تاريخيا لم تشهد سوريا منذ انقلاب البعث بداية ستينات القرن الماضي أية حياة سياسية طبيعية ، بل طبقت الاحكام العرفية ، فيي ظل قيادة البعث للدولة والمجتمع ، وغياب الرقابة ، وحرية الفكر ، والنشر ، وكان شرط وجود أي حزب ان يكون تابعا للحزب الحاكم ، ويسبح بحمده في اطار جبهته ( الوطنية التقدمية ! ) ، وحتى ان وجدت أحزاب خارج اطار الجبهة ، وتمارس نشاطها علنا كانت بتفاهمات معينة مع أجهزة السلطة ، يستثنى من ذلك عددا قليلا من الأحزاب السرية المعارضة للنظام ، والتي لاقت ابشع أنواع القمع ، والملاحقة .
مجموعة من الأحزاب الكردية المعروفة بتواصلها مع النظام ، وتاليا وفي مرحلتي تواجد – اوجلان – بسوريا ، ومرحلة مابعد اندلاع الثورة السورية حزب – ب ي د – الفرع السوري ل – ب ك ك – لاقت رعاية خاصة من جانب السلطات الحاكمة ولكنها لم تحقق شيئا للكرد .
لقد أخفقت الأحزاب الكردية بغض النظر عن التفاوت في درجات المسؤولية ، ودوي الإخفاق ، والدوافع ، وذلك للأسباب التالية :
أولا – لن نعود كثيرا الى الوراء ، ولن ندخل بتفاصيل تعاون ( مجموع الأحزاب الكردية ) مع خلية الازمة لجنرالات مخابرات النظام بالقامشلي للحيلولة دون ان تتحول هبة ٢٠٠٤ الى انتفاضة شاملة ، بل نبدأ بعام ٢٠١١ ، واندلاع الانتفاضة الوطنية السلمية السورية ، ثم تحولت كما نعلم الى ثورة دفاعية بعد التحاق مجاميع من المنشقين عن جيش النظام بصفوف الشعب ، والتلاحم بينهم وبين الحراك الوطني الثوري العام والتي لم تدم طويلا ، امام ذلك الحدث ، وفي تلك الفترة الزمنية الأكثر أهمية بحياة السوريين وبينهم الكرد ، لم تفهم الأحزاب قيمة اللحظة التاريخية ، ولم تستطع استثمارها لصالح الكرد ، واتخذت الموقف ليس بناء على قرارها المستقل بل نفذت ما املي عليها من خارج الحدود ، با الانخراط في مشروع نظام الاستبداد ، او التردد ، والوقوف في المنطقة الرمادية المحايدة ، ثم تصديها بالجملة ، والتفصيل لحراك تنسيقيات الشباب الكرد في مختلف المناطق ، والمدن ، والبلدات الكردية ، وبذلك التقت عمليا مع مخططات النظام في وأد ، الحراك الشبابي العفوي ، المفجر الحقيقي للانتفاضة .
ثانيا – عجزت عن بناء الحزب الحقيقي المدني المنظم بحسب المواصفات الحضارية ، في تمثيل مصالح عامة الشعب ، وطبقاته ، وفئاته الاجتماعية ، كما فشلت في تقديم المشروع القومي والوطني الكردي للسلام ، بل نشرت ثقافة الخنوع ، والخوف ، والترهيب ، والتخوين ، وعززت منهجية تلقي المال السياسي ، والتبعية المطلقة للجهات الداعمة ، كما دشنت الخطاب الآيديولوجي ، والتقليد الاعمى ، وعبادة الفرد ( ليس الفرد الكردي السوري بل الفرد خارج الحدود ) ، ودشنت مبدأ – الحرب بالوكالة – لقاء الثمن المادي ، والجاه ، والنفوذ ، كما دفعت باتجاه الانشقاقات الحزبية ، واستقبال المواليد الجديدة لزيادة العضوية في طرفي الاستقطاب ، وتفعيل الصراع الثنائي ، وخاصة من جانب التنظيمين المحظيين ( ب ي د و ب د ك ، س ) .
ثالثا – مارست الازدواجية بشأن الفكر القومي ، فالمعلوم ان الحركة الكردية السورية نشأت في الفضاء القومي التحرري مثل كل الحركات القومية ، وناضلت على هدى مبدأ حق تقرير مصير الشعوب ، وفي الخصوصية الكردية السورية في اطار سوريا التعددية الديموقراطية الموحدة ، فيي حين انحرفت الأحزاب ، وتخلت عن المبدئي ، وابتعدت عن الأصلي ، والمرجعي ، في مسار حركتنا منذ حركة خويبون وحتى الان ، مرورا بتجربة الرواد الأوائل ، والتنظيم السياسي الأول ، ومرحلة تصحيح المسار عام ١٩٦٥ ، ومرحلة – محمد منصورة – باختراق الأحزاب ، وشراء الذمم ، وتكريد الصراع ، وماتحمل من عبر ، ودروس .
رابعا – ساهمت ، او سكتت ، او شجعت ، على تفريغ المناطق ، والهجرة ، والنزوح ، والتلاعب بالملكيات الفردية ، والعائلية ، وتغيير التركيب الديموغرافي ، وعمق الشرخ بين أهلنا في المناطق الكردية الثلاث ، ودفعت باتجاه احياء العصبيات المناطقية على حساب الفكر القومي الديموقراطي ، ولم تعمل هذه الاحزاب يوما على إعادة المهجرين ، والنازحين الى ديارهم ، لا مهجرو عفرين ، ولامهجرو كوباني ، والجزيرة .
خامسا – ساهمت هذه الأحزاب بدرجات متفاوتة في عسكرة المجتمع الكردي السوري ، وتجنيد النساء ، والقصر ، ليس من اجل مقاومة النظام المستبد ، او مواجهة سائر المحتلين ، او حل القضية الكردية السورية ، او نصرة الحركة الديموقراطية السورية ، بل فيي سبيل مصالح حزبية ، ونفوذها ، والتباهي ، وخدمة اجندات خارج الحدود .
سادسا – قد تختلف هذه الأحزاب فيما بينها حول مسائل النفوذ ، والمصالح الخاصة ، ولكنها تتفق في رفض الآخر المختلف ، ومنع النقد الخلاق ، وعدم الاعتراف باي حراك شعبي ، او فكري او ثقافي ، او مشروع للتجديد ، وإعادة البناء ، او حتىى قبول أصوات تدعو الى الاتفاق ، وتجاهل دعوات المصالحة ، والحوار ، وإعادة بناء الحركة الكردية ، وتوحيدها ، واستعادة شرعيتها عبر الطرق الديموقراطية المدنية مثل المؤتمر الكردي السوري الجامع .
سابعا – أرست قيادات هذه الأحزاب أسوأ نموذج للعلاقات الوطنية لاتستند الى مبادئ ثابتة في الموقف من القضية الكردية ، ولاعقود متوافقة عليها حول الدستور ، والنظام السياسي المنشود ، وهكذا الحال بخصوص العلاقة الإقليمية ، والدولية التي لم تسند بتاتا على التكافئ ، والتوافق ، والتوثيق ، والشفافية ، وكانت على الدوام احادي الجانب ، ومن طرف واحد ، ولمصلحة الطرف الاخر .
ثامنا – اغلب الظن لم يعد هناك جدوى من مخاطبة قيادات هذه الأحزاب التي لم تعد ترى ، ولاتسمع ، ولاتجيب ، بل الطريق الاسلم هو التواصل مع مرجعياتها ، ومانحيها ، خارج الحدود .
ماذكرناه أعلاه غيض من فيض ولكنه اكثر من كاف لتعيد هذه الأحزاب النظر ، وتعترف بالفشل ، وتعيد الأمانة لاصحابها ، وتسلم امرها للشعب ، وتقبل الالتزام بما يتمخض عن المؤتمر المنشود ، لانها في كل الأحوال وصلت الى الطريق المسدود ، والمؤتمر يعتبر خشبة الخلاص من المأزق .
ولكن ؟
وفي معرض تناول جوانب العامل الذاتي ، اقولها بكل صدق وصراحة ( وأرجو ان أكون مخطئا ) بان الازدواجية لا تقتصر على قيادات الأحزاب ومسؤوليها في الفكر ، والسياسة ، والموقف ، بل منتشرة حتى في صفوف قطاعات من ( اللاحزبيين ) وبينهم رهط من المتعلمين ( ولااقول المثقفين ) لانهم لايستحقون ، ويلاحظ المتابع على مدار الساعة ، مدى سرعة انتقال بعضهم من ( معسكر ) الى آخر ، او قيام بعضهمم بنقد ، ورفض الحزبية الضيقة في المساء ، ونشر مقالات موالية في منابرها بالصباح ، ومكابرة البعض الاخر في قبول او تقبل وحتى مناقشة مشاريع الإنقاذ المطروحة مادامت ليست من عندهم وهذه صفة الحزبويين وليس المستقلين الديموقراطيين ، ولكن لن نفقد الامل بشعبنا ، وطاقاتنا الشبابية من النساء والرجال ، ومفكرينا ، ومثقفينا الاصلاء الملتزمين بقضايا الشعب والوطن .
في تشخيص إخفاقات الأحزاب الكردية السورية
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا