في البلدان الفاشلة ، مثل بلدنا ، حيث الفوضى تضرب أطنابها في كافة المجالات ، فأن ” الفساد ” سهل كما الإصلاح صعب .. و” الهدم ” يسير بينما البناء عسير . وخير مثالٍ على ذلك : عملية الإصلاح في ملف الرواتب في أقليم كردستان العراق ، فمنذ أكثر من سنة ، والحديث لا يتوقف عن أعداد الذين يستلمون أكثر من راتب ، وأعداد الفضائيين البنديواريين أي الوهميين ، وأعداد المتقاعدين المزيفين ، وأعداد المتقاعدين بدرجات الوزير والمدير العام والمستشار بدون ان يمارسوا هذه الأعمال يوماً … الخ . نعم لأكثر من سنة والأحاديث تدور حول ” إصلاحات جذرية ” .. أحاديث في أروقة البرلمان ودهاليز الحكومة ومفوضيات النزاهة ودوائر العدل ، من غير إجراءات [ عملية ] حقيقية على الأرض . الإصلاح صعب ووقف الهدر في المال العام عسير ومُحاسبة المُقصرين والمتسببين شُبه مُستحيل .. لسببٍ بسيط : ان المتسببين في هذه الظاهرة المُخجِلة ، هُم نفسهم المتحكمين في السلطة سواء الآن أو سابقاً . القادة قّدموا [ رشوة ] الى عشرات الآلاف من الناس ، على شكل رواتب وتقاعدات غير مُستَحَقة ، من أجل كسب ولائهم . تكادُ جميع الأطراف مُشتركة في هذه العملية الفاسدة ، كُلٌ حسب حجمه ونفوذه . فلو لم يكُن أي عضوٍ في الحزب الشيوعي أو الحزب الإشتراكي او الجماعة الإسلامية او الإتحاد الإسلامي او حركة التغيير كوران ، قد قبل بتقاعدٍ كبير بدرجة وزير او مدير عام ، مثلاً .. او رفض الحصول على إمتيازات غير مُستَحقة .. لقلنا ان الحزبَين الديمقراطي والإتحاد ، هُما الوحيدان اللذان قاما بهذه المخالفات . للأسف ان الجميع إنخرطَ وتورط في وليمة الفساد ، وبدرجاتٍ متباينة .
لكن هذا لا ينفي حقيقتَين : الأولى ان الحزبَين الحاكمَين يتحملان الوزر الأعظم من المسؤولية الفعلية والأخلاقية . الثانية ، ان هذه الرشوات قد ساهمتْ في تكريس الإنحطاط القِيَمي في المجتمع .. فالذين إرتضوا ان يحصلوا على راتبَين او ثلاثة او أكثر .. أو قبلوا ان يتقاعدوا برتبةٍ عسكرية وهُم لم يخدموا يوماً .. او مارسوا التحايل بإضافة سنوات خدمة وهمية او إدّعوا بأنهم سجناء سياسيين ، او فرحوا بالحصول على إمتيازات مختلفة بغير وجه حَق … الخ . ان هؤلاء جميعاً يبلغون عشرات الآلاف ويشكلون نسبة لا يُستهان بها من المجتمع … وجُزءاً مهماً من ” جمهور ” الحزبَين الحاكمَين … ولطالما إستفادوا من الرواتب والإمتيازات وأصبحوا طفيليات وعالّة ، بلا إنتاج فعلي .
هنالك إحتمالٌ أن تجري إصلاحات جذرية ، عندما يكون الحَكَم مُحايداً ونزيهاً .
لكن عندما يكون : .. فيكَ خِصامي .. وأنْتَ الخَصمُ والحَكَمُ ، فالأمرٌ صعبٌ حقيقةً .
فيكَ خِصامي .. وأنتَ الخصمُ والحَكَمُ
اترك تعليقا