د. خالد ممدوح ألعزي
عندما يثور الفنان والإعلامي والمفكر والمثقف ويرفض كل ما يطرحه النظام من روايات وأحاديث وقصص سخيفة، ” عن عصابات وإرهابيين” تمارس في سورية، يكون النظام قد فشل فعليا في تسويق وجهة نظره الداخلية ،لان هذه الطبقة تستمد شرعيتها المشروعة من الشارع ،و الشارع قوتها الحقيقية، لان الفنانون صوت الشعب وصده الطبيعي ،لان الشارع هو الشرعية الحقيقية للفنان ،وبالتالي على الفنان حمل هموم الناس والدفاع عنها،بالوقت الذي تخلى الكثير عن هذا المبدأ، لكن فدى أبدت انحيازها للشعب منذ اليوم الأول للثورة ، لتكون دخلت بمواجه مباشرة مع النظام . فدوى سليمان فنانة الثورة
السورية التي شاركت فيها منذ البداية معرضة إجرام الأسد، لكنها بعيدة عن الإعلام.
لكن عندما تخرج فنانة كبيرة في مظاهرات شعبية وتهتف فيه ضد نظام بشار الأسد، فهذا الإفلاس الفعلي لنظام استخدم فن الممكن لترويج أفكاره ،فالفنانة فدى سليمان التي كانت في طليعة المظاهرة في منطقة البياضة في مدينة حمص عاصمة الثورة السورية،تصرخ وتهتف بشعارات مؤيدة لقرار الجامعة العربية القاضي بتجميد عضوية سورية،لم يكن احد أن يصدق ذلك . فالذي يشاهد فدوى سليمان في قلب المظاهرات يفاجئ،وخاصة عندما يسمع صوتها أثناء توجيهها رسالة من قناة الجزيرة الفضائية عبر السكيب، والتي تقول فيها:” بأنها مستعدة للموت من اجل الثورة السورية ،وحياتها لا تختلف عن حياة
الثوار التي تعتبر نفسها واحدة منهم”أو عندما ترها في حي الخالدية في حمص جانبا إلى جنب عبد الباسط ساروط لاعب الكرة السوري يقدون سوية مظاهرة في 7 ديسمبر “كانون الثاني “من هذا العام .
بعد هذه المقابلة التلفزيونية ، يضن المشاهد نفسه للوهلة الأولى أما م مسلسل درامي جديد تقوم ببطولته الممثلة فدوى سليمان ، ينفذه ويخرجه نجدت انزو مخرج النظام السوري الحالي ،و واضع بصماته على كل المسرحيات المليونية التي تخرج للشارع السوري لتدعم نظام الأسد ، ويتم تصويرها لتعرض على الشاشات الفضائية،من خلال لقطات مميزة وفنية كاملة،لكن بعد التمعن الفعلي في نص الرسالة التلفزيونية تجد نفسك أمام مناضل حقيقي مهنتها التمثيل وصوتها العقل وقلبها ينبض بقوة من اجل سورية ،فدوى كانت الأشجع من بين رفاقها في المشاركة والانحياز الفعلي والميداني للثورة
السورية . فالجدير بالذكر بان الأسد في اجتماعه الأول مع الفنانين السورين الذين انحازوا لنظامه طلب منهم بعرض كل الإحداث وتصوير كل الوقائع كما هي وشدد على دور الفنان لعكس الواقع كما هو من خلال إعمالهم الفنية للمساعدة في حل المشاكل .
لم نتوقع من بطلة فلم الكرتون المدبلج بصوتها” همتاروا” بان تقف وسط الجماهير الشعبية المعترضة لتكون بطلة شعبية تصرخ وتهتف وتكون قائدة أمامية في حياة مضطربة ،يصر فيها الشعب السوري على إسقاط النظام الاسدي ، لتكون بنت صفيته إحدى إبطال هذا المشهد الحقيقي الدموي الخارج من إحياء حمص الفقيرة عاصمة الثورة السورية الجديدة.
وهنا نرى مدى الارتباط الفعلي الذي تجسده فدوى سليمان بأرضها وشعبها السوري،فدوى التي اختارت الأكثرية الشعبية رافضة الأقلية الطائفية،هي السورية والعربية التي تقف الى جانب قضية شعبها المحقة المطالبة بالتغير والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ،فالشعب السوري الذي خرج في 15 آذار “مارس “لم يخرج مطالبا بإسقاط نظام لإحلال مكانه أو بتنحي طائفة لصالح أخرى فالشعب السوري المقهور من عصابات الأسد وعائلته الحاكمة ،يختبئ بثوب الطائفية لتحميه ولتسعير نار الحرب الداخلية الأهلية التي يستند عليها في قمعه لشعب سورية .
لقد تحولت فدوى سليمان إلى رمزا وطنيا لمكونات الوحدة السورية التي يحاول النظام اللاعب عليها من اجل تامين وجوده على العرش مستخدما القتل والبطش والطائفية ،لقد كتبت صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 27 نوفمبر “تشرين الثاني 2011 ،بعنوان في المنشات العريض “فدوى سليمان كابوس نظام الأسد الذي يحاول قتلها بأي شكل، وخاصة بعد ظهورها العلني في 23 نوفمبر الماضي أثناء قيادتها للمظاهرات الشعبية والتي كسرت توجهات النظام السوري الذي يحاول تخويف الأقليات الدنية من الأكثرية الشعبية .
فالنظام الذي حارب فدوى سليمان بكل وسائله السخيفة وللأخلاقية من نظام مستبد شمولي دكتاتوري ،من خلال إجبار أهلها وذويها الذي تنكروا من ابنتهم وعدم الاعتراف بها بكونها غادرة مدينتها منذ 9 سنوات وهي تعيش لوحدها بعد طلاقها من زوجها ،لقد نشر الأخبار الكاذبة عنها بأنها تمارس الرقص في بارات لبنان للأخلاقية وتم تجنيدها من حزب القوات اللبنانية وفيما بعد من تيار المستقبل بمبلغ 2500 دورا شهريا،فدى التي تبيع نفسها في الخليج العربي لأمراء النفط ،فدوى الفاشلة في التمثيل وتبحث عن نجومية بعيدة عن نجومية نجدت انزو وجنرالات الموت السوري،كل ذلك لان فدوى سليمان هي
من الطائفة العلوية الكريمة التي يأسرها بشار الأسد،لقد خرجت فدى عن التقوقع الطائفي المذهبي وتخلت عن العائلة ولم تتخلى عن الطائفة فالمشكلة في سورية ليست مذهبية وطائفية ،وإنما مشكلة شعب بكامله من كافة الطوائف،وأزمة نظام اختزل كل مكونات الحياة الاجتماعية والسياسية والحزبية والإعلامية، والدبلوماسية،في كفة فريق صغير يقود البلاد تحت حجج وأعذار وأوهام مختلفة جدا فالطائفية اليوم إحدى أعمدتها القوية …
لكن رد فدوى دائما مختلف على كل أفعال وأعمال النظام، فالفنانة التي خرجت بتاريخ 18 نوفمبر “تشرين الثاني ” من خلال شاشة العربية لتقول للعالم بأسره بان وضعنا في سورية عامة وحمص خاصة خطير جدا وسيء جدا والعالم خذلنا ،لقد أضربت فدوى عن الطعام في خميس الإضراب في 11 نوفمبر”تشرين الثاني ” في اعتراضها الفعلي على تصرف نظام الأسد .
هي التي أعلنت بان الحرية يجب دفع ثمنها لنيلها ،هي التي هتفت في ميدان التحرير ضد نظام الأسد،هي التي تقود مسيرة تؤيد فيها قرارات الجامعة العربية ،فدوى تسير في قلب المظاهرات وتعلن بأنها مع الثورة ضد بشار الأسد ولا يهمن لكوني مع المطالب العادلة للثورة السلمية لقد حددت برسالتها الصوتية:” لا يمكن لأي شخص كان أن يطوع أو يهزم الثورة في سورية،وخاصة في عاصمتها حمص ،ويوجد فيها نساء كل واحدة منهن بألف رجل يقفن مع الثورة ويعبرن عن رأيهن أمام الملأ دون خوف أو جل” . هذا الموقف الذي أعلنته من قلب المظاهرة في البياضة بتاريخ 8 تشرين الثاني 2011 في ما يحدث لي شخصيا ،
ليساهم ما يحدث للثوار السورين لان روحي ليس أفضل من حياتهم .
هي من استبق الإعلام السوري بتصريحها لوسائل الإعلام الفضائية العربية بقولها :” عليكم جميعا بان لا تتفاجئوا بحال مشاهدتي على قناة الدنيا الإخبارية التابعة للنظام وسماع اعترافات مني تم انتزاعها بالقوة فالنظام يلاحقني، ويحاول اعتقالي وقتلي وإنا ملاحقة يوميا بسبب مواقفي وأي شيء يحدث لي فالنظام السوري الحالي هو المسؤول عن ذلك .
فدوى سليمان التي أطلقت صرخة حقيقية من قلب عاصمة الثورة السورية من حمص ،مؤيدة الثورة السورية السلمية ،ورفضها البقاء داخل منزلها لتتبع سير الإحداث الدموية في حمص وسائر المدن السورية ،التي يرتكبها نظام بشار الأسد ،بالرغم من شهاداتها الحية التي قدمتها الفنانة عن همجية نظام الأسد من خلال تعذيبه وبطشه للشعب السوري ،وضد ثورته السلمية.لقد حملة فدوى المسؤولية الكاملة للنظام السوري وتعاملهم مع متظاهرين حمص البطلة والصامدة ،معللة ذلك بان الحرية الحمراء ثمنها غالي وعلى الجميع تسديد فطورتها .
والملفت للنظر بان الفنانة فدوى سليمان نشطت في التظاهر منذ اليوم الأول واللحظة الأولى لاندلاع المظاهرات الشعبية السلمية السورية ،لقد شاركت بالتظاهرات النسائية ،وظهرت في بيوت العزاء الذي أقامها السوريين لشهداء الثورة ،الذين سقطوا في منطقة الغابون في المنطقة الغربية من دمشق العاصمة ،كما أعلنت نداء زراعة أشجار الزيتون تحية لأرواح الشهداء الذين سقطوا في الثورة السورية ، منذ 21 آذار” مارس ” من هذا العام وهي في شوارع دمشق مع الثائرين والمنتفضين،هي التي شاركت بمظاهرة الفنانين في دمشق وتم اعتقال الكثير منهم ،هي التي بدأت ثورتها من قلب العاصمة،هي
طالبت مع زملائها الفنانين توقيع الكتاب الذي يطالب بفك الحصار عن محافظة درعا المحاصرة والذي عرف بكتاب الحليب ، لكن الفنانة غابت عن الإعلام والأنظار بعد تعرضها للتهديدات العديدة وحتى من عائلتها ،ولكنها لم تأخذها بالاعتبار وظلت تمارس نشاطها الثوري
فالفنانة السورية التي يحاول النظام تقزيم دورها الوطني وملاحقتها لكونها من إتباع المذهب النصيري ،لإدخالها في فك الطائفية ولإبعاد عن طرحها الوطني والقومي وجزها في فلك الطائفية والمذهبية التي خرجت منها فدوى منذ زمان ،هي التي تصر على متابعة الثورة السلمية والوطنية ضد نظام الأسد وليس ضد طائفة أو لصالح طائفة ،هي التي تؤكد على الحفاظ على السلم الأهلي والتعايش الطبيعي بين مكونات سورية العروبة والوطنية ،لا صراع بين الطوائف والمذاهب كما تقول فدوى الملتزمة بهذه الثورة السلمية .
لقد فشل النظام في تسويق نظريته وإقناع الفنانين والعلمانيين والمثقفين والإعلاميين الذين انخرطوا في هذه الثورة لأنهم لم يجدوا فيها ثورة الإرهاب والعصابات والسلفية والحراك الطائفي والمذهبي الذي وعد بها النظام البعثي القومي العربي.
فان وجود فدوى في الثورة وسمر يزبك ومحمد صالح العلي وسميح شقير وريما فليحان ، ومنتهى الأطرش ومي سكاف وأسماء كثيرة من إتباع الطوائف الشريكة في سورية يجعل حلم الأسد اقل بكثير بتخويف الأقليات الطائفية التي تعتبر الانتماء للأكثرية الكبيرة في بلد التعايش سورية ،ليقول لكل الثوريين من إتباع الطوائف الأخرى نحن سوريين عرب أكثرية وطنية لان سورية تتسع للجميع.
فدوى التي تقول بان النظام مستعد لصنع أي أزمة وفتنة بين الشعب السوري لكي يبقى هو نفسه ،ولكي يعطي لنفسه المبررات لبقائه،،فان أهل حمص وأهل سورية لم يكونوا مع الخيارات العسكرية بتاتا ولم يكونوا يرغبون بإيصال سورية إلى هذه الحالة، لكن النظام هو الذي دفع بالإحداث إلى هذا المستوى وإيصال الوضع لهذه العالة السيئة.
بالطبع فان فدوى سليمان هي اليوم في خط الخطر وموقع الملاحقة الذي يقوم بها النظام الاسدي ،لكن إيمانها وقوتها التي تستمدها من الشعب وثورته القادرتان على التغير السلمي والذي يدفعونه هي ومن معها للاستمرار والصمود .
لذلك ننوه بان حياة فدوى سليمان المعارضة بخطر جدي ويتحمل مسؤوليته النظام السوري نفسه.
ولبد من التذكير بقولها الحرفي :”انأ لست أحسن من الذين يخرجون بصدورهم العارية ،لعبروا عن رأيهم،هذا موقفي ولست خائفة ،لا يمكن أن يصيبني إلا ما هو مكتب لي ،أنا مع الثوار ومطالب الشعب السوري ،هذا هو إيماني وهذا الوقت المناسب لكي يعبر كل منا عن قناعته وموقوفة دون تردد أو خوف ،وانتمائي الوحيد هو لوطني سوريا وليس لأي شيء أخر”.
ونحن بدور نصر على أن نقول بأننا معك يا فدى يا فنانة الثورة معك ومع حمص ومع سورية الشعب والثورة والأرض والتاريخ والمستقبل ،لنعمل معا في أوسع حملة من اجل حماية فدوى ورفاقها وشعب حمص والشعب السوري .
كاتب صحافي وباحث إعلامي، مختص ببالاعلام السياسي والدعاية