عبير حميد
خاص بمعارج الفكر / ملف الادب النسوي
كم واحدٌ منا داعبتهُ مشاعر الحب والعشق والهوى والغرام وهو في مرحلة الصبا و مطلع الشباب… أظن أن غالبيتنا مَر َّ وعاش َ.. وانسرقت احلى سنين عمره ِ وهو يتأمل ويبحث بدأب عن قصص الحب والعشق والغرام( الواقعية) متأملا ً تطبيقها كما قرأها في روايات الحب.. وقصص العشاق المخضرمين الذين ملئت سيرة حبهم الآفاق والأصقاع واستمرت وعَبرت مراحل التأريخ حتى توارثتها الأجيال.. فهل تُراهُ أفلح! وصلتنا قصص الحُب العُذري بين (عبلة وعنتر) ، و(قيس وليلى) و(جميل بثينة) و(روميو وجولييت) ،و(السندريلا الفقيرة والأمير) و(آنا كارنينا) … تناثرت قصص الحب هذه علينا من أطراف الكرة الأرضية شرقاً وغربا.. ومن كل الجهات الأخرى وأن لم نعرف بعضها أو لم يؤثر فينا إلا قصص هؤلاء العشاق الخالدين الذين دفعوا ثمن الحب غاليا وقدموا تضحيات عظيمة ليثبتوا لأنفسهم وللعالم كله أنهم راهنوا على قلوبهم ومشاعرهم وتحدوا الجميع وربحوا وما خسروا شيء.
غير أن قصص الحب والعشق مختلفة في أيامنا هذه عما عاشهُ هؤلاء العشاق الموغلين في قِدَم التأريخ الإنساني الجميل ومجاهيله ُ، قصصنا التي عشناها تختلف عن كل ماقرأناه وسبحنا في غورهِ تائهين عقودا ً وصدقناه، كل روايات الحب والخيبة والخسران والهجران أثرت فينا وتركت في نفوسنا الغضة آثارا مخفية لم يستطع الزمن الجميل ولا حتى الذكريات الحلوة اللطيفة والتجارب شبه الناجحة أن تنسينا إياه صرنا نرى الحب عقاباً إنسانيا، لا نملك رفاهية تقبله ِ وسبر غمار بحوره الواسعة والصبر ُ على اهواله ِحتى نصل إلى شاطئ الأمان والاطمئنان، نرفض أن نعيش وهمّ الحب وتجاربه الجميلة الفاتنة وأجواءه الرومانسية الحالمة ونخاف منها ونهرب.
نلوذ بالواقع وقصص الواقع المرة رغم ألمها وكآبتها وزهقها وروتينها الممل القاتل.. نسلم لها أرواحنا وقلوبنا مسلوبي الإرادة ونرضى أن يلوك الزمن وسنينه ِ المتسارعة بجنون زهرة شبابنا وأجمل سنوات عمرنا وزهوة ِ أرواحنا.
نسينا تلك الأحاسيس الجميلة العذبة وهي تتوغل في أبسط تفاصيل حياتنا ودون أن نشعر، سلمنا نبضات قلوبنا الخضراء لأنبل وأوسم فارس امتطى جواده ِ الأبيض وها هو يعرض علينا رحلة رومانسية في مجاهل الحياة وغابات العشق.. وشلالات الحنان.. ثم وعينا فجأة وكل الأبواب توصد من أمامنا ومن الخلف منا، أفيقوا فزمن الحب والعشق انتهى وراح عن عالمنا بعيداً. أفيقوا فالحروب والنكبات والمحن حصدت أرواحنا واعمارنا واستنكرت.. العشاق والمحبين ولفظتهم وضحكت من سذاجتهم.. صار المحبين العشاق اليوم في غربة، وينظر لهم الناس كغريبي الأطوار وفاقدي الهوية لأن قصص حبهم وعشقهم وروايات الغرام لاتساوي آهة وجع ٍ من طفل أو أم ٍ أو رجل مسن وهم يقاسون آلام الحرب والفقد والحرمان والخسران وجدران بيت ٍ حقيقي تأويهم.. صرنا نخجل من قصص الحب البريئة التي عشناها ونعيشها دون أن يوخز ضميرنا ويوجع قلوبنا وجودهم بين ظهرانينا يؤرقون عشاق العالم ويتحدون تضحياتهم في سبيل الحب والهوى.. بينما يضحون هم بما هو أقل قيمة وقدرا من الحب ولغاية أسمى منه وهي الحياة والعيش الكريم وحضن الأمن و الأمان وطعم لُقمةِ الخبز .
عقود طويلة مرت علينا ونحن نَجتُّر الحروبَ والهزائمِ والانكسارت نسينا ونحن نكافحُ فيها كيف كان طعمُ العشق.. وكيف كانت حالاتُ الهُيام.. وكيف يكون حال ُ المحبين واحوالهم، وما هي أخباره