باقر صاحب
ليس من المبالغة القول إن المبدع الراحل عبد الستار ناصر، يعتبر أحد أبرع كتاب القصة والرواية في العراق والعالم العربي، جمع في مؤلفاته التي تربو على الخمسين كتاباً، بين الغزارة الكمية والفرادة النوعية. بصماته الخاصة في الكتابة السردية، تجعلك توقن أنه صانع ماهر.
عبد الستار ناصر، مرت ذكرى رحيله الخامسة في 3 آب الجاري، من دون أن يعلم بها أحد، سوى أرملته القاصة والروائية المبدعة هدية حسين، التي نشرت في موقع (الناقد العراقي) قبل أيام، مقالة عنه، متألمة فيها بأن لا أحد من أصدقائه يتذكره.
للراحل أسلوبيته الخاصة الممتعة والجريئة في آن، بمتاهاته السحرية، وأفكاره القصصية الغريبة، فبات علامة بارزة في النتاج السردي لجيل الستينيات.
ورغم كل ما أنجزه الراحل، يعترف بمرارة، أنه لم يضارع قامات كتاب عالميين في القصة والرواية، بل يصم نفسه بالفشل فيقول:” أنا كاتب فاشل، تجاوز عمري الخمسين ولم أحقق نصف ما حققه غابرييل غارسيا ماركيز أو جان بول سارتر، وحين أقرأ فرانز كافكا أو استيفان زفايج أو إيزابيل الليندي”.
هذه خصلة رائعة، حين يعترف كاتب مثله، بأنه لم يقدم شيئاً بالرغم من كل ما قدم، ربما تفتح بابين، إحداهما الإحباط، ومن ثم اعتزال الكتابة، أو باب التجاوز والاستمرار في الكتابة، لتقديم ما هو أفضل، والأمر كله يدخل في سياق المراجعة الذاتية لكل ما كتب ونشر، ومن ثم مقارنته بالمنجز المحلي والعربي والعالمي، لمعرفة أين موطئ قدمه من كل
ذلك؟.
اعترافات الراحل لم تقتصر على غزارة ما كتب في فترة زمنية محدودة، بحسب ما يذكر القاص سعد هادي في مقالة عنه، فيقول بأنه كان يتمنى:” لو يعود به الزمن إلى الوراء ليحذف بعض الكتب من تاريخه، تحديداً كل ما كتبه من قصص عن حرب الخليج الأولى، ومنها مجموعته “قصص بثياب المعركة” ورواية “الشمس عراقية”.
وهو مما يحسب له لا عليه. ومن ثم أن هناك واقعة مشهورة تحسب له أيضاً، رمي الراحل في سجون النظام البعثي عاماً كاملاً، على إثر نشره قصة” سيدنا الخليفة”.
اعترافاته بعدم تجاوزه لكبار الكتاب، يعني أن الراحل كان له هاجس كبير في الوصول إلى العالمية، مدركاً أن ذلك يتحقق بتكريس المبدع، كل حياته لأدبه، لذلك ترك وراء ظهره ما كان يستطيع أن يفعله بأن يكون ثرياً، وأن يشغل منصباً رفيعاً، وجميع الامتيازات من تلك التي من الممكن أن تتحقق في ظل التجربة السياسية البعثية في العراق، فغادره إلى المنفى ليموت هناك، متوجعاً من ترك بغداد وكل شيء جميل فيها، الذي سيبقى جميلاً، رغم كل عوامل الاندثار والإهمال التي تعانيها.