قد يبدو العنوان غريبا بعض الشيء، لكنه سيتضح سريعا بعد قراءة التفاصيل. ولندخل في الموضوع دون مقدمات: لقد دأبت منذ زمن طويل على تشجيع ودعم كل من يتجه نحو إكمال دراساته العليا من المعارف والأصدقاء والأقرباء بل وحتى اصدقاء الفيسبوك الافتراضيين وكنت لا أبخل عليهم بإسداء النصح وإبداء الملاحظات وتوفير ما بين يدي من مصادر. ربما كنت في هذا مدفوعاً بقدر ما بحرماني في شبابي من رغبتي في إكمال دراساتي العليا بسبب إخفاقي المتكرر في الحصول على الموافقات الأمنية والحزبية التي كانت مطلوبة في وقتها.
كان صديقي الأديب والإعلامي هـ ز واحداً ممن فرحت بتوجهه لإكمال دراسة الماجستير في حقل تخصصه (اللغة العربية) وظللت متابعا ومشجعا متحمساً له طوال فترة الاعداد وإكمال المتطلبات الأولية. وعندما حان موعد اختيار موضوع رسالته خطر له أن تكون أشعاري المتواضعة مادة لها فأبديت ترحيبي بالفكرة واستعدادي لتقديم كل ما أستطيعه من مساعدة ودعم، وهذا ما كان.
قدم صديقي مقترحا بهذا الخصوص فكانت المفاجأة غير المفاجِئة! فباستثناء الأكاديمية الجليلة الدكتورة (ن ع) والشاعر والأكاديمي المعروف الدكتور (ع س) اللذين أبديا تأييدهما لهذا الخيار أعلن أعضاء لجنة قبول البحوث (ولا أعرف تسميتها الرسمية) عن اعتراضهم عليه مستندين على جهلهم التام بوجود شاعر وقاص ومترجم اسمه ماجد الحيدر برغم كل مجموعاته الشعرية والقصصية وترجماته التي تجاوزت العشرين كتاباً فضلا عن مئات المقالات والمواد المنشورة في الصحافة الورقية والالكترونية عبر ربع قرن من الزمن! وعندما قدم لهم صديقي نسخاً من أعمالي الشعرية لغرض الاطلاع عليها ازداد رفضهم لهذا الاختيار، فقد آذت بعض نصوصي “حساسيتهم” البعثية المتجذرة الممزوجة بشوفينيتهم المتأصلة واصطفافاتهم الطائفية المستجدة، وعابوا عليها إشاراتها وإحالاتها على جرائم الفاشية والاسلام السياسي أو انحيازها المشروع لقضية شعبي الكردي، بل إن أحدهم أخبر صديقي بصراحة أنها لا يرضى أن يكتب باحث كردي عن أديب كردي في قسم للغة العربية حتى لو كان الأخير يكتب بها!
أنا عن نفسي أعترف بتحملي جزءاً من المسؤولية؛ فأنا فاشل بامتياز في تسويق نفسي أو إقامة شبكات العلاقات والمجاملات والتحزبات الضرورية للانتشار، فلا أسافر إلا نادراً ولا أحضر الكثير من الملتقيات والمهرجانات ولا أحب الظهور في وسائل الاعلام بل أقضي جل وقتي معتكفاً قارئاً كاتباً أو قائما بمسؤولياتي الأسرية والوظيفية. لكنني أرى بأن من المعيب جداً أن يتقاعس الاكاديمي عن متابعة ما يجري في حقل اختصاصه وأن يطالب طلبته بالقراءة والبحث وهو لا يكلف نفسه عناء تقليب جريدة أو مجلة أو موقع متخصص في الانترنت وأن يركن، لراحته، الى مواضيع كلاسيكية أشبعت غربلة وبحثا وتنقيباً!
ونعود الى صديقي، فقد اقترح بعدها سلسلة من المواضيع التي رفضت تباعا بحجج مشابهة الى أن قاده الحظ الى اكتشاف الوصفة السحرية: عليه أن يختار اسماً معروفا، اسماً كبيراً شهيراً يشعرون إزاءه بحجمهم الحقيقي. وهكذا وقع اختياره على الشاعر والمفكر الكبير أدونيس. وأنظر بعدها الى كم الترحيب والاحتفاء! خصوصاً بعد أن عرف بعضهم بوجود علاقة شخصية بين الباحث والشاعر وباتصالات الأول بالثاني عبر هاتفه الذي كانوا يحسدونه عليه ويسيل لعابهم من أجل الحصول على رقمه علهم يتشرفون بالحديث معه!
كنت شخصياً فرحاً بهذا الاختيار الممتاز، وطفقنا، أنا وصاحبي، نجلس الساعات الطوال لنناقش مضمون رسالته وآراءنا حولها. ومن خلال تلكم الساعات عرفت الكثير عن تواضع الشاعر وكرمه وغزارة علمه وآرائه في أوضاع ومحن أمم شعوب الشرق المنكودة وبضمنهم الكرد الذي لا يخفي تعاطفه مع قضاياهم رغم مآخذه على نكوصهم السلفي المؤسف. لكنني تأكدت من خلالها أيضاً من كثير مما كنت أعرفه عن فقر الدم المعرفي المزمن الذي ينخر الدرس الأكاديمي ورجاله، وضحكنا كثيرا على ذلك الأكاديمي الذي تعجب من اختيار أدونيس مادة للبحث في اللغة والأدب رغم أنه ليس سوى إله من آلهة الكفار اليونانيين!
لا أظن بأن أدونيس قد سمع عني أو قرأ لي شيئاً، فأنا كما أسلفت رجل محب للعزلة والظل والمقاعد الخلفية، لكنني كنت سعيداً لأنني كنت يوماً منافساً له في عنوان بحث أكاديمي غني ورصين كالذي اجتهد فيه صديقي. وحسبي من الغنيمة بالإياب!
تحية للشاعر الكبير وتحية لصديقي وسلام على حال جامعاتنا الراقدة في كهوفها!
عن حال الجامعات العراقية-أنا وأدونيس وصديقي هـ ز!
اترك تعليقا