عناصر الفرح في رواية
“زنزانة”
قتيبة مسلم
اعتقد أن الأدباء الأسرى تجاوزوا التركيز على الفكرة/المضمون وأخذوا يركزون على الشكل، وهذا يشير إلى أن هناك اسس أدبية أصبحت تعتمد من قبلهم، وخذت جمالية التقديم مكانتها في أعمالهم، فلم يعد الاهتمام بأدبهم لأنهم أسرى، من باب التعاطف، بل لأن هناك فنية أدبية حاضرة فيما يقدمون من أدب، وهذا يحسب لهم ولفلسطين وللعرب ولأحرار أينما وجودوا.
في رواية “زنزانة” نجد طريقة تقديم تتجاوز المألوف، فرغم قساوة العنوان، إن أن طريقة التقديم كانت ممتعة وسهلة وسلسة، حيث يفتتح السارد الرواية بهذا الشكل: ليلة مظلمة صامتة وعيون السجان تبحث من بين فتحات الأبواب الموصدة عن أنفاس الأسرى، تراقب حركتهم، وصمتهم، وتكتب الملاحظات عن جلساتهم” ص15، رغم قسوة المشهد إلا أن الصور الأدبية التي جاء بها خففت من تلك القسوة، بحيث يذهب المتلقي إلى جمالية الصورة (متجاهلا/ناسيا) القسوة التي جاءت فيه، وهذا ما جاعلنا نقول أن الأدباء الاسرى تجاوزوا المضمون/الفكرة إلى العناية بالشكل وطريقة التقديم.
الكتابة/الحلم
عناصر الفرح/التخفيف التي يلجأ إليها الأدباء تتمثل في المرأة، الطبيعة، الكتابة/التخيل، التمرد/الثورة، فهذه العناصر تمثل الوسيلة للخروج من الشدة/القسوة/الألم وتجعل إنتاج الكاتب يأخذ منحى ناعم وهادئ، وهذا ما فعله السارد في رواية “زنزانة” بحيث نجد عناصر الفرح مجتمعة في الرواية، فهناك تصريح بأن الكتابة إحدى وسائل التخفيف: “ما رأيك يا ولدي أن نهزم هذا الحصار والسجن والصمت، بأن نعيش الحلم ونكتب مخزون الذاكرة ونستل سيف التجربة لنبني رواية واقعية تساهم في البناء الأدبي” ص16، هذا القول لم يأتي صدفة، بل من خلال التجربة، من خلال الممارسة، لهذا تناول أهمية ودور الكتابة والحلم/التخيل كوسيلة ليتجاوز السجن والجدران ورقابة السجان، فالأديب الأسير لا يستسلم لواقعه، ويتمرد عليه، لهذا أوجد الكتابة/الحلم لتكون طريقة نحو الحرية: “…نحن نبحث وسط هذا الصمت والسجن عن حلم يحملنا إلى حدود الحرية” ص17، رغم هذا الطرح العالم عن الحلم/التخيل، إلا أن السارد يدخلنا إلى تفاصل الحلم: “تنام أميرة تضمد جراحه، تترك خصلات شعرها على صدرة، يراها تقبله، تداعب جسده المرهق من العصي، يخجل في حلمه، لكنه يعانقها في جميع مسافات جسدها” ص116، نلاحظ أن السارد يدخلنا إلى عنصر فرح جديد، المرأة والتي سيكون لها دور أكثر من الحلم/الكتابة.
المرأة
المرأة ليست جسد فقط، بل روح، عاطفة، حنان، من هنا نجدها تسيطر على السارد، فكانت الأكثر حضورا: “أميرة تجلس بجانبها كالشمس تشرق، ترتدي غستانا خمريا يتوهج عليها، يأكلها، وكم تمنيت أن أكون أنا فستانها، وحجابها وعيونها” ص23، اللافت في هذا التقديم التشبيك بين عناصر الفرح، فهو يجمع المرأة بالطبيعة، وقد اعطاها صفات الشمس: “تشرق، يتوهج” وهذه اشارة إلى الحيز الذي تحتله المرأة عند السارد، وإلى رغبته/حاجته الى الشمس، الشروق.
يأخذنا السارد إلى تفاصيل أكثر عن امرأته: “تنام أميرة تضمد جراحه، تترك خصلات شعرها على صدره، يراها تقبله، تداعب جسده المرهق من العصي” 116، فنجد المرأة هي المداوي/البلسم الذي يحتاجه السارد.
وهو لا يكتفي بالحديث الخارجي عن المرأة، بل يسمعنا صوتها ويجعلها تتكلم بلغتها، بصوتها: “والله يا أوس أن أيامي جفاف، أريد مطرك يعيد لي الخصب” ص143، الجميل في هذا القول أنه يتناول حاجة المرأة الجسدية لكنه لم يأتي بصورة فجة، مباشرة، وهذا ما يخدم فكرة جمالية الشكل الأدبي التي يبديها الأدباء الأسرى في أعمالهم.
وتأكيدا على أن هناك تمايز بين لغة السارد/الرجل ولغة المرأة نأخذ هذا القول: “ـ أنا شمسك غيمة أرضك، سحابة عشقك” ص159، إذا ما توقفنا عند القولين سنجد أن هناك تقارب في اللغة بينهما، فبدو وكأنهما عشتار وتموز يتسامران بكلام العشق والحب، فتركيزهما على الطبيعية يأخذنا إلى المعتقد السوري/الفلسطيني القديم الذي جعل الخصب البشري مقرون بخصب الطبيعة.
الطبيعة
قلنا أن السارد يشبك/يجمع عناصر الفرح في الرواية، والاقتباس السابق يؤكد على التشبيك، فعندما ربط المرأة بالطبيعة أراد به أن يؤكد ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى انحيازه للحرية، أليست الطبيعة ومشاهدتها دليل على الحرية والخروج من خلف الجدران؟: “إنها حكاية عشق بين قلبين هائمين، وروحين أحبا بعضهما …فكانت ولادتهما ندى ومطرا ووردا ونورا” ص18، فالحديث عن الشمس، النور، المطر، الغيم، الندى، كلها اشارات إلى ما يحمله العقل الباطن، الذي يريد أن يتمتع بالشمس والغيم والمطر والنور، وهذا أفضل رد على قسوة ال”زنزانة”.
فبدا السارد من خلال تناوله لمرأة، الكتابة، الحلم، الطبيعة، متمردا على السجن/ال”زنزانة” وبهذا يكون قد حقق/انجز العنصر الرابع للفرح التمرد/الثورة.
هناك بعض الأخطاء في الطباعة حيث جاءت الكلمات متشابكة مع بعضها كما هو الحال في الصفحة 38 “فقطقتلت” فقط قتلت، والصفحة 44 “الزوجنزواته” الزوج نزواته، والصفحة 76 ” مسؤولونأسرى” مسؤولون أسرى، والصفحة 77″علىالوحدة” على الوحدة، والصفحة 116 “فيحلمه” في حلمة.
الرواية من منشورات الاتحاد العالم للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين، طبعة 2021.
عناصر الفرح في رواية -زنزانة- قتيبة مسلم
اترك تعليقا