ينقل الباحث رامي الهامس عن الكاتبة السورية مية الرحبي، أنه ليس من قبيل المصادفة أن الحركة النسوية السورية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر خلال فترة النهضة العربية وهي فترة من النهضة الثقافية التي بدأت في مصر وسرعان ما انتشرت في لبنان وسورية وغيرها من البلدان العربية. وفي الوقت الذي كان تسليط الضوء يتم عادة لأشخاص مثل الباحث المصري رفاعة الطهطاوي أو الباحث اللبناني بطرس البستاني، تؤكد الرحبي على دور المرأة في ريادة الحركة النسوية السورية. فذكرت نسوة مثل مريانا مراش التي كانت تكتب في الصحف في عام 1870، وتدعو إلى تحرير النساء(وربما كانت أول امرأة عربية تفعل ذلك). ولدت في حلب وتوفيت في حلب، حيث عاشت لفترة طويلة (1848 – 1919) لرؤية مدينتها تمر من أيدي العثمانيين إلى أيدي الفرنسيين. وقد تكون مراش أول أمراة تكتب في الصحف العربية. وأشارت الرحبي أيضا إلى ماري عجمي وعادلة بيهم الجزائري كأمثلة على ريادة المرأة السورية..
ترافق عصر التنوير العربي – أو اخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين – مع إنطلاقة الأصوات التي نادت بتحرير المرأة من العادات والتقاليد المتخلفة التي كانت تعيق نهوض الأمة، فالمرأة شريكة الرجل في تطور المجتمع ونهوضة، لذلك تعالت الأصوات منادية بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وبتعليم المرأة وحقها في العمل، وشاركت المرأة العربية في كافة الأنشطة العامة كالكتابة الأدبية وافتتحن الصالونات الأدبية الفكرية والسياسية مما فتح الباب واسعا أمام مشاركة المرأة العربية في الشأن العام ومن ثم في النضال الوطني ضد الاحتلالات الأجنبية للبلدان العربية.. فرنسا في الجزائر وسورية و.. بريطانيا في مصر و.. وكان من ضمن الناشطات النسويات اللواتي عملن لهذه القضية المحورية في نهضة الأمة الناشطة السورية عادلة بيهم الجزائري. ونعتقد أنه من المناسب أن نشير هنا إلى ما دونته الكاتبة والباحثة السورية براءة بركات، عن عادلة بيهم الجزائري التي ولدت عام 1900 في دمشق، في بيت يحترم الفكر ويقدس النضال الوطني. وتفتح وعيها على معاني الاستبداد والطغيان، وفيها نشأت ودرست في معهد «الدياكونيز» الألماني، كما درست علوم اللغة والدين على يد العلامة الشيخ «عبدالله البستاني» وله الفضل في امتلاكها للغة عربية فصيحة، كيف لا وهو – أي استاذها – صاحب معجم «البستان» الشهير، ولقبت بأميرة الرائدات العربيات في القرن العشرين.
تعرفت على مفكرين وطنيين قارعوا الطغيان العثماني عبر جمعياتهم الوطنية، وكان أكثر من أثر في مسيرتها هو «محمد جميل بيهم» عضو «المؤتمر السوري» عام 1920، والذي تزوج لاحقا من الرائدة النسوية والوطنية «نازك العابد». كان «بيهم» نصير المرأة، والمدافع الشرس عن حقها في التعلم والتقدم، فأدركت الشابة «عادلة» من خلاله مدى السوء الذي خلفه الاستبداد العثماني، ومدى التخلف المجتمعي بشكل عام، وأثره على المرأة بشكل خاص. فعمدت – وهي لاتزال في السادسة عشرة – للعمل متطوعة مع الجمعيات السرية من أجل الدواء والكساء للفقراء والمنكوبين. تزوجت «عادلة» من «مختار» نجل المناضل المعروف «عبدالقادر الجزائري» إلا أن ذلك لم يحل بينها وبين النشاط في الشأن العام، ففي عام 1916 ترأست لجنة تشرف على دار الصناعة، لتشارك في تقديم وجبات مجانية لحوالي 1800 عاملة يعملن في صناعات عدة كالنسيج والغزل والاشغال اليدوية، شاركت في جريدتي المفيد والفتى العربي بأسم مستعار باسم «الفتاة العربية» منددة بالاستعمار الفرنسي في مظاهرات 1925 ضد الاحتلال الفرنسي وشكلت من خلال الجمعيات السرية «لجنة خاصة لمساعدة أسر الثوار» واهتمت باسر المعتقلين والملاحقين.
لم يشغلها نشاطها الوطني عن قضيتها الرئيسية «تحرير المرأة» فنشطت في نشر العلم لدى الفئات المتوسطة ومحدودة الدخل، فأسست مع زميلاتها جمعية يقظة المرأة الشامية عام 1927 التي هدفت بالإضافة لتعليم المرأة إلى تشجيع عمل النساء في الريف وإحياء وتنظيم الصناعات اليدوية التقليدية، كما ساهمت في تأسيس جمعية دوحة الأدب عام 1928 فأسست من خلال هذه الجمعية الخطوات الأولى في مشاركة المرأة السورية في الحياة العامة. والحفاظ على التراث العربي، وترجم ذلك عمليا من خلال افتتاح مدرسة لتنشئة الفتيات والتي رفض المستعمر في البداية الترخيص لها، لكنها افتتحت أبوابها للفتيات في عام 1931 دون ترخيص. تم انتخابها رئيسة للاتحاد النسائي السوري عام 1933، وهو الاتحاد الثاني بعد الاتحاد المصري، وكان من أهم أعمال الاتحاد النسائي مشاركته في الإضراب عام 1936، وذلك احتجاجًا على شروط المعاهدة المبرمة بين الحكومتين السورية والفرنسية، كما شارك في عام 1937 في التنمية عن طريق إطلاق مشروع إنعاش القرى ومكافحة الأمية، وشاركت رئيسته في المؤتمر النسائي الفلسطيني الذي عقد في القاهرة لدراسة الخطرة الصهيوني على القضية العربية والوطن العربي. توفيت عام 1975، عن عمر يناهز الخامسة والسبعون عاما قضتها في النضال الوطني، والنضال من أجل تحرر المرأة.
لم يكن المجتمع الديني المحافظ راضيا عن نشاط عادلة بيهم الجزائري، لا في الإتحاد النسائي السوري ولا في مدرسة دوحة الأدب، وقد تجلى هذا النفور بحادثتين شهيرتين،كانت الأولى سنة 1944 عندما دعا الاتحاد النسائي إلى حفل خيري في دمشق، والثانية في مطلع الخمسينات تعاونت عادلة بيهم مع الزعيم الوطني فخري البارودي على إحياء رقصة السماح وتعليمها إلى طالبات مدرسة دوحة الأدب. قاموا بإحضار الشيخ عمر البطش من حلب، حافظ الموشحات وأكبر مرجع في الغناء القديم، ليقوم بتدريب الفتيات على الغناء، وفصلوا لهن ثيابًا من الحرير الملون، كانت فضفاضة ومحتشمة، ليظهروا بها على خشبة المسرح، ويقيموا حفلا غنائيا راقصا، بحضور رئيس الحكومة خالد العظم. أثار هذا الحفل حفيظة قاضي دمشق الشيخ علي طنطاوي الذي وصف عادلة بيهم وزميلاتها بأنهن ينظرن إلى الغرب وعاداته «بعين الرضى ويغمضن عن عيوبه وعن مفاسده». خلال خطبة الجمعة في أحد مساجد دمشق، هاجم الشيخ طنطاوي الحفل بشدة. وفي اليوم التالي، شنت حملة شعواء ضد علي الطنطاوي في معظم الصحف الموالية الحكومية، دفاعا عن الحفل وعن عادلة بيهم وفخري البارودي. وقد طالبت تلك الصحف بإحالة الطنطاوي إلى القضاء، لتهجمه على مدرسة دوحة الأدب ومديرتها، بحسب الموسوعة الدمشقية.