على عتبات زحمة الكلام والتحليلات التي رافقت مسيرة الصراع على سوريا، وبعد تتالي مراحل الدمار والكوارث، وتعميق الشرخ بين مكونات المجتمع السوري، والمستنقع السياسي الآسن، والتدخلات التي طالت المعارضة العربية السورية، بدأت مجموعة من الشريحة الوطنية تقتنع بالفيدرالية لسوريا ولم تعد ترهبها كما في السابق، وتجد فيها حل لمشاكلنا جميعاً كسوريين، ومن ضمنها الحفاظ على وحدة الوطن، ووضع نهاية للمآسي، لكنها دون القناعة بتطبيق النظام الفيدرالي المبني على الخصوصية السورية، وينشدون الفيدرالية المبنية على التقسيمات الجغرافية، المماثلة لخريطة المحافظات الحالية، وهو في الواقع العملي؛ إعادة دمج لبعض المحافظات، أو يمكن القول إنها عودة إلى نظام الإدارات المحلية بصيغة جديدة مع صلاحيات جغرافية أوسع، وبالتالي ستظل القضايا الخلافية، السياسية والاقتصادية والقومية والمذهبية هي ذاتها.
ولأسباب ما، لا زال طرح النظام الفيدرالي مع مراعاة الأبعاد القومية والمذهبية في سوريا، تزعج الشريحة المتقدمة بخطوات على غيرها من أطراف المعارضة. يقفون على أبوابها، عارضين بديلها، والحساسية منها: ربما نابعة من الخلفية الثقافية المترسخة منذ عقود حكم البعث، الخالقة ذهنية هيمنة العنصر العربي، أو عدم جرأة الاعتراف بالقضية الكوردية على أنه شعب يعيش على أرضه التاريخية، الضامة إلى سوريا على خلفية المصالح الاستعمارية.
لا شك عرض مفهوم الفيدرالية وفي هذه المرحلة من قبل أطراف من المعارضة العربية، خطوة متقدمة على سابقاتها، نثمنها، ولكن على المنهجية المعروضة، لن يستتب الاستقرار في سوريا، وستؤدي إلى كوارث لا تقل عما حصل للمجتمع السوري منذ تسلط الأنظمة الشمولية، بدءا من حزب الشعب مروراً بالبعث ونظام الأسدين، إلى الآن. ولا يستبعد أن الفيدرالية المبنية على الجغرافية، ستخلق دويلات سورية ضمن سوريا الحالية، وربما ستظهر خلافات بين المكونات السورية ذاتها وبأوجه مغايرة لما نراه اليوم.
وهو ما سيسهل التدخل الخارجي، وعلى الأغلب ستكون جغرافيات تابعة للقوى الخارجية، ربما ذاتها التي تتحكم اليوم بمسيرة الصراع في سوريا، وستتوسع الخلافات بين مكونات سوريا، فبعدما كانت تواجه السلطات الدكتاتورية، ستتصارع بين بعضها ضمن الفيدرالية الجغرافية ذاتها، والأسباب عديدة، منها، على السيادة وتوزيع المصالح القومية والمذهبية، وغيرها. فعلى سبيل المثال قامشلو كانت مدينة السلام والتأخي، والمحبة، مع وجود جميع الأديان والمذاهب والقوميات واللغات ضمنها، في ظل الهيمنة الاجتماعية الكوردية، لكنها غرقت في خصومات مباشرة وغير مباشرة بعد تغلغل النظام فيه، كما وأن تجربة لبنان وصراعاتها الإثنية خير مثال، والتي لن تنقذها سوى الفيدرالية المبنية على الدينية والمذهبية.
المطالبون بالفيدرالية الجغرافية، ينطلقون من منطلق القومية العربية، بعيد عن الخصوصية السورية، لا يختلف منطقهم عن منطق المطالبين بسوريا المواطنة، أو أولئك الراغبين في إقامة الوطن على أساس دستور يزعمون أنه عصري، متناسين أن الدساتير في منطقتنا تخدم السلطات الشمولية، وليس العكس، فتناسي ركائز ثقافات مجتمعنا، وحيث الخلافات القومية والمذهبية تتوارث منذ قرون عديدة، وشعوبنا تحتاج ربما إلى عقود طويلة من تشذيب المفاهيم والثقافة لتبلغ المدارك المأمولة منها.
النظام الجغرافي الفيدرالي، مثلها مثل دولة المواطنة، والإدارات المحلية، ليست فقط ستدعم السلطة المركزية، وستنسخ الدكتاتورية بأوجه جديدة، بل ستزيد من نزعة التقسيم على الخلفية المذهبية والقومية، ولن تحولها إلى دولة عصرية، بل ستعمق الثقافة التي غرزتها الأنظمة الشمولية في المجتمع.
الاعتراف بالحقيقة، فضيلة، فالمكون السوري، ليس كما هو لدى بعض الدول والشعوب التي طبقت الأنظمة الفيدرالية على مبدأ المواطنة، والذي أقيم على أبعاد سياسية، واقتصادية، لغياب البعد اللغوي والقومي ضمن جغرافيات تلك الدول، وهي تجارب نادرة في العالم، مقارنة بمعظم الفيدراليات التي نعمت بالديمقراطية، المبنية على اللغة أو العرق.
علينا جميعا أن نتعاون لانتشال سوريا من هذا المستنقع، وتجنبها من المستقبل المظلم. من الأفضل أن نسعى الى تحقيق النظام الأنسب لسوريا ومكوناتها، وألا تحسسنا مصالح المكونات السورية المختلفة عن تطبيقها، وأرى من المناسب أن نطبق ما ورد أعلاه كنظام لسوريا القادمة.
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
24/9/2021م
فيدرالية المواطنة جريمة بحق سوريا
اترك تعليقا