عمت صباحاً أيتها الحرب: عناوين غير مسكونة بتجريفات الكارثة.
………………………………………………………..
عندما شرعت بقراءة رواية (عمت صباحا ايتها الحرب) للكاتبة السورية مها حسن، لم أحس بنفسي، صرت اقرأ وامضي بين سطورها، كأنها تقرأني وتلتهمني كاوراق عطشى للكلمات..
محاولة لتفسير الإنتماء، او بالأحرى الكلفة النفسية للخراب، ضياع البيت الاول، ضياع الام، هو الحطام الأسود للحرب الذي يرسب في الأعماق بحيث يبقي الإنسان عالقاً بقية حياته في حبال مجهولة، حالة من التوق للحطام تغدو المعادل الأقسى لإستحالة تحديد كنه الحرب بداخلنا، إنها المعركة الأطول لإنسانها الناجي كنكرة في سجلات الشتات.
لغة جميلة ورشيقة، وسحر السرد يتجلّى بإندياحه بداخلنا كإستفاقات تُعلن للتو، لم نعد مع مها حسن بحاجة للتلصص من ثقب الباب المغلق لنختزل هشاشتنا برمق سماتنا خلسة، لقد فُتح الباب على مصراعيه، وبات علينا ان نعانق سماتنا بحميمية إستثنائية، عاطفة لا يشبهها سوى زئير رهطاً من الهنود الحمر في ساحة مكسيكو سيتي، الحنين الجيّاش لبيت مفقود يغدو كملحمة هدر الانسان لطاقته نكاية بتعذر ملامسة المرارة الأنكى التي ترسبت في اعماقه كندوب ثكلى من طيّات معركة في حرب مستحيلة.
السرد جاء مظهرياً على شاكلة الهلع الإنساني، كأن الرواية هي الأخرى غدت إضطراراً عابراً لتدوين القسوة في لحظة ما، لكنها مضت في إستصاغة إتكاء الإنسان على اوجاعه بالحديث عن أوجاع هينة أقل وقعاً، وتحولت الكتابة لما يشبه المزاولة اللذيذة للحياة الطارئة، شجون إسترجاع دفء اسرة وأناس شتى يتحول لعناوين غير مسكونة ولو بشيء ضئيل من تجريفات الكارثة، وباتت الحكاية واحدة من وشائج الإستهجان لدى شخوص بات عليهم الإحتفاء أكثر بالحرية.
وغدا البناء السردي ميلاً فطرياً وغير مباشر لمجابهة العراء بكتابة لا شكل لها، وشيئاً فشيئاً أستحال الهلع الإنساني لجماليات فيض مسترسل، حتى سري فينا كدفء غامض وعميق للضياع، ليتحول الإحتفاء لممارسة وطيدة لحب فضفاض غامض، توق ما سرى في الأغصان الذابلة، أشبه بإمتصاص اوجاع اللامكان واللإنتماء رويداً وفق إستنهاض أشواقاً كامنة.
وبدت حكاية الضياع كشجرة وارفة ظليلة على شفا المنحدر السحيق، وباتت تفاصيل القسوة إغراء لهدنة محضة مع الذات والتصالح الصادق معها.