سداد جواد التميمي
لمحة تاريخية
هناك أعوام في تاريخ البشرية يجري فيها من الاحداث اشبه بما حدث في اسطورة الطوفان و سفينة نوح. هذه الاحداث لا علاقة لها بألاعيب الطبيعة و مفاجآتها و انما هي أحداث تتعلق بالإنسان او بعبارة ادق بإنجازات الكائن البشري. أحد هذه الاعوام في تاريخ البشر كان عام ١٧٧٦ من التقويم الحديث. في ذلك العام حدث في امريكا عصيان ضد النظام الضريبي تحول بعدها الى ثورة جماهيرية. أما في بريطانيا فنشر الكاتب الاسكتلندي آدم سميث كتابه الشهير ثروات الامم و الذي وضع فيه مبادئ الاقتصاد السياسي الذي لا تزال تعمل به معظم دول العالم. كانت هناك ثورة ثقافية حين نشر المؤرخ كابون
كتابه في عن تدهور و سقوط الامبراطورية الرومانية موضحاً للناس كيف يجب ان تحمي الامم نفسها و تتعلم من أخطاء الماضي. أما الثورة الكبرى و هي العلمية فقد كانت بفضل انجاز ذلك الرجل الذي لا يجهل اسمه أي انسان لديه المام بالكهرباء و هو السيد جيمس وات حين تمكن من حل لغز تحويل طاقة الفحم الى قوة بخارية و تسلم انجازه ماثيو بولتون الشهير بقوله: في حوزتي ما يريده العالم اجمع … القوة. ما كان يعنيه الطاقة.
كان ذلك نقطة تحول التطور الاجتماعي في تاريخ العالم الغربي و بدا يهيمن على الكرة الارضية باسرها. السؤال هو هل عام ٢٠١١ في العالم العربي هو عام بداية التطور الاجتماعي للأقطار العربية ام مجرد ربيع و فصل من عدة فصول أخرى؟.
الفراق
تميز عام٢٠١١ بحدوث عملية فراق بعض الشعوب العربية من الاباء الذين تبنوها بالقوة يمكن وصف كل منهم بعبارتين لا أكثر: قاهر و طاغية. أن القهر و الطغيان ظاهرة نفسية تراها في العوائل التي تعاني من اضطراب في نظام الاتصال بين اعضائها و في تركيبتها البشرية. على عكس ما يتصور الكثير فان القهر و الطغيان هي صفات قد تكون من صفات احد الابناء في داخل النظام العائلي او من صفات الاب او الام. متى ما حدث ذلك تكون النتيجة تمرد الابناء او الاباء عبر عملية فراق قد تكون قاسية و مدمرة، و لكنها أحياناً السبيل الوحيد لارتباط صحي بإنسان آخر و الحصول على الحرية في الفكر و
العمل. لكن هناك نتائج أخرى و هي:
١ فشل الفراق في العثور على شريك منتهياً بعزلة أشد قسوة من ماضيه.
٢ الحصول على الحرية قبل استيعاب مفهوم المسؤولية التي لا بد منها مصاحبة الاولى.
ان النجاح او الفشل في مواجهة النزاعات الوجودية أعلاه قد يؤدي الى فشل العثور على معنى للوجود الانساني و بالتالي لا يتبقى غير هدف واحد لا بد من التوجه نحوه و هو نهاية هذا الوجود.
تطرقت في مقال سابق حول النزاعات الوجودية عند الحديث عن عام الفراق للعراق حيث تم رحيل الاب المتبني الامريكي. اما العالم العربي فهو اليوم يمر بعمليات فراق الطغاة و التي اثبتت بان الربيع العربي لا يمكن ان يستمر ربيعاً الى الابد.
الربيع العربي:
فارقت تونس و مصر و ليبيا طغاتها. آما اليمن و سوريا فهي تخوض حروب أهلية. لا أحد يعلم متى سيتنحى صالح عن العرش اليمني فهو رجل أشتهر بالمراوغة. آما سوريا فلا أحد يعلم كذلك ان كان وفدها لأولمبياد لندن سيحمل صورة الاسد او صورة غليون. رغم الكلام هذا فان عملية الفراق في اليمن و ليبيا شديدة الالم و لا يمكن التخمين بان عملية التبني ستسلم المسؤولية لاب اسلامي، و كل ذلك يتوقف على مصير عملية الفراق المصرية التي لا تزال جارية . رغم ضعف موقع مصر عربياً و لكنها بدون منازع البلد الذي يستقطب العرب من المحيط الى الخليج لأسباب تاريخية و ثقافية و علمية، و نتيجة ما يجري
فيها سيقلب موازين الامور في كل مكان.
الاسلاميون من الاخوان و السلفيين لم يكن لها شأن بقيام الانتفاضة الشعبية الربيعية في مصر التي كانت من صنع طبقة ثقافية تنادي بالليبرالية و الديمقراطية. لكننا اليوم نرى الجماعات الاسلامية تتصدر نتائج الانتخابات لعدة اسباب:
١ هناك علاقة غزل تاريخية بين الاخوان و المجلس العسكري منذ عام ١٩٥٢ تطرقت لها في مقال سابق قبل سنتين. هذه العلاقة هي علاقة حب و كراهية و مثل هذا الارتباط المرضي يتميز بقوته و استحالة حصول فراق ينتهي بطلاق الطرفين.
٢ آن القاعدة الشعبية للتيار الاسلامي في مصر قوية لأسباب اقتصادية بحتة حيث اصبحت الطبقات المعدمة فريسة سهلة للتيار الديني.
٣ ان تيار الاخوان له خبرة سياسية و تنظيمية طويلة على عكس التيار الليبرالي الحديث.
توقع الكثير من الخبراء فوز التيار الليبرالي، و لكنهم فشلوا في تقديراتهم السياسية بسبب الاخطاء الرياضية. كانت التظاهرات في ساجة التحرير رائعة و لكنها لم تتجاوز ال ٣٠٠٠٠٠ في تعداد من أشترك فيها على حسب تقدير مجموعة STRATFOR. على ضوء ذلك يمكن الاستنتاج بان ما عرضته وسائل الاعلام لم يمثل حقيقة اتجاه الطبقات المعدومة في مصر سياسياً و الذي على ما يبدوا اسلامياً و ربما اسلامياً عسكرياً. بالطبع لا فرق في العقيدة بين اهل السلف و الاخوان الا بسرعة فرض و تطبيق الشريعة الاسلامية.
لا أحد يعلم ان كانت زعامة العالم العربي ستفارق مصر باتجاه قطر، ونتيجة هذا الفراق سلبية فقطر للعالم العربي كلوكسمبورغ لاوربا. ان الثراء القطري يفتقر الى الثراء الحضاري الثقافي المصري و غير مؤهل لقيادة التطور الاجتماعي للعالم العربي.
فارق السودان جنوبه و فارق العالم العربي القومية العربية، و طلق القضية الفلسطينية بالثلاثة. الكل ينتظر حرب شرق أوسطية باردة جديدة، و لكن هذا الامر شديد الارتباط بنجاح الاسلاميين في تبوأ مراكز السلطة في مصر و تونس و ليبيا و ربما المغرب و سوريا. ربما سيكوم ارتباط امن و ذو استمرارية افضل من الطغاة، و لكنه ارتباط قد يحمل في رحمه طغاة من نوع جديد يحملون عقائد دينية لا تقبل النقاش و تبتر الفرصة لتطور اجتماعي طال انتظاره.
ألعالم و الفراق
لا تقتصر ظاهرة الفراق في العام ٢٠١١ على العالم العربي. تركيا بدأت بفراق القارة الاوربية بعد ان رفض الاتحاد الاوربي تبنيها لأسباب عرقية نادت بها فرنسا و المانيا و اليونان. أما الاخيرة فقد أثبتت بانها اسوأ ما تبناه اليورو، و بدأت تفارق العملة الموحدة. في هذا العام يمر الاتحاد الاوربي بأشد ازمة مالية أثبتت بان مشروع الوحدة الاقتصادية عبر عملة موحدة فاشل بكل معنى الكلمة و الجميع ينتظر سقوط العملة الموحدة عاجلاً ام آجلاً. أما المملكة المتحدة فهي بدأت بفراق القارة الاوربية تدريجياً، و هي عملية فراق قد تكون قاسية على سكانها. كذلك و دعت كوريا الشمالية
طاغية و جلس على العرش طاغية اجرى من عمليات التجميل ما يكفي حتى أصبح شبيه جده كم آل سونغ.
أما أيران فقد فارقت العالم العربي و الاسلامي و هي في عزلة قاسية. لا احد يعلم ان كان أوباما سيستجيب لنصيحة مستشاريه و يوجه ضربة عسكرية تساعده بالفوز في انتخابات السادس من تشرين الثاني المقبل. هناك ايضاً من يخمن بان ايران ستلعب اللعبة ذاتها أيام كارتر و تتهور بالتدخل بشؤون العراق.
أما الولايات المتحدة فهي بانتظار انتخابات رئاسية و بدأت بعملية فراق أفغانستان على امل انهاء هذا الفراق بعد ثلاثة أعوام. أما على الصعيد الاقتصادي فهي في طريقها الى فراق دورها كأعظم قوة اقتصادية و بدأت تسلم مقعد قيادة اقتصاد العالم باسره الى شرق الكرة الارضية متمثلاً بالصين.
تصدر الغرب التطور العالمي للأرض منذ الاف السنين و بدأت الكتلة الغربية تتجه غرباُ حتى استقرت على الشواطئ الغربية للمحيط الاطلسي في القرن العشرين. هل يا ترى ستتغير الامور مستقبلاً ؟ العام 2012 ربما سيكون فيه الجواب.
سداد جواد التميمي
ملاحظات :
١ راجع كتاب آين مورس ٢٠١٠ لماذا يتزعم الغرب.
٢ مقالة للكاتب أيمن حواد التميمي في American Spectator عن أخطاء التيار الليبرالي في مصر ديسمبر ٢٠١١.