صوت المرأة في رواية
“أنثى”
ديانا الشناوي
قسوة المجتمع الذكوري على المرأة انعكست على الأدب، فأخذت مجموعة من الأدباء والأديبات بالكتابة عن هموم المرأة وما تتعرض له من أذى جسدي ونفسي، وهنا نستذكر رواية “المطلقة للروائي “جميل السلحوت” ورواية “توليب” للروائية خلود نزال، ورواية “نساء وبلاء” للروائية “رنين دراغمة”، وغيرها من الروايات، لكن ما يمز رواية “أنثى” أنها تتناول حاجات ورغبات ومشاعر المرأة بطريقة أوسع وأشمل، فبدت الساردة أكثر تحررا من غيرها، وأيضا نجد في الرواية مجموعة نماذج من النساء، منهن من سلمت أمرها كما هو الحال مع “زكية” أم بطلة الرواية “منى” وشقيقتها “هدى، ومنهن من تمردت، كما هو الحال مع “سميرة” شقيقة “منى” التي قتلت حرقا، و”منى” التي جاهرت بتمردها وتحدت سلطة الأب “أبو محمد” واستطاعت أن تكون ذاتها وتحقق النجاح المهني ومن ثم الاقتصادي، والعاطفي/الحب والزواج.
إذن الرواية تتحدث عن أسرة “أبو محمد” الذي أنجبت زوجته ثلاث بنات “هادى، سميرة، منى” والأخيرة وصفها أبوها بالشؤم والقبح، وبعدهن تم انجاب “محمد” المنتظر، الذي أخذ كامل حقه من المعاملة الجيدة والعاطفة الأوبية، على النقيض من شقيقاته اللواتي تعرضن للأذى النفسي والجسدي، وتم معاملتهن على أنهن مجرد شيء ناقص يجب التخلص منه وبأسرع ما يمكن، من هنا تم تزويج “هدى” لأبن عمها العاجز جنسيا، ورغم هذا العجز إلا أنه يتزوج من أخرى، ومع هذا لم تجرؤ “هدى” على البوح بمشكلة زوجها وأنها ليست عاقر ، وأن المشكلة في زوجها العاجز.
أما “سميرة” التي أحب “حسان” ترفض أن تكون ضحية كشقيقتها “هدى” فبعد أن تقع رسالة الحب بينهما في يد والدها، يجبرها على الزواج من ابن عمها، لكنها تهرب من المزرعة، وما أن يتم ارجاعها حتى تحرق في برميل، أما “منى” التي عرفت مصير شقيقتيها، فأصرت على أن ترفض الزوج بالطريقة التي انتهجها الأب، فيتم ضربها بوحشية، ومع هذا تبقى مصرة على عدم الخضوع لسلطة الأب.
“محمد” الابن المدلل ما أن يشتد عوده حتى أخذ يمتعض من العمل في المزرعة، يعرض عليه الأب الزواج لكنه يرفض، ومن ثم يسرق أموال الأسرة ويفر هاربا إلى جنوب أفريقيا، ليعمل فيها حلاقا، يصاب الأب بنكسة تقعده الفراش ومن ثم يموت حسرة على خذلان “محمد” له.
بعدها تتخلص البنات من سلطة الأب، تعود “هدى” إلى المزرعة وتترك زوجها العاجز، وتبدأ “منى” في تكملة مشروع شقيقتها “سميرة” التعليم والقراءة لتكون كاتبة، وتنتهج الأم “زكية” نهج جديد في معاملتها للآخرين، فبعد أن يأتي ابن عم “منى” ليطلب الزواج منها، ترد عليه بجلافة وتبصق عليه، مستذكرة ما فعله “بسميرة” التي أحرقها.
بعد زمن يعود “محمد” إلى المزرعة لبيعها وأخذ حصته من تركه الأب، لكن سميرة تقف في وجهه معارضة البيع، ليعود خائبا إلى منفاه في جنوب أفريقيا”.
تتألق “منى” في عملها كصحفية، تتعرف على ملحن “رائد عامر” الذي يعجب بها وتعجب به ـ رغم حظها المتواضع من الجمال ـ وتتوج هذه العلاقة بزواجهما.
فخاتمة السعيدة للرواية جاءت كرد الواقع البائس الذي عاشته نساء الرواية تحت سلطة الأب، وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى أن النساء/منى تبدع وتجد ذاتها وتحقق رغباتها إذا ما استقلت عن سلطة النظام الأبوي وتحرر منه، وهنا تكمن أهمية الرواية، تحرر المرأة من هيمنة الأب والمجتمع، فكل نساء اسرة “أبو محمد” تعرضن للقهر والبطش والضرب، فكن خاضعات، ومن تمردت منهن، “سميرة” تم حرقها وقتلها، و”منى” تعرضت للضرب الشديد، “وهدى” خضعت كحال أمها “زكية” ولم تجد حريتها/ذاتها إلا بعد موت الأب، حيث تركت زوجها العاجز وعادت إلى بيت أهلها.
طريقة عرض الرواية
تبدأ الرواية بزمن نضوج “منى” وهي تعمل صحفية، ومن ثم تعرفنا/تعدينا إلى ماضيها وما مرت به من أذى، وتنتهي بالخاتمة السعيدة، وهذا الشكل من التقديم أسهم في تجاوز/محو المعاناة التي تعرضت لها، وهذا ما نجده في موقف “منى” المتسامح مع الأب بعد أن مات وحققت حلمها في الصحافة.
إذن شكل التقديم الرواية تتداخل فيه الأزمنة، ولا تسير بخط مستقيم، بل بصورة متداخلة، وهذا أسهم في أحداث فجوة في مشاهد الالم والقهر، وخفف شيئا من وطأتها على القارئ.
“منى”
سنحاول لتوقف قليلا عند كل شخصيات الرواية، لتبيان التمايز في اللغة والفكر فيما بينها ونبدأ بطلتها “منى” المتمردة، والتي تحدثنا في عن مشاعرها وحاجاتها كامرأة: “أدرك أنني حالمة برجل يحقق نبوءة عشقي الذي لم أتذوقه بعد، يحرك مشاعر تجاهلتها مع زحمة العمل أو تعمدت التنكر لها… أشعر بالخوف من الحب، من المجهول، من بكائيات الآخرين وخوف مضاد من تسرب العمر خلسة” ص7، بهذا الشكل تفتح “منى” الألم الذي يكمن في المرأة بعد أن تجاوز الثلاثين، فهي ـ بطريقة غير مباشرة ـ تطرق باب العوانس وما يتعرضن له من ألم نفسي، بسبب حرمانهن من الحبيب/الرجل والحب.
وأن يأتي هذا البوح من امرأة فهو يشكل تمردا لسلطة المجتمع وثورة عليه.
تقدمنا أكثر من انجذابها للرجل/للحبيب وحاجتها له بقولها: “…اندهاشه يذهلني، يرميني في واد سحيق، يستدرك الأمر ويقدم لي وردة بعد أن يخبرني بأنني مذيعته المفضلة وأن صوتي رائع وقريب للقلب، يلقي الكلمات على عجل ويذهب مسرعا كصيد يهرب من سهم يلاحقه” ص11، أن تأتي هذه المشاعر من فتاة في مقتبل العمر يمكننا أن نستوعب الأمر، لكن أن تأتي ممن تجاوز الثلاثين وتعمل صحفية فهذا يستدعي التوقف عنده.
تعرفنا الساردة على حاجات المرأة بصرف النظر عن عمرها: “أنا الأن أبلغ من العمر الخامسة والثلاثين وما زلت دون رجل يحتويني…منذ طفولتي وسعادتي كلها معلقة على ثلاثة حروف “ر ج ل” فالحماية رجل والأمان رجل والكتف الذي يسندني رجل وسبب إنجابي طفلا وإحساسي بالأمومة أيضا رجل، تعلمت أنني إذا ما لملمتها وصنعت منها كلمة مترابطة سأحصل على سعادتي وإلا سأبقى مبعثرة… لا أحد يعلم ما الذي تحمله تلك الأنثى في أعماقها؟ الفراغ يسرق بريق العمر .. الزمن الميت يغير ملامح جسدي، ويرسم خطوطا سوداء موجعة قاسية، يعتريني خوف لا ينتهي من المستقبل… امرأة في الخامسة والثلاثين ينهشها القلق ويحفر على جدارا قلبها انهزام كبلقي النساء لي أحلامي، مهما تظاهرت بالقوة وادعيت الذكاء، وحدتي وضاب مستقبلي يقتلانني” ص18، رغم أن فكرة الحاجة للرجل واضحة، إلا أن طريقة التقديم أيضا نجدها تخدم الفكرة، فتكرر لفظ “رجل” أربع مرات يشير إلى حاجتها له، كما أنها جعلت أعدائها ذكورا: “الفراغ، الزمن، خوف” فالذكور الأعداء بحاجة إلى ذكر يواجههم، وهذا ما يرسخ فكرتها أكثر، فالمتلقي الذي يعيش في مجتمع ذكوري يعرف أن الذكور تواجه بالذكور.
علاقة “منى” ومشاعرها تجاه الأب
المجتمع الذكوري ينظر إلى المرأة نظرة دونه، كحال المستعمر ونظرته إلى المستعمرين، الأب يمثل السلطة الأبوية بكل ما فيها من قسوة: ” كنت أسعى دائما لأن أرى نظرة رضا في عيني أبي، لكني لم أحصل عليها” ص19، وليت الأمر توقف عند هذا الحياد، بل تعداه إلى: “…كنت أسمعه بشكل يومي يسب ويلعن وجودي وينعتني بأنني وجه شؤم، حتى أنني لم أعد أشعر بأي إحساس تجاه امتعاضه” ص17، وتحدثنا عن حرق ابنته “سميرة”: “…أنظر بعينين زائغتين للبرميل، شخص يحمل ملامح أبي، يقف بجانب البرميل حزن في عينيه، من أي قسوة جبل هذا الرجل؟، من أي المعادن القاسية خلق؟…. يتقدم نحو البرميل، يتفحصه، ثم يبدأ بحفر الأرض ليخفي رمادك داخلها، … غادر المكان دون أن تسقط من عينيه دمعة، دون أن يلتفت خلفه ليقي نظرة وداع أخيرة” ص73، بهذه الوحشية كان الأب.
وبعد أن تكبر “منى” يقدم على زجها للزواج بابن عمها بطريقة مهينة: “أسمعها تولول… كيف ستزوجها له.. كيف تتزوج خطيب أختها سميرة.. أنت تعلم جيدا بأنه مزواج، سترمي له ابنتك لتصبح الزوجة رقم أربعة!
يمسك أبي يبدها بعصبية ويهزها بعنف
من سيتزوج ابنتك القبيحة؟ أنها شؤم، لم أر يوما سعيدا منذ ولادتها… تريدين أن تبقي وجه الغراب في بيتنا للأبد، لا أريد أن اسمع صوتك. سيأتون الليلة وسأوافق وأنتهى الأمر” ص90و91، لكن
“منى تقف موقف صلبا وتتحدث بكل جرأة وقوة: “لن أتزوجه يا أبي، أذبحني بيديك الآن، لا أهاب الموت، هذا الرجل لن يكون زوجي أبدا مهما حدث” ص91، وهنا يخرج الوحش من هيئة الأب ليقوم ب: ” يهجم على جسدي ويبدأ بضربي كحيوان مسعور، أسمع صراخ أمي والضربات تشتد على جسدي، أتكوم على الأرض وأحضن نفسي، أرفض البكاء بل أكتم ألمي داخلي، لن يكون ألم ضربي أشد من ألم احتراق سميرة ولا أفظع من زواجي بقاتلها، كنت اساعد للموت راضية، وأشاهد أبي وهو ينهال كالمسعور ضربا، يشد شعري ويرميني تحت أقدامه يمزقني ويسيل الدم لزجا ساخنا على وجهي، يسيل من جسمي، أشعر أنني خارج المشهد، وكأن روحي انفصلت عن جسدي” ص92، هذا المشهد يتماثل مع مشاهد التعذيب في السجون الرسمية العربية، وكأن الساردة أرادت أن تماثل حالها بحال الأسير الفلسطيني أثنا التحقيق في سجون الاحتلال، فكلما أشتد التعذيب اشتدت العزيمة والارادة والثبات.
بعد موت الأب تتحول حياة “منى” إلى الأفضل، تكمل تعليمها، وتخرج من “المزرعة” إلى مدينة غزة لتعلم في الصحافة، وأثناء عملها تتعرف على الملحن “رائد عمران” وتحدث بينهما علاقة حب، تحدثنا عن مشاعرها تجاه حبيبها: “..فرح خفي لم أشعر به إلا بعد نظرات رائد لي… هل أنا على موعد حب مع المرآة، ابتسم واتجه لمرآتي ذات الحجم الكبير… أقف دقيقة صامتة دون أي مشاعر وكأنني شخص غيري… إلى إلي داخلها دون أن أخافها أو أخاف نظري لنفسي، ثم أستيقظ وأشهق وقد اختلطت مشاعري. أبتسم وابكي، أنا الآن غي مواجهتي، أرى جسدي الممشوق المرسوم بتناسق مدهش.. أتحسس وجهي الذي أكرهه وقد بدأت منذ الآن أحبه كما هو، هذا الوجه الذي أنظر من أحب ويتأمله بنظرات تدوخني… تجعلني ربة الجمال على الكون، أنا أميرته الذكية التي انتظرته سنوات طويلة كي تكتمل به، أميرته التي أصبحت أجمل به” ص128، ما يحسب لهذه المقطع أنه جاء بكلمات ومشاعر وأفكار تتوحد في تأكيد حاجة وأهمية الأحب والحبيب للمرأة، فالرجل بالنسبة لها هو المخلص والمكمل لها، به تكون أما، وبه تصبح حبية، ومعه تكون أسرة، من هنا تكمن أهمية هذا المشهد، فهو صادر عن امرأة وبصوتها، لهذا كان له أثر وجميل الوقع على القارئ.
وبعد أن يطلبها “رائد” للزواج تصف عن مشاعرها: “عاصفة من المشاعر تجتاحني، برق ورعد يعصف بي.. هو حلم، هو حقيقة، هو أكثر مما أستطيع استيعابه، هو نبض يخفق بشدة، عالم خيالي ساحر هذا الذي يعيش بي الآن، عالم لم أر حتى في أشد أحلامي عشقا …إنه عالمي الخالص الذي لا تدرك معناه سوى أنثى” ص139، بهذا المقطع تقفل الساردة الرواية، فمن خلال حديثها عن مشاعرها/عاطفتها أكدت على أن النواحي النفسية أهم بكثير من المادية/الجسدية، فتحاملها على جسدها ووجهها وامتعاضها منهما لم يعد قائما، وتم استبدال الامتعاض والعداء إلى حب وألفة وإعجاب.
علاقة الأب بوريثه محمد
أما علاقته بوريثه “محمد” فقد كانت في أفضل حال: “كان أبي علمه من صغره بأنه الوريث الوحيد، وكان يدربه على التحكم بنا وهو الذي يصغرني بعام واحد، ومع ذلك كنت مجبرة على تنفيذ كافة أوامره دون نقاش حتى وإن كانت لا تعجبني… حاولت مرات عديدة أن أحب محمدا لكنني لم استطع” ص89، لكن بعد أن يسرق الأموال ويفر هاربا إلى جنوب أفريقيا، نجد الأب بهذا الحال: “كان يقف مكسورا تسيل الدموع من عينيه كالسيل، نظر إلى السقف وهو يتجرع كأس الحسرة والمرارة، كانت المرأة المرة الأولى التي أشاهد في أبي منهزما، كأنه عجوز فقد عكازه، شاخ وانحنى ظهره… لم يحتمل غياب محمد ..كان محمد بمثابة الروح له. وبغيابه فقد أبي روحه فأصبح جسدا دون قيمة، رأيته ينهار أمامي سقط كجبل يتفتت رملا على الأرض” ص96، الانهيار القوي والسريع حال كل الانظمة/السلطات الطاغية، وهذا كان حال الأب المتوحش تجاه البنات، والرقيق تجاه الذكر “محمد”.
سميرة
ترتبيها الثانية في الأسرة بعد “هدى” بنت أحبت “حسان” وتعلقت به، وهذا يشكل تمردا على سلطة الأب وعلى نهجه، بعد أن عرف الأب بهذه العلاقة: “يمنعها من الذهاب للمدرسة” ص69، وبعد أن فرض عليها الزواج بابن عمها تقرر الفرار من المزرعة: “غادرت سميرة، هربت من البيت فلا أثر لها” ص70، لكن نهايتها كان الحرق، فسميرة المتمردة الأولى على سلطة الأب، أنتهى بها الأمر إلى الحرق، لكن هذا التمرد ترك أثرا في “منى” وجعلها تكمل ما بدأته “سميرة” بمعنى أن قتل ثورة “سميرة” لم ينتهي، بل كان له صدى آخر، ظهر في “منى” التي عملت على تكملة مشروع التمرد/الثورة: “سميرة وجعي الخاص الذي احمله في ذاكرتي” ص113، من هنا، النجاح الذي حققته “منى” ما كان ليتم دون أثر “سميرة” عليها.
“هدى” بنت جُبلت على الطاعة وتنفيذ ما يطلب منها، ودون ابداء أي امتعاض أو شكوى، “منى” تحدثنا عنها بعد أن تزوجت بابن عمها العاجز جنسيا: “حصتها غرفة في المنزل، تستيقظ صباحا وتخرج من غرفتها للعمل مع العائلة، تخدم الأسرة دون تذمر وتأفف، فهي تطيع الأوامر كما أوصتها أمي، تخبز، تطبخ ثم تذهب للحقل كي تساعد زوجها، وكلما أتت إلينا تزودها أمي بوصايا الخنوع في طاعة حماتها كأمها ..وأن تقوم بكل واجباتها.. دون كل أو ملل وعلى أكمل وجه” ص31، وبعد أن يتزوج أبن عمها عليها، ـ علما بأن العقم والعجز فيه ـ تكون بهذا الحال: “…لا تنطق بكلمة .. مستسلمة ليس لها موقف. لا تستطيع أن تقول لا.. سمعت أبي ينادي على أمي ويخبرها بأن تجهز هدى للعودة لبيت زوجها…كانت تعلم أنه عاجز وجرت إلى المقصلة، لم تدافع عن نفسها وتخبرنا مرة بضعفه وبأنه لا يستطيع أن ينجب ذبابة، ظلت صامتة تتلفع بالخوف والاستسلام، نامت على جراحها بجانب زوج غدر بها وخانها، وتحملت لقب عاقر خوفا من ثلاثة حروف قامت بتجميعه “ر ج ل” وفازت هي بالجنازة” ص42 و43، لكن هذا الشخصية الخانعة ما أن يموت الأب، بمعنى ذهاب السلطة القمعية حتى تتغير وتمارس حياتها بطريقة سوية:
“..عادت هدى لتسكن معنا وتركت زوجها، فلم يعد أحد يجبرها على البقاء معه بعد موت أبي.. لم تعد هناك من يتحكم بحياتنا، أصبحنا بدون سلطة، نملك حرية الاختيار، شجعتني هدى على الدراسة ووقفت بجانبي” ص97، هذا التحول في شخصية “هدى” ما كان ليحدث لو استمرت سلطة الاب قائمة، بمعنى أن وجود السلطة كان حائلا دون ممارسة “هدى” لحياتها ولدورها الطبيعي، من هنا حثت “منى” على تكملة دراستها لتكون ما تريده.
الأم
إذن “هدى” شخصية متحولة من السلبية إلى الإيجابية، فقد خضعت سلطة الأب القمعية ولتعالم الأم الخانعة، فالأم علمت ابنتها كل ما تعرفه عن دور الزوجة وواجباتها، فكانت ابنتها نسخة عنها، لكن بعد رحيل الزوج وغياب سطوته تتحول إلى شخص آخر، شخص يعرف كيف يدافع عن أسرته، فتطرد ابن عم “منى” لذي جاء ليطلبها للزواج: ” لكن أمي كانت قوية في مواجهته وأخبرته أنني سأتعلم ولن تزوجني له، خرج غاضبا من منزلنا وخرجت أمي خلفه… وبجرد خروجه من باب المزرعة بصقت عليه فجأة وعادت أدراجها للمزرعة باتجاه البرميل الذي حرقت به سميرة، كانت تجلس بجانب البرميل وتربت على التربة، سمعتها تحدث القبر الذي صنعته” ص97، فالأم أيضا كانت شخصية مقموعة وخاضعة لسلطة الزوج/الأب وما أن رحل حتى تحول سلوكها إلى الطريق الصحيح والسليم، فهي ترفض أن تزوج ابنتها لقاتل “سميرة” وتعبر عن مشاعرها من خلال البصق، علما بأنها كانت “طوع أمر زوجها، وإن ابدت معارضة فكان محدودة ومؤقتة، لكنها الآن تمارس دور قيادي في الحفاظ على أسرتها.
السرد الروائي
يتم سرد الرواية كاملة من خلال “منى” فلم تترك مجال لأي شخصية لتتحدث بحرية، باستثناء حبيبها “رائد عمران” الذي اعطت فسحتين لتكلم كما يريد، وهذا يشير إلى تعاطف الساردة مع “رائد” وانحيازه له.
الرواية من منشورا وارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الأولى 2021.