عندما تمضي القافلة
جوتيار تمر
كوردستان / 2-9-2015
بمجرد قراءة العنوان سيتبادر الى ذهن الكثيرين افكار ومقاربات ومقارنات لاحدود لها، ولكن خلافاً للسائد فالمقولة هنا هي قد تكون في مضمونها مشابهة للكثير مما قد يفكر به القارئ، لكنها في الوقت نفسه تحتاج من المتابعين الى القراءة بوعي.. والابتعاد عن الحكم الظاهري المطلق، لان ما نكتبه لم يكن يوماً مبنياً على المطلق انما هو احتمالية الرأي وطرح الممكن من الرؤية التي نتبناها حول مسائل هي تمس صميم واقعنا العام.. وواقعنا الكوردستاني بصورة اخص، باعتبار اننا نعيش حالة من التيه بسبب الملابسات الاقليمية والدولية فيما يتعلق بالمصالح والقوى ومراكز القوى واهمية وجودها والافاق التي يمكنها ان تؤثر في تكوين معالمها سواء أكانت معالم جغرافية ام سياسية او اقتصادية ولربما في اوقات كثيرة طائفية عرقية قومية.
استنادا لهذه المكونات الهامة في تكوين اي رأي ننطلق لطرح فكرتنا حول ماهية القافلة التي تمضي، حيث لاتوجد في ضمنيات الواقع قافلة مضت ولم تجد امامها عوائق سواء أكانت عوائق مادية حسية ملموسة او معنوية او اي شكل من الاشكال التي تعد في مضمونها وظاهرها عوائق.. وهذا ما نريد ان نوصفه للمتابع هنا حيث ان قافلة الكورد تمضي ولكنها تجد عوائق داخلية متمثلة بالصراعات السياسية بين الاحزاب والتي في هيكلتها تظهر بشكل عائقي مؤقت لكونها ترتكز على مسائل يمكن حلها بالمنطق والتوافق والطرح الديمقراطي المقبول بين الاطراف المتصارعة، وفي الوقت نفسه هي لاتشكل خطراً على الموجبات التي تمضي القافلة لتحقيقها في المدى القريب والبعيد معاً.. ومع هذه المعوقات نلامس المعوقات الاقليمية والمتمثلة ببعض القوى بل ببعض الافراد الذين دائما يطلقون الاحكام من منطلق العنصرية والتعصب القومي الشوفيني المؤدي الى خراب المجتمعات بالذات في الاونة الاخيرة ولعل انموذجة العراق خير دليل على ذلك.. فتلك النعرات القومية انقلبت الى نعرات طائفية دينية مقرفة قسمت الفرد الى نصفين.. نصف ينتمي الى الوطن واخر ينتمي الى الطائفة ولايمكن الان في هذه المرحلة بالذات المزج بين الامرين فاما ان تعطي الاولوية للوطن او للطائفة لانهما في حالة العراق لايجتمعان ابداً.. لست هنا اطلق الاحكام من فراغ لكني اقول ذلك من حيث قراءة الواقع فالطائفي اي كان يرى بانه وحده حامي الوطن، وينظر الى غيره بانه ماحق مقيت غير وطني، وهكذا انقسم الافراد الى آلات بيد الايديولوجيات الدينية والعلمانية التي تصارع ذاتها والاخر من اجل فرض فرضيتها ونظريتها، وهي تتجاهل الاهم وهو الوطن بالنسبة لهم.. وهذا الامر اثر سلباً علينا نحن الكورد فدائما نجد بأن هناك من يطالب بان الكورد مارقون يريدون تقسيم العراق والى غير ذلك من المصطلحات.. والشعارات التي يتخذونها ولعل الاصوات التي تعالت في الاونة الاخيرة بصدد بيع الكورد للنفط لاسرائيل وتقديم احدهم شكوى للمحكمة ضد الكورد خير دليل على بقاء هذه النعرات التي تظل موجودة بنظرنا عشوائية فوضوية ماحقة غير مسؤولة انما هي غي جذورها بدائية تنتمي الى الحمية العصبية القديمة.. ومع ذلك لن تتأثر القافلة بها..لكونها ستمضي ولن تهتم لهولاء ليس لانهم لاشيء انما فقط لانهم لاينطقون بالحق الا لصالح طائفتهم وقوميتهم دون التفكير بالاخرين الذين لاينتمون اليهم ولن يكونوا بعد الان لعبة بين ايديهم.
هولاء اما مارقون يريدون الوصول الى غاية شخصية او غاية طائفية او قومية وكلها بالنسبة لنا نابعة من النعرات العصبية التي ينتمون اليها.. لأن الواقع يقول بالتأكيد غير ما يهذب اليه هولاء.. فالكورد قومية لها وجودها التاريخي المتجذر في الارض، ولديهم واقعهم وليس لهم اية عداوة مع اليهود ولن يكون لديهم لان في كوردستان قبل الحكومات الشوفينية القومية التعصبية اليهودي والمسيحي والمسلم وكل الطوائف والقوميات كانت تعيش بسلام وامان.. ولم تزل الكثير من القرى في كوردستان تحمل اسماءها اليهودية والمسيحية كدليل على وجودهم التاريخي المتأصل في المنطقة.. لذا التعامل مع اسرائيل من منطلق الكورد انما هو تعامل انساني تجاري اقتصادي بحت وغير مخفي انما ظاهر وعلني.. فعندما تعلن الحكومة المركزية افلاسها وانها لاتستطيع تقديم او الايفاء بوعودها للكورد وتقفل كل ابواب الحوار الممكن .. ومن ثم تقطع المصدر المالي الوحيد لهم.. اظن بأن الامر لايحتاج الى ذكاء من احد كي يتخذ الكورد موقفا يمكنه ان يحل او يخفف بعض مشاكله المالية والاقتصادية خاصة.. ولايهم مع من لان لامشكلة لنا الا مع الذين يتعمدون معاداتنا فيما يخص شراء النفط الكوردي.. بل ويعملون على ابعاد النفط الكوردي من الاسواق العالمية بادعاءات واقوال لاتنم الا عن خبث وغباء تلك الجهات.. ومع ذلك و بعكس البعض الذي يندد اعلاميا ويتخذ اعلاميا العشرات من المواقف العدائية مع اسرائيل وهو في الاصل ربما يحمل جواز اسرائيلي “لكونه جواز له قيمته على الصعيد العالمي” وليس كجواز بعض هولاء ودول هولاء التي عندما يدخل احدهم الى دولة خارجية يضعونهم في خانة الارهاب فيحققون معهم قبل السماح لهم بدخول تلك الدول..فضلا عن كونهم يتجارون ويتعاملون اقتصادياً معهم خلافاً لاعلامهم المندد لاسرائيل وافعال اسرائيل وسياسة اسرائيل…بل ان علم اسرائيل مرفوع فوق القنصليات في عواصمهم.. بالطبع نحن هنا لانحدد ولانعمم.. ولسنا بصدد المحاكمة.. محاكمة احد.. لانه كوجهة نظر يمكن التعايش مع اسرائيل بغض النظر عن السياسية العدائية الاعلامية ” فقط” التي يتخذها البعض تجاههم.
المهم في الامر انه هذه الاصوات التي تعالت بمحاكمة الكورد لانهم يبيعون النفط لاسرائيل اجدها تنصاع جبراً وقسراً الى تلك الاصوات التي تأتي حين تمضي القافلة وهي لاتقدم ولاتؤخر لكنها فقط تصدر ضجيجاً يدغدغ الاذان احياناً.. فالنفط الكوردي موجود في الاسواق ولااظن من حق احد منع الاخرين المشترين في الاسواق من شرائه..لانه ليس “كجواز النظام البائد مكتوب عليه يسمح بالسفر الى جميع البلدان ماعدا اسرائيل.”.. لذا نقول لهولاء اعتمدوا مبدأ الوطنية في ذواتكم وعالجوا مشاكلكم التي لانهاية لها.. ثم ابحثوا في مشكلات غيركم.. لان فاقد الشيء لايعطيه.. طالما لاتمتلك حلاً لمشاكلك الذاتية والنفسية والطائفية والمالية والاجتماعية، واخيرا الوطنية باعتبار ان الوطن هو اخر همكم.. فانكم بلاشك لن تقدموا سوى الدمار لغيركم.