عصمت الدوسكي يتخطى الحدود المألوفة
في القصيدة العربية الحرة
* يغذي منتجاته بروافد جديدة عاكسا صورة المجتمع
هندة العكرمي – تونس
كانت القصيدة العربية عامة غير قادرة على فك الطوق عن أطر القصيدة القديمة وبنائها الفني خاصة خلال فترة الجاهلية حيث كانت القصيدة تتأثر بجنوح تيار التقليد فتأتي القصائد متشابهة إلا أن هذا شهد تغيرات مع مرور الزمن وبالتحديد منذ فترة العباسية بفضل الأمم الأجنبية من رومانية وفارسية وكان لها وقعا في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية والعقائدية .
وبما أننا لا نستطيع أن نقف على واقع الشعر في عصرنا الحاضر فإننا سنحاول فهم اتجاهاته من خلال منهج الشاعر عصمت شاهين دوسكي في قصائده والوقوف على حقيقة هامة وأساسية في الفترة الراهنة وهي أن الناس تعيش في ظل ثورة حقيقية ، ثورة سياسية ترتب عليها انتقال كبير على المستوى السياسي وعلى الصعيد الاجتماعي وكانت سببا في قلب القيم وتغير المفاهيم . الأمر الذي أثر في مسار الحياة الأدبية وطعمها بطعوم جديدة ومن خلالها تجلت مظاهر تخطي الشاعر الشاهيني الحدود المألوفة للقصيدة التقليدية .
فنجده يغذي منتجاته بروافد جديدة عاكسا صورة المجتمع الجديد بكل تناقضاته وخلافاته فمنح لنفسه حرية واسعة وصلت أحيانا كثيرة إلى حد التمرد لا على تعاليم الدين وقيم المجتمع فحسب وإنما على تعاليم القصيدة ومنهجها أيضا وإن كانت دلالة هذا التمرد كامنة في طاقة التغير التي يمارسها مقارنة إلى ما قبله وقد يكون إلى ما بعده فإن المعيار الصحيح لتقيم قصائد الدوسكي يصبح كامنا في الإبداع والتجاوز وعلى حد قول أدونيس ” أي في طاقة الخروج على الماضي من جهة وطاقة احتضان المستقبل من جهة أخرى ” وفي ضوء هذا يمكننا الجزم بأن عصمت شاهين دوسكي قد أبدع في فن التخطي والتجاوز وأن نلمس بداياته الجريئة والجادة في جل قصائده التي تتميز بالنزعة الذاتية وعلو صوته الفردي متخذا أبياته وسيلة لإيصال هواجسه وآلامه وطموحاته إلى العالم الخارجي فكان تارة يعبر عن الشك بما هو واقع وتارة أخرى عن المجون والحب والخروج عن الأعراف المعتادة وحينا آخر يعبر عن القلق مما هو آت في نظرة استشرافبة للمستقبل .وهذا ما جعلنا نكتشف في جل قصائده نبرته إلى العالم بما هو فضاء رحب متسع ومتنوع الأحداث يتحد معه ويلتحم فيه فينتج هذا الالتحام نوعا من الحرية والانطلاقة في التعبير وصيحة التمرد في زمن يقمع فيه كل جديد ولهذا كله يمكننا أن نعتبر الدوسكي من أبرز الشعراء الذين أعلنوا عن وقفة جديدة وقيم جديدة وأخلاق خلاقة . وهكذا تمكن الدوسكي من الخروج بالقصيدة خروجا عاما على ما استبغت به طوال الفترات السابقة من موضوعية أبعدت الشاعر عن نفسه وهمومه ليتجاوب مع التخطي الذي أنجزه ويتجاوب مع الحياة الجديدة كما يراها ويعبر بالتالي عن تجاربه الشخصية لنستطيع أن نتلمس فيه مشاعره الذاتية ونحس فيه خوالج نفسه وعواطفه وهذا طبعا ضربا من الحرية التي أشرنا إليها في هذا التخطي للحدود المألوفة اللازمة بالفعل في هذا الزمن ، لتقوى حريته وتصبح شكلا من الصراحة التي وظفها الشاعر في الإباحية الموجودة في بعض قصائد سواء أرضى ذلك الناس أم لم يرضيهم . وفي آخر هذا الرأي نستطيع القول أن الشاعر عصمت شاهين الدوسكي قد انطلق إلى عوالم رحبة وعبر عن تطلعاته وأهوائه ولعب دور الداعية والمصلحة بحرية كبيرة كثيرا ما تخطى بها حدود المألوفة والأطر العامة في الشعر الحر .