محمد قاسم الصالحي/ كاليفورنيا
رغم زحف العراقيين نحو إتمام عقد كامل على تاريخ سقوط الدكتاتورية ونظام الحزب الأوحد ألا أن مؤشر البوصلة للنظام السياسي الجديد لازال متأرجحاً مابين إتجاهات متناقضة لاتشكّل باعثاً على الإطمئنان، فلم يعُد العَطَب مقتصراً على الأداء الحكومي الذي ترك الأبواب مشرعة بوجه الإنتقادات اللاذعة والتوصيفات الحادّة له من قبل الخصوم، بل شكّلت إزدواجية الخطاب السياسي لمعظم أطراف العملية السياسية عاملا مضافاً تسبّب في إنكفاء واضح لأي تطور ملموس من شأنه تسريع عملية الإنتقال الديمقراطي والشروع في طريق التحول الحقيقي المنشود. ورغم المخاوف التي إعترت الكثيرين جراء تباطؤ المسار الديمقراطي ألا أن النهج الصدري الإصلاحي الأخير، هو الآخر قد أعطى بالمقابل جرعة من الأمل وأضفى شيئا من التفاؤل على النظرة الشاملة لمستقبل العملية السياسية في العراق.
لاشك أن المتابع للبيانات الصادرة عن مكتب السيد مقتدى الصدر يلمس وبوضوح دقة التشخيص السياسي الصدري للأزمة الحالية التي يمر بها العراق والتي لم تأتي من فراغ، بل كانت إمتدادا لأخطاء تراكمية ناتجة عن الأداء الإرتجالي للحكومة، الذي تسبب فيما يمكن وصفه بإستعداءها الجميع بما فيهم أطراف داخل التحالف الوطني العراقي الذي أسهم في إيصالها الى سدة الحُكم. وبوصف أدق، يمكن إجمال وحصر تشخيص القيادة الصدرية للإختلالات الرئيسية في المشهد العراقي والتداعيات التي نتج عنها ضعف الأداء وإزدواجية الخطاب في نقطتين مهمتين تمثّلا في غياب الثقة السياسية وضمور الإرادة الشعبية أو السعي لجعلها كذلك. وإدراكاً منه لأهميتهما كان قد ركّز مؤخرا على تنمية الثقة السياسية وتحفيز الإرادة الشعبية لتقويم الخلل الديمقراطي والسير في الإتجاه السياسي الصحيح.
لقد كلّل السيد الصدر أقواله بالأفعال حينما سعى مؤخرا الى ترميم جدار الثقة السياسية بين التحالف الوطني العراقي وبقية القوى الوطنية في إجتماعاته المتكررة المنعقدة في كل من النجف وأربيل، معبّرا عن حرصه الأكيد على إخراج المسار الديمقراطي من النفق المظلم الذي تسبب به الغياب التام للثقة بين أطراف العملية السياسية وبين الحكومة العراقية الممثلة لهذا التحالف، والتي فشلت في الحفاظ على الحد الأدنى من آليات التواصل بينها وبين بقية الأطراف الأخرى. وقد أدرك سماحته بأن تآكل الثقة وإستمرار الفوضى السياسية والتناحر بين الكتل وإصرار الحكومة على الإستهانة والتبخيس وتأجيج التوترات في اللحظات الحرجة قد يعرّض النظام السياسي الديمقراطي برمته الى الإنهيار ومن ثم إعطاء الفرصة كاملة وعلى طبق من ذهب للنخب الداعمة للإستبداد والقائلة بعدم جدوى الديمقراطية في العراق.
لم تقتصر جهوده ومحاولاته (أعزّه الله) على توحيد رؤى القوى السياسية الفاعلة أو على الأقل تقريب وجهات النظر فيما بينها، بل سعى الى عقلنة الخطاب السياسي السائد تجاه المجتمع إيمانا منه بأن إرداة المواطن العراقي هي من ينبغي التعويل عليها في تحقيق إستقرار النظام السياسي داخل الدولة العراقية، لذلك سعى في ردوده الأخيرة الى تحرير إرادة المواطن من المخاوف التي تحاول بعض الكتل السياسية زرعها في أذهان المواطنين، كوسيلة للكسب والإستمالة وإثارة الشكوك حول الخصوم، بتحذيره من الركون الى قوقعة المؤامرة والتخوين حيث رد سماحته بالقول.. ” أنا أول الرافضين لأي تدخّل بالشأن العراقي من أي دولة كانت مطلقا، وإعلموا أن مثل تلك الدعايات أنما هي أساليب سياسية لتسقيط الخصوم”…وفي جواب آخر له يرسم بوضوح مايجب أن يكون عليه أبناء التيار الصدري في تعاملهم مع الأزمة الحالية بتأكيده على وحدة الصف والإرتهان للقيم الوطنية والديمقراطية بمعزل عن التعصب الطائفي والعرقي، إدراكاً منه (أعزّه الله) الى أن تعزيز الثقة السياسية وتنمية الإرادة الشعبية هما جناحا النظام السياسي الديمقراطي، بل والأرضية الصلبة لأي تحول ديمقراطي واعد.
أخيرا وليس آخراً، قد يعزو الكثيرون مواقف السيد مقتدى الصدر من حكومة المالكي الى دوافع الخصومة والمزاج في حين أن رأس المال السياسي لأي حكومة شراكة يكمن فيما تمتلك من رصيد ثقة لدى الشركاء، ومدى إتساق أنجازاتها مع توقعات مواطنيها من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ليكونوا بالنتيجة أكثر إمتثالا للقوانين وأكبر اندفاعا أو استجابة للمبادرة، وذلك ما لايبدو أن الحكومة الحالية قد حققته مع مواطنيها أو حافظت عليه مع شركاء العملية السياسية. لذا كان لابد من موقف حاسم من سماحته يحول دون إنعدام ثقة المواطنين بالنظام السياسي ككل نتيجة تقهقر ثقتهم بالحكومة، وتلك هي الضمانة المثلى كي لاتتحقق الإستدارة الماكرة نحو الدكتاتورية من جديد.