عَنِ الإِسْتِبْيانِ
نــــــــــزار حيدر
في البلادِ المتقدّمةِ يُعتبر الاستبيان علمٌ مهمٌّ من العلوم الحديثة والذي تُقاسُ فيه اتّجاهات الرّاي العام من خلال اشراك العيّنات الاجتماعيّة المختلفة المعنيّة في كلّ قضيّة من القضايا مورد النّقاش او اتّخاذ القرار.
كما انّهُ اداة مهمّة من أدوات التّواصل بين القادة والمجتمع وعلى مختلف الاصعدة، فضلاً عن انّهُ وسيلة فعّالة لترشيد الرّاي وتصحيح الفكرة واكتشاف مكامن الخطأ او النّقص في
الموضوع مورد الدّراسة والبحث.
ولذلك لا تجد كاتباً او باحثاً يُدلي برأيٍ في قضيّةٍ ما الا ويشفعَها بنتائج أحدث الاستبيانات ليبني عليها.
ولقرب قادة الرّاي وتواصلهم مع الرّاي العام لذلك تأتي دراساتهم عادةً واقعيّةً وعلميّةً وعمليّةً في آنٍ واحد.
امّا في البلدان المتأخّرة فانّ الاستبيان فرصة ذهبيّة لنشر الغسيل القذر والطّعن بالولاءات والتّشكيك بالنّوايا والسّباب والتهجّم والفضائح وتفريغ الحقد والكراهية والانتقام ولو بالالفاظ، ولذلك فليس في البلدانِ المتأخّرة والمتخلّفة ايَّ معنىً للاستبيان لانّهُ ببساطة غير موجود أصلاً، اي انّهُ [سالبة بانتفاءِ الموضوع] كما يقول المناطِقة، ولذلك فانّ الحلول والمشاريع عادة ما تكون غير علميّة وغير عمليّة وغير واقعيّة، لانّ بين قادة الرّاي والمجتمع بُعد المشرقَين.
لقد تلقّيت مئات الاجوبة على الاستبيان الذي نشرتهُ يوم أمس والذي كان نصّهُ؛ [كمُواطن عِراقي؛ ماذا تَقُولُ عن آلّذي وقَّعَ عام ٢٠١٣ على قَرارِ العفو الخاصّ عن كلِّ قادة الارهاب (السَّعوديّين) في العراق المحكوم عليهِم بالإعدام، وَتَسليمهُم الى سُلطات (آل سَعود) بِلا ثَمَنٍ؟!] والتي كشفت عمّا يلي؛
أولاً؛ انّ العراقيّين تطوّروا بشكلٍ واضح في طريقة تفكيرهم، وكذلك في طريقة استنتاجاتِهم، ما يعني انّهم بدأوا يستوعِبون دروس التّجربة بشكلٍ جيّد، بعد ان خفّت عندهم ظاهرة (عبادة الشّخصية) و (القائد الضّرورة).
ثانياً؛ باستثناء عدد قليل جداً، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من (عَبدةِ العِجلِ) من الذين {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} على حدّ وصف القرآن الكريم، من الذين يتحسّسون من أيّة إشارة ولو كانت بعيدة جداً توحي الى (القائد الضّرورة) على الرّغمِ من انّ الاستفتاء لم يذكر لا اسماً ولا رسماً ولا حتّى موقعاً ما في الدّولة، كان التفاعل إيجابياً ومُفيداً ومثمراً جداً، ولقد التزم المشاركون، وبينهم وزراء ونوّاب ومثقّفين ومُحامين وقُضاة واساتذة ومواطنين عاديّين ومن كلا الجنسَين، بأخلاقيّات الحوار والأجوبة المنطقيّة وبكلِّ حريّة وشفافيّة بعيداً عن الحسّاسيّات والخلفيّات والهويّات.
ثالثاً؛ لقد أجمع أغلبيّة المشاركين على ضرورة محاكمة المسؤول عن ذلك بتهمة الخيانة العُظمى لدماء الضّحايا، فالكلّ يعرفُ جيداً عِظَم الجرائم البشعة التي ارتكبها (السّعوديون) الذين اعتُقِلوا في العراق في فترات مختلفة وحُكم عليهم بالإعدام، فاطلاق سراحهُم بعفوٍ خاصّ ومن قِبَلِ ايّ مسؤولٍ كان يُعدُّ جريمة عظيمة لا يُمكن السّكوت عنها وتجاوزها، خاصَّةً وان جرائم نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية لازالت مستمرّة ضدّ العراق وبكلّ الأشكال.
رابعاً؛ في نفس الوقت فإنّنا نعرف جميعاً ان توجيه الاتّهام في مثل هذا الملفّ الخطير ليس بالأمر الهيِّن حتى اذا كانت تحت أيدينا وثائق بهذا الخصوص [وبالمناسبة فلقد ورد في الوثائق المتعلّقة بهذا الملف اسماء (٤) مسؤولين كبار في الحكومة السّابقة كلّهم من المكوّن الشّيعي]!.
انّها مسؤولية القضاء حصراً والذي يقع عليه واجب التّحقيق في هذه القضيّة الكُبرى للوصول الى النّتائج الحقيقيّة بعيداً عن ايّ نوعٍ من التسييس الذي يُخلُّ بواجب القضاء، بِما يحقّق العدالة في البلد ويوضّح الحقائق الدّامغة للرّاي العام الذي من حقهِ ان يعرف كلّ شيء عن مثل هذه الملفّات الخطيرة التي تتعلق بالدّم والعرض والأمن القومي، ومن أجل ان لا نفسحَ المجال للمُتصيّدين بالماء العكر من الذين يوظّفون مثل هذه الملفّات للتّشهير والطّعن وتوزيع التّهم الباطلة ضدّ هذا المسؤول او ذاك!.
ولانّ القضاء عندنا مشكوكٌ في قدرتهِ على التّعامل بجديةٍ وحزمٍ وشجاعةٍ وشفّافيةٍ مع مثل هذه الملفّات الخطيرة والشّائكة، لذلك اقترح ما يلي؛
تشكيل لجنة خاصّة من عددٍ من القُضاة النزيهين تُسلّم لهم الملفّات التالية المترابطة بعضها بالبعض الاخر، لدراستها بدقّة قبل ألَّبتّ بها، الا وهي؛
١/ ملف قرارات العفو الخاصة التي صدرت عام ٢٠١٣ بحق الارهابيّين المذكورين في الاستبيان أعلاه.
٢/ ملف سقوط الموصل، اذ ليس من المعقول ان يبقى هذا الملفّ سرٌّ من الأسرار المجهولة! والى متى؟!.
٣/ ملف مجزرة سْبايْكَر التي راح ضحيّتها حسب آخر الإحصاءات شبه الرّسمية (٢٢٠٠) شهيد كلّهم بعمرِ الورود.
٤/ ملف ضياع (٤٠٠) مليار دولار من ميزانيّة العراق خلال الفترة الماضية.
وبرأيي فانّ مفتاح حل الغاز هذه الملفّات وغيرِها بيد السّيد رئيس مجلس الوزراء السابق والقائد العام السابق للقوات المسلّحة، ففي جعبتهِ الكثير من (الملفّات الخطيرة) التي وعدنا بالكشف عنها مدة (٨) سنوات ولم يُسعفهُ الوقت ليحقق مُراد العراقيين لكثرة انشغالاتهِ بالانجازات التّاريخيّة! ولذلك اقترح استدعاءهُ للقضاء للمثول امام هذه اللجنة القضائيّة المختصّة ليحدّثنا على الهواء مباشرة عمّا يعرفهُ عن هذه الملفات وغيرها.
يجب ان يتحرّك هذا الملفّ في أسرعِ وقتٍ، فهو من صُلب الحرب على الفساد التي يُصِرُّ الخطاب المرجعي على انجازِها كل أسبوع، فليس من المعقول ان تُستدعى وزيرة في الحكومة السّويدية بسبب شكوك تحوم حول وساطات عرضتها للحصول على شقةٍ في العاصمة ستوكهولم لا تتجاوز مساحتها (٦٠) متراً مربعاً فقط، ولا يُستدعى المسؤول الاول في الدّولة العراقية ليتحدّث لنا عمّا يعرفهُ عن هذه الملفّات الخطيرة التي تتعلّق بالدّولة وما فيها وما فوقها وما تحت الثّرى؟!.
وبالمناسبة، فانّ مثول المواطن امام القضاء لا يعني توجيه التّهمة له، او انّهُ مُدان في القضيّة ابداً، فالقاعدة تقول (المُتّهم بريء حتى تثبُت ادانتهُ) فلقد مَثُل الامام أَمير المؤمنين علي بن أَبي طالب عليه السلام امام القضاء عدّة مرّات لإيضاح الحقيقة ليسَ الا!.