في الذكرى الخامسة والعشرين لتحرير الكويت.. البعث عقود من الجرائم والحروب العبثية
جواد كاظم علي ملكشاهي
لا يخفى على احد ان صفحات تاريخ حزب البعث العفلقي المباد زاخر بالانقلابات الدموية و المغامرات الطائشة والحروب العبثية منذ تاسيسه وحتى زواله على ارض الرافدين في ربيع 2003 حيث اتخذ البعث العنصري الشوفيني ومنذ تاسيسه العنف والقتل وسيلة للوصول الى السلطة ومنهجا لاستمراره فيها ضاربا بذلك كل القيم والاخلاق والمبادئ الانسانية عرض الحائط.
تاسس حزب البعث الذي كان يسمى بقيادة قطر العراق في بدايات خمسينيات القرن الماضي على يد شلة من القومجية الشوفينيين وفي عام 1953 شكلت أول قيادة قطرية للحزب ضمت فؤاد الركابي امينا سرا وفخري ياسين قدروي وجعفر قاسم حمودي وشمس الدين كاظم ومحمد سعيد الأسود اعضاء فيها.
عملت ملاكات الحزب بباكورة نشاطاتها في المناطق الريفية والقروية والبدوية لشيوع الأمية والجهل فيها و وجود ارضية خصبة لترسيخ أفكاره ونهجه العنصري واستغلال الفلاحين والقرويين السذج وزجهم في الانقلابات الدموية والقتل والترهيب بغية الوصول الى السلطة ، وفعلا تمكنت الملاكات الحزبية بشعارات براقة ووعود زائفة من بناء قاعدة جماهيرية لابأس بها والتي اصبحت فيما بعد حاضنة له وتوسعت تنظيمات الحزب فيما بعد في المدن والمناطق الحضرية وخاصة في بعض مناطق بغداد التي كان ينحدر سكانها من نفس المناطق التي بدأ فيها نشاطاته ، حتى ركب الموجة و شارك في ثورة 1958 التي قادها الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم وانتهت بسقوط النظام الملكي وتأسيس اول حكومة جمهورية عراقية.
بعد تشكيل اول حكومة جمهورية في العراق انيطت مهمة وزارة الاعمار الى القيادي البعثي فؤاد الركابي ترسيخا لمبدأ اشراك جميع القوى السياسية العراقية في الحكومة .
ومنذ ذلك الحين خطط البعث العفلقي وحاك المؤامرات والانقلابات بغية الاستحواذ على السلطة وفعلا استغل مساحات الحريات المتاحة انذاك للعمل السياسي وشرع بتشكيل عصابات وميليشيات خفية بغية اعدادها وزجها في مغامراته وانقلاباته الدموية.
وفي الثامن من شباط من عام 1963 قام الحرس القومي السيء الصيت بعمليات مسلحة داخل بغداد وبعض المحافظات الاخرى وقمع القوى الوطنية العراقية وخاصة عناصر الحزب الشيوعي العراقي وتمكنوا من اسقاط نظام قاسم والاستحواذ على مقاليد السلطة وكانت تلك المغامرة الاولى لهم على مستوى العراق ، بعد خمس سنوات أي في عام 1968 قام البعث بانقلاب دموي جديد على حكومة عبدالرحمن عارف ، بدعم من اجهزة المخابرات الانكلوامريكية ومساندة اقليمية من بعض دول المنطقة وخاصة نظام البعث في سوريا آنذاك وتم خلال الانقلاب تصفية عدد كبير من الضباط الوطنيين وملاحقة جميع العناصر الوطنية في الاجهزة الحكومية وبالاخص في صفوف الجيش وقوى الامن الداخلي ، كما قام الرعيل الاول من قادة الانقلاب بتصفيات دموية داخل قيادات البعث المتصارعة على المناصب الحكومية والحزبية مما اضطر الانقلابيون الى وقف القتال في كوردستان والتي تمخضت عنه اتفاقية آذار1970 وبموجب الاتفاقية عقدت هدنة بين الجانبين الى عام 1974 حيث نسف النظام الاتفاقية واستأنف القتال ضد الشعب الكوردي استمر حوالي سنة كاملة راحت ضحيتها الالاف من الابرياء من النساء والاطفال وتدمير القرى والمناطق الحدودية التي كان يقطنها الكورد وكذلك اعداد كبيرة من الضحايا في صفوف الجيش العراقي مما ارغم النظام على عقد اتفاقية الجزائر الخيانية مع النظام الايراني باشراف امريكي و بوساطة من الزعيم الجزائري هواري بومدين.
ولم يمر على الاتفاقية سوى خمس سنوات حتى اشعل النظام حربا مدمرة اخرى ضد الثورة الايرانية التي اطاحت بنظام الشاه المقبور ، مستغلا بذلك الاوضاع الداخلية المضطربة في ايران بعد قيام الثورة فيها ، لكنه لم يحقق هدفه في اسقاط النظام الايراني الجديد وتحرير المناطق العربية فيها حسب زعمه، اذ استمرت الحرب ثماني سنوات عجاف ترك اكثر من مليون قتيل ومليوني جريح فضلا عن عشرات الالاف من الاسرى ناهيك عن الدمار الذي لحق باقتصاد البلدين وتخريب المدن والقرى جراء تلك المغامرة الطائشة وفي فترة الحرب على ايران ايضا قام النظام البعثي المجرم بارتكاب مجازر وحشية ضد الشعب الكوردي في المدن والقرى واستخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية المحرمة دوليا في مناطق مختلفة من محافظة اربيل وفي مدينة حلبجة الشهيدة التي راحت ضحيتها الالاف من الاطفال والنساء بالاضافة الى تعرض الاف اخرين للعاهات الجسمية نتيجة لتلك الاسلحة المدمرة.
لم يفسح النظام المجال للجيش العراقي لاستعادة قواه من الحرب الاستنزافية ضد ايران ولم يمض سوى سنتين على وقفها ، حتى قام بمغامرة طائشة جديدة و زج الجيش العراقي المنهك في عملية غزو دولة الكويت في الثاني من آب 1990 بهدف ابتلاعها والاستحواذ على خيراتها وضمها للعراق كمحافظة جديدة واستمر بتعنته وغطرسته ورفض كل المساعي والوساطات الاقليمية والدولية للخروج منها مما اضطر مجلس الامن الدولي الى اصدار قرار تحرير الكويت بتشكيل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ومشاركة قوات اكثر من ثلاثين دولة.
وفي 17 من كانون الثاني من عام 1991 شنت قوات التحالف الدولي عمليات عسكرية برا وجوا وتمكنت من سحق ما تبقى من الجيش العراقي والحاق هزيمة كبرى به وتحرير الكويت ، في تلك الاثناء قام الشعب العراقي بجميع قومياته وطوائفه الذي
ذاق الامرين على يد النظام وحروبه العبثية بانتفاضة شعبية عارمة شملت جميع محافظات ومدن البلاد وتمكنت القوات الشعبية من اقتحام مقرات الاجهزة القمعية
للنظام والمقرات الحزبية والامنية وتمكنت من السيطرة على زمام الامور خلال ساعات وتحرير غالبية المحافظات من براثن النظام.
الا ان واشنطن وحلفاءها و بمطالبة من بعض انظمة المنطقة خذلت الشعب العراقي المنتفض لأهداف وغايات معروفة واطلقت يد النظام لقمع المنتفضين بما تبقى من قوات الحرس الجمهوري والعناصر الحزبية التي ربطت مصيرها بالنظام وكذلك عناصر الامن والمخابرات ، كما اعطت واشنطن الضوء الاخضر للنظام لأستخدام المروحيات في قمع المدنيين حيث استشهد وجرح الالاف من ابناء الشعب العراقي من زاخو الى الفاو بالاضافة الى نزوح الملايين من العراقيين الى تركيا وايران جراء عمليات القصف العشوائية التي قام بها قوات النظام.
لم يكتف النظام بكل ذلك الدمار والقتل خلال العقود الماضية من قمع القوى الوطنية والاصوات المنادية بالحرية والحروب مع دول الجوار حتى بدا يتحدى المجتمع الدولي الذي طالبه بتدمير ماتبقى من ترسانته من الاسلحة الكيماوية والجرثومية المحرمة دولياً ورفض كل الوساطات والمساعي الدولية والاقليمية بهذا الصدد واعلن عن عدم انصياعه لأية قرارات دولية مما اضطر المجتمع الدولي الى صدور اذن لتحرير الكويت وشرعت العمليات العسكرية في 17 يناير 1991 حيث حققت العمليات هدفها الاساسي بانهاء الاحتلال الصدامي للدولة الجارة الكويت.
ومن خلال ماذكر من احداث دموية في حقبة البعث يظهر جليا ان البعث الصدامي اتخذ العنف والممارسات القمعية في الداخل وسيلة للوصول الى السلطة وشن الحروب الاقليمية للاستمرار في السلطة الى ان اطاحت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما و بتفويض من مجلس الامن الدولي به في ربيع عام 2003 ليغلق والى الابد صفحات سود قاتمة من الحكم الدكتاتوري القمعي.