــز على مستوى الجوهر فهو يدرس الجانب الدلالي .
ووفق هذه التوأمة الإبداعية القائمة قحواها على عناصرها الثلاثة0
1 – المدرك العقلـي ( المنطق (
2 – المدرك الحسي ( الاستطيقيا (
3 – الرمز الدلالـي ( السيميائية (
سنتمكن من صياغة ( نص مسرحي ) وفق معايير أنموذجية وعبر القنـوات المعرفية القرائية بجملة تصانيفها الفكرية وإخضاعها أولا لـ(المدرك العقلي) وثانيا القدرة علـى امتلاك الرؤيــة ( الاستطيقية ) الخصبـة للمنظومـة الادواتيـة الفاعلـة لـ ( المدرك الحسي ) وثالثا إضافة نظـرة مهاريـة ثاقبـة مستنـدة علـى ( الدلالـة ) فـي ( المنهج السيميائي).
ان المعطيات الفنية العضوية حسب قواعد التبادل الايجابـي بين ( المنطق) (المدرك العقلـي) و ( الاستطيقيا ) ( المدرك الحسي ) و ( السيميائيـة ) ( الرمز الدلالي ) , باعتبارها منهجا يهتم بدراسة أنظمة العلامات – الدلالات – الإشارات – اللغة ، تجيز لنا التمازج والتبادل من خلال براهين التلاقــي التنظيري لها , فإذا ما أخذنا علاقة ( المنطق ) بـ( السيمياء ) سنجــد ان تأكيد ( بيرس ) واضحا حين اعتبر (علم المنطق) في معناه العـــام هو مذهب علامات شبه ضروري وصوري , ثم حاول ( رولان بارت ) من جانب آخر ان يصنف المنتــج الأدبي ( النص ) من الناحية الجمالية حين رآى ان في ميزته اللغوية الحاملة للعلامات الدالة , تكمن في قدرته على توصيـل فكرة ٍ ما .
ولو حاولنا تعريف الأدب وفق وجهة النظر الترتيبية في عمـــوم المعارف لوجدنا انه ( لغة ) ما , اي نظام علامات ،لا تتمثل كينونته في نظر ( بارث ( في اللغة ذاتها بل في نظامه , بينما يرى ( ريكاردو ) انه يجعلنا نرى العالـم أحسن , وعند (جنيت) هو خبـر يـُنزع جزئيـا للتسرب الى العرض فـي حيـن يصف (كلوكستمان) الأدب بأنه وصفا بحدود ما يطرح في مجتمع ما , ويمكن إطلاقه من وجهة نظر محدودة كونه مجموع الكتابات التي يتخذهـا مجتمع ما في زمن ما كأدب له .
إذن ان الحكم بات ضروريا في حقيقة وجود تلاقح بين هذه العلوم التنظيرية بجملتها ( العقلية – الاستطيقية –السيميائية ) بكلية اطروحاتخا التنظيرية , وبتوافر علائق جوهرية وثيقة بينهـا ضمن مفهـوم المقارن العلمي باعتبـار ان (الفن) هو معطـى مادي أي ( صورة في مادة ) وان ( علم الجمال ) بوصفه عملية تنظير الاداء في مادة وهو ايضا تحديد للصورة الذهنية المؤسسة للأفعــال القصدية في عموم النص الادبي , وهو يؤسس بالتالي عمليــا الى خزيـن معرفي جمالي متخصص (قصدي) في الأفعال يتنافر ويتطور حينا ويضعف وينتكس ، حينا آخـر.
وبناءا ً على هذا النهج الترتيبي في هذه الحقول المعرفية نستنتج بان مـن مقومات صياغة او كتابة نص مسرحي يشتمل على كافة العناصر التي هـي بالاساس ادوات فاعلة ومتفاعلة في الشحنة الداخلية لذات الكاتب ابتدءا من اولا :- التفكير عير العقل ومحاولة ترميم الحبكة والنهوض بهـا لمستـوى الاستجابة باعتبار النص المسرحي ( أدب ) قائم بذاته وتقع عليـه شرائـط الانضباط الصارم في تحديد الرؤية الشاخصة لمحور الشخصيـات وامتـداد تفاعاتها مع بعضها داحل ( الثيمة ) , ومن ثم ثانيا :- استنهاض المدركات الحسية واستفزاز ملكاتها المعدومة في مراحل الكتابة الابتدائية باعتبارهـا مفاتيح التحريك الباطني الايمائي والدلالي وبوصفها مرحلة من مراحل البناء التقويمي لصياغة النص المسرحي وباستطاعتها تثوير الحالات النفسيــة وايقاض الكبت الداخلي عبر الحركة الفيزيقية للجسد باعتباره أداة أصليــة وأساسية من ادوات العرض المسرحي بالإجمال وهنا لا بد من الإشارة الـى انه من المهم تحقيل الدوافع عبر ( السيناريو ) ليكون عاملا مساعـدا فـي اخصاب الرؤية الفنية لدى المخرج , واخيرا كيف لنا ان نربط هذين العاملين الاصليين بالعامل الاهم في تقديري وهو ثالثا :- عامل اللغة اللسانية الطبيعية (السيميائية) باعتبارها الرابط الرئيسي لمد جسد النص بالروح وبالقدحـة التي تؤشر مدى فاعلية التناغم بين مجمل الاوتار العازفـة في اوركستــرا النص المسرحي وهي بالتالي ما يترتب عليها قبول ذلك التحاور الفني الملزم لكافة عناصر العرض عكس ما ذهب الية الكثيرون من المنظريــن وعلـى رأسهم ( غروتوفسكي ) في الغـاء او اقصـاء ( النص الأدبـي ) واعتمـاد (فيزيقية الجسد) كمنتج رئيسي للعرض المسرحي والرجوع الى الحكايـات البدائية والخرافات في النص باعتبارهما منشأ بدائيا لحركة الانسان , او كما ذهب اليه (انطوان ارتو) في مسرح (القسوة ( الى عــدم الاستناد الـى النصوص المسرحية المعتبرة والمقدسة ولا بد من وضع نهاية لاستعبـــاد المسرح للنص .
ومن اجل الحصول على ملخص معلوماتي يفضي بنا الى رحاب تلك الشرائط والامتيازات والثوابت المحددة ( المقترحة ) في صياغة نص مسرحي معافى ناهض عبر الإيجاز التنظيري المختزل لهذه العلوم باعتبارها مقدمات أولية مشفوعة بحس استقرائي ابتدائي ومقومات ذهنية تسجـل حضــورا متميـزا ايجابيـا بين المخيلة والسلوك , وبين مدى وفرة الأدوات الفاعلـة في عملية الخلق والإبداع وقدرة ( النص المقترح ) وفـــق تلاقح الأفكار بين المتخيل الذهني , والمتصور الجمالي , واللغة الدلائلية الناشطة والفاعلة في صياغة منتج نصي مسرحي قابل للعرض وفق ( نظرية التلقي ( Reception Theory ) ( التي طور في تنظيرهـــا وبحث فــي خصائصها ( هانز روبرت جوس ) وحين نمعن في دراسة هذه النظرية نجد ان هناك ثمة خطا متوازيا يمكن ان نكتشفه بين ( المتعــة ) و )البهجة ) و ( الفرجـــة ) و ( الاستجابة ) في نظرية التلقي بحيث يتم التركيز فيها على ( الجمهور ) باعتباره مفسرا ثانيا للنص وفق نظام الاشيـاء , ويتـم التركيـز مـن خــلال نظريـة التلقـي تركيـزا واضحـا وتامـا علـى ( الفكرة ) التي لا تدخل في اعتبارها النص الفعلي فحسب , بل وتهتم كذلك وبنفس القدر بالافعال المتضمنة في الاستجابة الفعلية لـ ( النص).
ويمكن القول ان هناك ثلاثة أقطاب رئيسيـة مهمــة في عمليـة صياغـة النص المسرحـي ( المقتـرح ) اولهما التحضير العقلي ( الذهني ) وثانيهما )الهيكلة الجمالية ) لمنظومة عرض الفكرة بهيئة جمالية منتجـة وثالثهمـا ) للغـة الطبيعية) حيث يمكننا من خلال هذه الأقطاب الرئيسيـة الثلاث من الارتقاء بصياغة النص المسرحي الى مستوى مصاف الانتخاب والارتقــاء الأفضل للقراءة الابتدائية أولا باعتبار أن ( النص المسرحي ) نوع من أنــواع الكتابة الأدبية، وجنس من أجناس الخطاب الأدبي.
ومن اجل الحصول على أفضل حالة من حالات الاستجابة المثلى من لدن المتلقـي (القارئ) علينا أن نؤثر في عقله، ووجدانه، ولعنه، ومعطياته الجمالية، لكي نؤطر جهدنا التدويني بمجموعة من المعطيات الجمالية للحصول على اكبر قدر ممكن من الإقناع لمتلقي (الخطاب المسرحي) كنص أدبي.
وعلى ضوء ما تقدم يمكننا ( اقتراح ) مجمل أنظمة عملية – مختبريه – معملية , في أمكانية صياغة نص مسرحي يخضع لمجمل هذه المناهج المعرفيـة التنظرية ( العقلية- الحسية – الدلائلية ) وليرتقـــي كذلك هذا ( النص المسرحي ) ( المقترح ) في صياغته المحتملة , الى دائرة الاستمالة ومحاولة مغازلة مجمل النظريات المسرحية الحديثة ليشمل معظم المفاصل المذهبية المسرحية التنظرية بعد الالتزام الجبــري بالوحدات الثلاثــــة ( الأرسطية )
( وحدة الموضوع – وحدة الزمان – وحدة المكان ).
ووفق التالي :-
-1 انتخاب ( الحكاية ) ( الثيمة ) وذكر مرجعيتها المستلة عنها ( قصة –
رواية – قصيدة – أسطورة – مستنبطة).
-2 تحقيق قدر من ( عقلانية الفكرة ) ( جمعية ) او ( ذاتية ) لإمكان
إسقاطها على الواقع لضمان الحصول على مزايا الاستجابة الفاعلة
والمتفاعلة مع النص المقروء ابتداءا ً .
-3 كتابة ( الحكاية ) وفق المعايير الفنية للقصة القصيرة للامساك بتلابيب
التصاعد الدرامي المرجو.
-4 التأسيس ( الخططي ) الابتدائي لسلوكيات ونوازع الشخصيات الذاتية
والجمعية بالعموم .
-5 إثبات علاقة الشخصيات ببعضها وفق صراع محتم مرئي ( قصدي ) .
-6 ترتيب المؤثرات العارضة ( المفاجئة ) وتثبيتها حسب أولويتها فـــي
( المخطط التأسيسي ) .
-7 استحضار الخزين القرائي الرصين وهو ( اللغة ) وإخضاعها او استثمارها بقيمتها الجمالية في عملية كتابة النص المسرحي.
-8 تقديم رؤية مركبة تطبيقية ( مقنعة ) للأفعال وفق نوازع الشخصيات .
-9 تحقيق سطوة جمالية في صورة المشهد المكتوب المتصور .
10- التبادل الضروري الايجابي بين المتخيل الذهني والصورة المتخيلة
المكتوبة ( المرئية ) .
-11 تقسيم المشاهد وفق الشكل ( السينو غرافيا ) .
-12 تثبيت الحركات والوقائع والانفعالات ووصفها عبر ( السيناريو ) .
-13 المحافظة على الايقاع الداخلي للنص بداية تثوير المشهد الاستهلالي
المرئي الحواري ، ) وسط ) تنامي الصراع القصدي وتأجيج الحبكة
( نهاية ) سعيدة – كارثية – مشتركة .
-14 التحرر الكامل من الضغوطات الخارجية المؤدلجة والسياسية .
15-كشف النوازع الذاتية للـ( البطل ) عبر ( المنولوج الداخلي ) والتي لا يرغب بالإفصاح عنها0
16 -المحافظة على البيئة الطبيعة المجتمعية في المشاهد ( تحديد التاريخ )
17 -تأسيس رؤية مركبة في الخامة العضوية المجاورة للافعال والتمهيد لها0
18 -تثبيت الوصف التأويلي الدقيق في ( السيناريو ) 0
-19 ملاحظة ما يدور في نظم الشخصيات من تحولات على المستوى السايكولوجي ، والفايسولوجي والأخلاقي وتدوينه في ( السيناريو ) .
20 -محاولة تكثيف السرد الحواري واعتماد الوصول الى الفكرة عبر تعميد اللغة واختزالها0
21 -تثبيت الإشارة – الإيماءة القصدية باعتبارها جزء من الحوار داخــل ( السيناريو )0
-22 التقاط الصور المتخلية في ذاكرة ( الشخصية ) وتثبيتهــــا عبـر (السيناريو)
-23 وصف جمالي – خرائبي – للمشهد وتحقيق تواجد الاشكال المتصورة بداخله في ( السيناريو )0
24 -التوأمة بين الانطباعات المتحققة عبر الأفعال والإحاطة بالمستجدات الفردية والجمعية المحيطة بالفاعل على اعتباره المُنجز الفعلي للحدث 0
-25 المحافظة على سرية العلاقة المستترة في النص اللا مرئي بين ( الفعل والفاعل) واظمارها لحين الوصول الى حتمية الكشف عن نواياها التي باتت ضرورية لإخصاب المرئي الجمالي0
-26 عرض الأحاسيس الشعورية – الا شعورية للشخصيات0
27 -الكشف الاستهلالي عن صورة ( اشكال ) الشخصيات الابتدائية والمتغيرة في مسارها داخل للنص0
-28 التأكيد على النظام المعرفي المتقدم والمتأخر لدى الفاعل في توكيد الفعل – التحريض على الفعل- 0
-29 احتراف مستوى عال من التجريب واستحضار مخيلة متقدة لاحتضان تلك الجرأة التجريبية في الكتابة
-30 تثبيت تفصيل تحريري في السيناريو عن الانارة ومساقط الضوء وفق حركة الشخصيات الجمعية والفردية وتوزيع الكتل وفق جغرافية المسرح المعروفة 0
31 -المحافظة على البنية التوافقية لمناخ الأحداث ( الأفعال ) وتوازنها مع الشخصيات 0
-32 المحافظة على التوازن بين الجو العام والنوزاع الذاتية للشخصيات0
-33كتابة اكثر من ( دايلوك ) واحد للحالة ذاتها والمفاضلة بينها والتركيز على انتخاب المفردة المؤثرة0
-34 التركيز على ( الدلالـة السيمائيـة )- ( اداة قتل ) و) العلامـة السميائيـة )- ( اصوات حرب ( و( الاشارة السميائية ) – ( مرجعية البطل الانتمائية ) ( ابن متبنى ) 0
35 -ابراز امكانية سطوة الكاتب في السيطرة على شخصياتة وبرمجة تحركاتها وفق المخطط وعدم السماح لها بالهروب عن سيطرته المتوقعة , والنفاذ لتحقيق مآربها عبر غفلة مؤقتة منه 0
-36 كتابة ( السيناريو ) على يمين الصفحة , وكتابة ( الحوار ) على يسار الصفحة 0
-37تفعيل النص باطار صوري ( سينو غرافي ) جمالي يرتبط او يعاكس ذات الموضوعة للنص0
-38 الاعتماد على لغة سيميائية علاماتية – اشاراتية – دلائلية ناهضة ترتبط باحداث الحكاية بالرمة0
39-احتضان الخصائص الحركية المتقدة للـ ( الجسـد ) وتثبيتها داخــل (السناريو)0
– 40 اعتماد ( السيناريو ) كواصف لمجمل الأحداث والشخصيات والأفعال والحركات والإشارات والعلامات والأشكال ونحوها، في عموم الجو العام للنص المسرحي في عملية الكتابة المعلنة والمكنونة واعتبـاره ( سكربت ) لمدخل صوري , مُتخيل , مرئــي مطاوع لادوادت ( المخرج ) الحِرفية 0
ومن الواضح من خلال إقرار هذه الشرائط ( المقترحـة ) السالفة في عملية صياغة النص المسرحـي، ورود كلمـة ( سيناريو ) والكثير من المعنيين يدركون بان هذا المصطلح يُستخدم في كتابة الدراما التلفزيونية والسينمائية في العموم , لكني اقترحت على ( الكاتب المسرحي ) في جملة مـن المقترحــات المتوخاة باللجوء الى التدوين في مجمل القواعد الأساسية المقترحة عبــر ( السيناريو ) للكشف عن مجمل الرؤى الصورية المتخيلة في ذهـن الكاتب لتتمازج مع رؤى المخرج في عملية أحالـة ( النص المسرحي ) المكتـوب الى ( عرض مسرحي ) يحمل بين ثناياة جميع المزايا الخصبـة الوعيويـة للكاتب والحيثيات المعاشة الدقيقة اليومية لتثوير جملة النوازع البشريـــة ( الحمعية – الفردية ) للوصول الى المتوخــى الجوهــري فـي عمليـة ) التغيير ) عبر خشبة المسرح , لاحالة المتلقي (الجمهور) لحالـة مـن حالات الرقي الفضلى للتطهير الموضوعي المُلزم وتخليصه من ادرانه العالقة في حسده , وهي ايضا عملية تطوير المعالجات المجتمعية الناجعة , للرقـيّ بالنص المسرحي الى حالة جليلة من حالات الاستجابة والتلقـي الرفيعــة الخلابة المبهرة , وبالتالي فهي عملية ملحة ضروريـة في أخصاب الوعـي الذاتي , وانماء تلك الواحة الكبيرة داخل الارضية المجتمعية الفكرية الواعية النضرة المتوخاة , من خلال تلك الصياغـــة الجديدة المقترحـة، وليست كبدائل اساسية، في فن الكتابـة الانموذجية لــ ( النص المسرحي ).
سعدي عبد الكريم / كاتب وناقد مسرحيّ