سركيس نعوم
اليوم يصل رئيس وزراء العراق نوري المالكي الى واشنطن حيث سيجري محادثات شاملة مع الرئيس الاميركي باراك اوباما ومسؤولين كبار في ادارته. وترتدي هذه الزيارة اهمية كبيرة لأنها تتم في ظروف بالغة الدقة والصعوبة والخطورة اقليمياً ودولياً وعراقياً. فالانسحاب العسكري الاميركي من العراق سيصبح حقيقة ثابتة في نهاية الشهر الجاري. وعلى العراق ان يحدد مستقبل علاقته بالولايات المتحدة، وهل تكون استراتيجية مبنية على قيام الاخيرة بالمساعدة لإعادة بناء العراق دولة وادارة ومؤسسات مدنية وعسكرية واقتصاداً ومجتمعاً، أم تكون علاقة عادية، ام ربما علاقة حذرة ومتحفظة جراء التوتر منذ اواخر السبعينات بين اميركا والجمهورية الاسلامية الايرانية ذات النفوذ والتأثير الكبيرين في العراق او لدى غالبيته الشعبية؟ ولا بد في هذا المجال ان تأخذ الأوضاع السورية، جراء المواجهة الشرسة بين نظام الاسد وغالبية شعبه، حيزاً من محادثات المالكي في واشنطن، ذلك انها تقف وغالبية المجتمعين العربي والدولي مع الثورة وتقدم اليها الدعم. في حين ان موقف طهران مؤيد للنظام وداعم له. وقد اربك ذلك حكومة العراق القريبة جداً من ايران، لأن مساعدتها سوريا ستكون قيّمة وستعتبرها اميركا موجهة ضدها، ولأن الإحجام عن المساعدة سيغضب ايران التي تمتلك في اعتقاد الكثيرين القدرة على معاقبة من يخالفها الرأي من حلفائها العراقيين. طبعاً لن نسترسل في هذا النوع من التحليل في انتظار انتهاء المحادثات الاميركية للمالكي. وسنكتفي بالحديث عن الوضع العراقي بكل مشكلاته كما تراه اميركا، وذلك استناداً الى متابع مزمن ومن واشنطن لسياساتها في بلاد العرب والمسلمين. يقول هذا المتابع ان ادارة اوباما تشعر بالخيبة لاستجابة المالكي لضغط ايران والاحزاب العراقية الموالية لها في الموضوع السوري. لكنها لم تبلغ على الاقل حتى الآن حد الشعور بالغضب الشديد لأنها ترى ان هناك حدوداً لقدرة ايران على ممارسة ضغط اكبر من الذي مارسته حتى الآن على العراق. واسباب ذلك كثيرة، منها ان حوزة النجف وهي واحدة من اهم مدينتين عند الشيعة في العالم، بمرجعياتها الخمس تعارض نظاماً عراقياً يماثل نظام ايران وخصوصاً في موضوع ولاية الفقيه. ومنها ثانياً، تمسُّك القبائل في جنوب العراق وغالبية شيعته عموماً باستقلالهم. وهم لا يحبون الايرانيين وخصوصاً بعد محاولاتهم احتواء هذه القبائل وقادتها. ومنها ثالثاً، وجود علاقة عمل جيدة بين اميركا وجيش العراق وسائر المؤسسات والاجهزة الأمنية فيه، والاتفاق على استمرار الاميركيين في تدريبها. وهذه القوات لا تريد بدورها ان ترى ايران مسيطرة عليها. فهي عراقية اولاً وشيعية ثانياً ووطنية كثيراً. ومنها رابعاً، وجود علاقة جيدة بين اميركا وسنّة العراق ومع اكراد شماله. ومنها خامساً، واخيراً امتلاك اميركا وجوداً عسكرياً اي قوة عسكرية متنوعة كبيرة وفاعلة برية وبحرية وجوية في المنطقة. وهي تستطيع ردع ايران عند الحاجة وحماية حلفاء اميركا في منطقة الخليج. واذا كانت ايران تفكر في السيطرة الكاملة على العراق وتالياً في تحويله دولة – جرماً تدور في فلكها، فإن في وسع الاميركيين جعل حياتها ومواطنيها بالغة الصعوبة سواء داخلها او في المنطقة. هذه الاسباب المذكورة لعدم الهلع الاميركي من العراق بعد انسحابها منه عسكرياً تواكبها مجموعة عوامل تعتقد واشنطن انها تزعج ايران وربما تشوّش عليها وعلى حركتها. منها ان الشعب الايراني والشعب العراقي لا يتكلمان لغة واحدة. ولا يكفي انتماؤهما الى ديانة واحدة هي الاسلام بل الى مذهب واحد هو الشيعة الاثني عشرية لإزالة كل حساسية بينهما وكل اختلاف وكل تناقض وخصوصاً في الانتماء الوطني لكل منهما. ومنها ايضاً غياب تاريخ واحد او على الأقل مشترك بين ايران والعراق. ومنها ثالثاً، اختلاف ايران والعراق على مسائل دينية، ومعرفة ايران انها لا تستطيع السيطرة التامة على اقدس مدينتين عراقيتين شيعيتين في العالم هما النجف وكربلاء. في النهاية، الموضوع كله عند رئيس وزراء العراق نوري المالكي، فهل يستطيع تجاوز ايران شقيقته في المذهب او العرب اشقاءه في القومية والدين او سوريا التي لم يكن على وفاق تامٍ معها؟ وهل يستطيع تجاوز اميركا محررة العراق من الراحل صدام حسين وحكم الاقلية، والمؤثرة في غالبية الدول العربية بل دول العالم كله؟ وهل التحليل الاميركي متفائل اكثر من اللازم؟
عن النهار اللبنانية
الصورة للمالكي عندما كان بائعا في شوارع دمشق