ظِل الشاعر
علي حسن الفواز
يحضر الشاعر بوصفه بطلا، وصانعا للأحجيات التي تنثر حوله الحكايات، والاقاويل، والاسرار، وربما التهم، إذ يغيب الشاعر ليحضر ظله بقوة، الظل هو البطل التعويضي، الذي يسرد، ويناور ويشاغب ويسخر، ويتعالى على الآخرين بوصفه ظل البطل، أو القناع الذي نقف مدهوشين، مرتبكين عند قصيدته، أو عند رؤيته للعالم.
ادونيس ومحمود درويش من اكثر شعرائنا صناعة لسرديات الظل، إذ يمارس هذا الظل حضورا فائقا، حدّ تلبّسه بالتابو الذي يسكن لاوعينا الجمعي، بوصفه ظلا للحكيم، والفيلسوف وصانع الحكايات والطلاسم، ولاستيهامات الكائن الذي يملك جرأة المراودة، والانتهاك والتجاوز، ويفتح لنا أفقا مفارقا ومكشوفا للاسئلة.
أدونيس الشاعر تحوّل الى حكواتي لسيرة ” المتحوّل” في ثقافتنا العربية، حيث يقف بتعالٍ شاطر أمام سيرة الثابت الذي يسكن وهم السلطة والجماعة، ويلامس بشغبٍ تفاصيل حياتنا ونصوصنا واسرارنا، وليجعل من قصيدته ومن خطابه ثنائية هي الأقرب للصدمة، حيث يجرّ التاريخ الى السرد، وحيث يبادل ايقونات البطولة بنوع من الشك، الشك الذي يأتي وكأنه سؤال فاجع في الفكر، وفي الفهم، وفي الاطمئنان الى ما تقترحه المعرفة من حلول واوهام..
محمود درويش الشاعر الذي انحاز الى الارض الغائبة، استعاد فلسطين عبر القصيدة، لتحضر بوصفها طقوسا في السحر والأنوثة، والحلم، أو تحضر بوصفها الحكاية التي تجرّنا الى كل سرديات الغياب في ثقافتنا.
ايقونة درويش هي الضد النوعي للفراغ الذي يصنعه العدو دائما، ويراهن عليه، إذ تجعلنا قصيدته الباذخة الغناء، اكثر احساسا بالمناورة على الحزن، والمعيش عند فكرة الانتصار، حتى لو كانت ساذجة، وعلى طريقة مواربة من الانتشاء، أو كمن يقترح للمريد الرقى والتعازيم، تلك التي يشتبك فيه الاستعاري مع الايروسي، والفقد مع القوة، والمرأة مع الأرض، وأحسب أن هذه الاشتباكات هي اللعبة الباهرة التي تجعل حضور الظل فائقا، وخطيرا، وباعثا على الذهاب باللغة الى اقصى المعنى الهارب دائما..