للتوضيح فان المقصود بالعنوان هو تجربتنا في ( البارتي الديموقراطي الكردي – اليساري – الاتحاد الشعبي ) تحديدا من الكونفرانس الخامس آب ١٩٦٥ الى عام ٢٠٠٣ تاريخ انسحابي من العمل الحزبي ولاتتتضمن هذه المقالة التجارب الفردية لافراد من الكرد السوريين في التنظيمات الشيوعية السورية .
الجذور التاريخية
بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على النازية والفاشية في دور عسكري بارز للاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية الأخرى وتشكل المعسكر الاشتراكي كقوة عظمى على الصعيد العالمي في مواجهة الغرب الرأسمالي بدأ الاصطفاف يرتسم على قاعدة تضامنية بين هذا المعسكر من جهة والقوى العمالية والتقدمية في الغرب وفصائل حركات التحرر الوطني خصوصا في بلدان أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا والشرق الأوسط .
في البدايات وقبل تراجع السياسة السوفييتية والانخراط في عقد صفقات مع الغرب وأنظمة دكتاتورية وضعت قيادة – الكومنترن – استراتيجية محكمة داعمة لقضايا الشعوب كما طرح المنظرون الاشتراكييون الأوائل من ماركس وانجلز ولينين وستالين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ وديمتروف تعريفات ووثائق هامة وفريدة وعلمية وموضوعية بخصوص حل القضايا القومية للشعوب على مبدأ حق تقرير المصير وترافق ذلك مع تطبيقات على الأرض لحل المسألة القومية بالاتحاد السوفييتي البلاد المتعدد الشعوب والقوميات والاثنيات وذلك وفق صيغ عديدة تبدأ بإعلان الدولة المستقلة والكونفدرالية والفدرالية والحكم الذاتي والإدارة اللامركزية انتهاء بصيغة الدوائر القومية .
كما عملت الأوساط السوفييتية على دفع شعوب الدول المجاورة في ايران وآذربيجان الى الاستقلال وإعلان السلطة الديموقراطية الشعبية وأوعزت عبر الأحزاب الشيوعية الحديثة العهد بالمنطقة لتشجيع حركات الشعوب المضطهدة ( بفتح الهاء ) الى تنظيم صفوفها وتشكيل منظماتها واحزابها الديموقراطية ( اطلق الزعيم الشيوعي العراقي الشهيد فهد نداءه الشهير حينها الى شعب كردستان العراق : ” قووا حركتكم الكردستانية نظموا صفوفكم عززوا صفوف حزبكم الديموقراطي الكردستاني ” ) .
لقد عزز كل ذلك ثقة شعوب الشرق بافضلية الخيار الاشتراكي لحل معضلاتها ، ودفع حركات التحرر الوطني وبينها الكردية الى التطلع نحو التضامن والصداقة مع السوفييت والبلدان الاشتراكية الأخرى فظهرت الاحزاب الديموقراطية الكردستانية : ( حزبي ديموقراطي كوردستان – ايران ١٩٤٤– الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ١٩٤٦ – الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ١٩٥٧ – الحزب الديموقراطي الكردستاني – تركيا بالستينات ) .
الأسباب الموضوعية لانحياز الحركة الكردية نحو اليسار
السبب الأول : كماذكرنا أعلاه وضوح الرؤيا بالجانب الاشتراكي في حل المسألة القومية واحترام تطلعات الشعوب وخياراتها ومستقبلها في التقدم الاقتصادي والتنمية .
السبب الثاني : تحمل الغرب الاستعماري مسؤولية تقسيم الكرد ووطنهم منذ أن رفض الاستعمار البريطاني بزعامة – تشرشل – تطلعات الكرد في الاستقلال ، ثم اتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت المقسم الكردي الى آربعة أجزاء وكذلك معاهدة لوزان .
السبب الثالث : وقوف الغرب عموما أي الولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبا الغربية الى جانب الأنظمة الرجعية والدكتاتورية التي تقسم الكرد ووطنهم في معاداة الشعب الكردي وطموحاته المشروعة والتواطؤ معها في ابرام وتمويل ودعم الخطط والمؤامرات مثل حلف سعد اباد والمعاهدة المركزية والسنتو وحلف بغداد واتفاقية الجزائر .
السبب الرابع : امتناع الغرب حتى الان في تبني حق تقري مصير الكرد في مختلف بلدانهم وأجزاء وطنهم والانحياز الى المصالح على حساب المبادئ .
خصوصية اليسار الكردي السوري
تم الالتزام بالنظرية العلمية والاعلان عن نهجنا اليساري من منطلق حركة قومية تخص الحالة الكردية السورية ، ولكن بابعاد وطنية سورية ، ولم نكن منظمة ذات منشأ شيوعي ، ولم نكن فرعا للأحزاب الشيوعية في البلاد ، جميع أعضاء كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ السبعة والعشرون لم يكن بينهم فردا واحدا كان منتميا بالسابق الى التنظيمات الشيوعية وكما شرحنا حينها في كراس ( اليسار واليمين ) لم نكن بصدد تشكيل حزب شيوعي كردي يتفرغ للقضايا الطبقية والاجتماعية وكان مفهوم اليسار بذلك الوقت يعني الالتزام بحق شعبنا بتقرير مصيره السياسي والاداري في ظل سوريا ديموقراطية تعددية موحدة والوقوف الى جانب مطالب الغالبية من الشعب السوري ومن ضمنه الكرد وبالتعاون مع القوى الديموقراطية في حياة أفضل ومستقبل ضامن للكرامة والحرية والعيش الكريم بعد االة الدكتاتورية والاستبداد .
نعم كنا نعتبر الشيوعيين واليساريين والديموقراطيين من الشركاء العرب السوريين الأقرب الينا على ضوء المبادئ والمواثيق النظرية والبرامج المطروحة وفي حوارنا المتواصل مع الرفاق الشيوعيين الذي خلص الى نتيجة واضحة وهي : طرحنا ( وقمت بذلك شخصيا ) على جناحي الحزب الشيوعي في بداية السبعينات وعشية موتمرنا الذي سيتم فيه الالتزام بالنظرية العلمية ( إبراهيم بكري وعبد الوهاب رشواني من جناح بكداش ورياض الترك ويوسف نمر من الجناح الاخر ) رغبتنا في إيجاد صيغة تنظيمية وسياسية مناسبة للعلاقات الثنائية بالمستقبل ، ولكن الطرفان لم يكونا على استعداد لذلك بسبب نفورهما من القضية الكردية السورية ، والانصياع لمواقف النظام الحاكم .
النظام السوفييتي بدأ يتراجع شيئا فشيئا عن التزاماته المبدئية تجاه الشعوب والقوى المعارضة للدكتاتورية خاصة بعد تصنيفه أنظمة استبدادية مثل نظامي البعث في كل من سوريا والعراق ” أنظمة وطنية تقدمية ” وبعد رضوخ الأحزاب الشيوعية الرسمية لذلك الموقف التراجعي والعمل كذيل للنظام تحت يافطة ( الجبهة الوطنية التقدمية ) .
وبالرغم من مآخذنا الكثيرة على هذه التراجعات المبدئية الا أننا كيسار قومي ديموقراطي لم نجد مصلحة قومية ووطنية في مقاطعة الدول الاشتراكية بل وجدنا هامشا للتعامل عبر الأحزاب الحاكمة ولجان التضامن الاسيو-افريقي ، لأننا كنا بامس الحاجة الى ارسال دفعات من طلابنا ذوي الدخل المحدود لنيل العلوم والثقافة في الجامعات والمعاهد بالدول الاشتراكية ، وكذلك الاستفادة من الاشيف الغتني حول تاريخ الكرد في تلك الدول .
عندما نتذكر الالتزام بالنظرية العلمية والانحياز نحو اليسار نتذكر على الفور المواقف الصلبة التي اتخذناها حول : حق تقرير المصير ، ومقولة الشعب الكردي ، ومواجهة المخططات العنصرية مثل نتائج الإحصاء الاستثنائي ومخطط الحزام العربي ، والتعبير عن مصالح الغالبية الساحقة من شعبنا ، وتعزيز الثقافة والوعي ، واتخاذ المواقف السليمة من ثوة أيلول وزعيمها الكبير بارزاني ، وشعار تغيير نظام الاستبداد ، والبحث عن تعزيز الصف الكردي والوطني السوري .
ختاما يجب الإشارة الى محاولات من جانب أقلام مأجورة لتشويه تاريخ حركتنا عامة ونهج اليسار القومي الديموقراطي على وجه الخصوص وللعلم أن اليسار الكردي هو الوحيد الذي تعرض الى محاربة شرسة من جانب نظام الاستبداد الاسدي في عهدي الاب والابن وخصوصا عندما تم استغلال إمكانيات السلطة في شق الاتحاد الشعبي بداية التسعينات باشراف الضابط الأمني ( محمد منصورة ) وتنفيذ ثلاثة أعضاء قياديين في الجزيرة .
في خصوصية اليسار الكردي السوري
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا