خدر شنكالى
لقد كنت قد قررت ان لا اكتب عن زيارة السيد نوري المالكي الى مدينة كركوك وانعقاد جلسة مجلس الوزراء في هذه المدينة الكوردية تاريخيا وجغرافيا وسكانيا ، لانني من الذين اعتبروا بان تلك الزيارة هي زيارة اعتيادية او طبيعية يقوم بها رئيس وزراء الدولة الاتحادية الى هذه المدينة او غيرها من المدن العراقية دون استثناء ، بل تعتبر ذلك من حقه وواجبه الطبيعي تجاه الشعب العراقي الذي انتخبه بصورة غير مباشرة عن طريق ممثليهم في البرلمان بصورة رسمية اوعن طريق التوافق الوطني بين جميع الكتل السياسية بعد اتفاقهم في اجتماع اربيل بمبادرة من قبل فخامة رئيس الاقليم
مسعود البارزاني لانقاذ الازمة السياسية التي كانت تمر بها البلاد بعد مايقارب التسعة اشهر من اجراء الانتخابات البرلمانية في العراق ، شريطة ان تكون هذه الزيارة بحسن نية من اجل تقديم الخدمات لاهل المدينة ومعالجة مشاكلها لا ان تكون لغرض تحقيق اهداف او غايات سياسية ، وطالما ان الاقليم او الشعب الكوردي مستمر في علاقته واتحاده مع الحكومة العراقية وضمن اطار عراق ديمقراطي فيدرالي موحد .
الا انه يبدوا بانني كنت مخطئا حقا في تحليلي لاهداف ونتائج هذه الزيارة وخاصة بعد كشف السيد علي الدباغ الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية عن نواياهم وحقدهم الدفين تجاه الشعب الكوردي (( وقال الدباغ في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، تابعتها “شفق نيوز”، إن “زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي الأخيرة إلى كركوك وعقده جلسة لمجلس الوزراء هو في حد ذاته رسالة سياسية للجميع مفادها أن كركوك ليست كوردية .
وأضاف أن “كركوك جزء من العراق والكلام عن انها كوردية غير مقبول”.
ولفت المتحدث باسم الحكومة العراقية إلى أن “كركوك يجب ان تحظى برعاية الحكومة الاتحادية، إلى أن يتم تطبيع الاوضاع فيها وتقرير مصيرها )) انتهى الاقتباس
ودون الاخذ بنظر الاعتبار او اعطاء اية اهمية للمشاعر الكوردية والشعب الكوردي الذين يشكلون الاغلبية المطلقة لسكان المدينة على الرغم من قيام الانظمة الشوفينية المتعاقبة على الحكم في العراق بتغيير الواقع الجغرافي والسكاني لاهل المدينة ودون اعتبار ان واقع المدينة ومصيرها تحددها المادة ( 140 ) الدستورية !؟؟
هذه هي طريقة تفكيرنا وحسن نيتنا ونتائج التزامنا بالقانون والدستور وهذه هي طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الكورد وسوء نواياهم وتجاهلهم وعدم التزامهم بالقانون والدستور ، وهكذا كان الشعب الكوردي دائما وعبر مسيرته النضالية الطويلة ضد الانظمة الشوفينية والدكتاتورية يتعامل دائما مع خصمه بمباديء اخلاقية وحسن نية حتى في حالة الحرب ، بالمقابل كان الخصم ( العدو ) ينتهز دائما الفرصة المناسبة لتوجيه ضربته القاضية دون ادنى اعتبار للمباديء الانسانية .
اذن يفهم ويستنتج من ذلك بان الغاية من الاقدام على هذه الخطوة هي لتحقيق اهداف سياسية ليس الا ويمكن تلخيصها بما يلي :
اولا : توجيه رسالة صريحة وواضحة الى الشعب الكوردي والقيادة الكوردية في اقليم كوردستان بان مدينة كركوك هي مدينة عراقية وبهوية عربية لاغير وقد اشار الى ذلك السيد المالكي ايضا وان كانت بطريقة غير مباشرة بالقول (( ان هوية كركوك هي عراقية ويجب ان لاتطغى هوية على اخرى )) بالاشارة الى كوردستانية كركوك .
ثانيا : لقد حاول السيد المالكي بهذه الزيارة ان يثبت للجميع بان المادة ( 140 ) الدستورية قد انتهت ولم يعد لها وجود على ارض الواقع .
ثالثا : انها كانت بمثابة ردا سياسيا واضحا على التصريحات الاخيرة للسيد رئيس اقليم كوردستان بشأن حق تقرير المصير للشعب الكوردي .
رابعا : ان هذه الزيارة قد اضافت صفة الشرعية على جميع الاعمال التي قامت بها الانظمة السابقة في مدينة كركوك من تعريب وترحيل وتهجير وغيرها من الاعمال التي كانت الغاية منها تغيير الواقع الديموغرافي للمدينة .
خامسا : لقد اثبتت هذه الزيارة بان التاريخ يعيد نفسه مرة اخرى في العراق وابتدأ او سيبدأ هذه المرة من مدينة كركوك .
سادسا : ان هذه الزيارة لم تكن اعتيادية قطعا ( كما تصورنا وتأملنا ) ، وان كان قد تم انعقاد جلسة مجلس الوزراء في محافظة البصرة قبل ذلك ، وذلك ( وحسب اعتقادي ) ليضيف الطابع الرسمي والاعتيادي على زيارته لمدينة كركوك المعدة لها مسبقا مع سبق الاصرار والترصد ، وان في تصوري فان الزيارة القادمة ستكون الى مدينة الموصل ايضا وذلك ليدق المسمار الاخير في نعش المادة ( 140 ) الدستورية .
وعلى فرض صحة كلام السيد الدباغ بان مدينة كركوك ليست كوردستانية ، اذن فمن باب اولى انها ليست عربية ايضا ، ولنتفق هنا بانها مدينة عراقية كباقي المدن العراقية الاخرى طالما هناك عراق اتحادي فيدرالي ، الا اننا يجب هنا ان نفرق بين مسألتين مهمتين ، وهي مسألة الواقع الجغرافي والسكاني والتاريخي للمدينة ، ومسألة الواقع السياسي والاداري او مايسمى بالتابعية السياسية او الادارية ، فمن حيث المسألة الاولى وعلى مر التاريخ فان مدينة كركوك هي مدينة كوردستانية جغرافيا وسكانيا وانها وكانت ولاتزال جزءا لايتجزء من كوردستان أي بمعنى انها ستبقى عراقية وبهوية
كوردستانية الى ان يتم اثبات عكس ذلك بموجب الاجراءات المنصوص عليها في المادة ( 140 ) الدستورية وتقرير مصيرها وتابعيتها سياسيا واداريا من قبل سكانها .
ويذكرني هنا حديث دار بيني وبين احدى الاخوات في عام 2000 عندما كنت محاضرا في احدى الثانويات العامة في مدينة دهوك بالاضافة الى ممارسة عملي في مهنة المحاماة ، حيث سألتني عن وضع مدينة شنكَال واهلها باعتباري انتمي اليها اسما وعنوانا ، وكانت اجابتي كالعادة بانها ( أي مدينة شنكَال ) تعاني من مأساة كبيرة نتيجة السياسات العنصرية التي كان يقوم بها النظام السابق ضد ابناء الشعب الكوردي في هذه المدينة ومحاولاته المستمرة لتغيير واقعها بالشكل الذي ينسجم وتحقيق نواياه واهدافه الخبيثة ، وما ان انتهيت من كلامي حتى اجابتني تلك المرأة الشجاعة بالقول (( بانهم
مهما يفعلون بالواقع السكاني للمدينة فانهم لايستطيعون تغيير ارضها ، لان الارض تتكلم كوردي )) .
وفي الختام اتمنى ان لايكون الساسة العراقيون ( من العرب الشوفينيين ) قد تأثروا كثيرا بكلمات اغنية سيد مكاوي ( الارض بتتكلم عربي ) ، والتي لايزال يرددها البعض من اعداء الديمقراطية والسلام في العراق ، ناسين بان الارض لم يعد تتكلم لغة واحدة فهي تتكلم كوردي بقدر ماهي تتكلم عربي ، ومهما حاولتم فان كوردستانية كركوك وغيرها من المناطق المستقطعة من كوردستان حقيقة ثابتة كالشمس لايحجبها غربالكم يا قادة العراق الجديد !!؟