فريد حسن
كتب الزميل غالب الراجحي مقالا عن البصرة بعنوان الحنين الى … البصرة في العدد (1326) من جريدة الشرق وهو يستعرض شمائل اهل البصرة وشناشيلها واسواقها واسوارها ومعقلها وميناءها وعشارها ( ويابو بلم عشاري)ونخيل ابو خصيبها وتنانير الطين فيها وخبزها وماءها وروعة اخلاق اهلها فأثار في الشجون وادمعت عيناي حيث تذكرت مرتع صباي في هذه المدينة الخالدة التي اعدها مزاري حيث الحسن البصري وكل اللامعات من الاسماء التي تحتضنها بصرتنا الفيحاء .
هي المرة الثالثة اكتب عن البصرة واتناولها في مقالات ولكن لم ارو بعد ظمأي لان لي فيها ذكريات جميلة فكانت الاوضاع السياسية في الستينيات متهورة متدهورة غير مستقرة وهذه الاوضاع طالت والدي الذي سجن لسنوات في (نقرة السلمان) لاسباب سياسية وبعد خروجه من السجن تم نفيه من اربيل الى البصرة (كانوا هكذا يقولون يستخدمون عبارة نفي) للسياسيين فاصطحبنا والدي الى البصرة وما زلت بعد في الرابعة من العمر فأستأجرنا بيتا في (صبخة العرب) قبل ان ننتقل الى بيوت شركة نفط الجنوب حيث عمل والدي مديرا في نفط الجنوب وفيها التقيت بأصدقاء كنت اعلمهم اللغة الكردية مقابل ان يعلمونني كيفية صعود النخلة عملية مساومة وبعد ان بلغت سن الدخول الى المدرسة تتلمذت في مدرسة الجبيلة الابتدائية وكنت متفوقا وحصلت على شارة فارس الصف كان المعلمون يحبونني ويشاطرونني آلام ابعادنا عن مدينتنا اربيل غير اني لم ابال فاقتنعت ان البصرة اربيل لما كنا نتلقاه من حسن المعاملة وما زلت اذكر بيت الحاج كاصد واولاده وبيت (حبيب ) وكل الطيبين وحين عدنا بعد انجلاء الغمة السياسية كنت اتباها بأني (كردي بصراوي) ولم لا فقد شربت من ماءه واحتضنني اهلها وتعلمت منهم لغة الضاد ومعاني الانسانية وقيم الشهامة فأرى اني محظوظ حيث بدأت طفولتي في مدينة الخليل بن احمد الفراهيدي وابي الأسود الدؤلي والسياب ودرست على ايدي معلمين ماهرين وكيف لا والبصرة ام الدنيا في الثقافة والعلوم.
ايه بصرتي الحبيبة ما زلت اتذكر التنومة والزبير وخمسة ميل والجمهورية والعشار والسيبه والقرنه وما زلت اتذكر لهو الطفولة انا ودشداشتي التي كنت ارفع مقدمتها بعضا الى الاعلى لتسنح لقدماي بالحركة للجري بسرعة بين عمودين للكهرباء كانت بطولة بعينها من يصل الى النقطة الاخيرة ويلمس العامود وكنت لااخفيكم سرا حافي القدمين وما زالت والدتي تقول ان جريك حافي القدمين منذ كنت صغيرا في البصرة هي التي جعلت من قدميك طويلتين.
واليوم ما زلت اتباهى بأني كردي من البصرة ولكن عذرا يا بصرتي الحبيبة فأنا لم ازرك منذ اعوام لكنني لست عاقا فأنت في ذاكرتي ( واحيا واموت عل بصرة خلت بكلبي حسرة)وتحيين في قلبي وقد تعلمت هذا الوفاء منك فأنت معشوقتي .
فما زلت اتمرن على رقصة الخشابة كي لا انساها وما زلت اغني (يامال) لعوض دوخي ومازلت اتذكر حينما اخذ والدي كيسا مليئا ببذور الورود ابتاعها من اربيل في احدى زياراتنا لاهلنا خلال احدى العطل الصيفية وقال سأزرعها في حديقة البيت في مجمع دور شركة نفط الجنوب فهل يا ترى مازالت الورود نظرة فكم كان المنظر جميلا ورود من اربيل تزرع على اديم البصرة الفيحاء انها العشق بين المدينتين.
والزبير لي قصة معها فبعد انتقال والدي وظيفيا الى ناحية التون كوبري ضمن محافظة كركوك كان مدرسي في اللغة العربية في المتوسطة الاستاذ المبجل (جاسب عبدالكريم البدراني) من اهل الزبير تتلمذت على يديه وحين عرف باني قد عشت في البصرة طفولتي اتخذني صديقا كوننا من نفس المحافظة واسهم في تعليمي اللغة العربية وفي معهد اعداد المعلمين في اربيل كان يدرسنا الاستاذ(صبيح) رحمه الله توفي بحادث سيارة وكان من ابي الخصيب ألم اقل هنالك عشق رباني بيني وبين اهل البصرة فكل اساتذتي في اللغة العربية من البصرة العزيزة وفي كلية التربية قسم اللغة العربية بجامعة صلاح الدين في اربيل تتلمذنا على يد الدكتور (نوزاد حسن) فكنت ارى فيه نبعا متواصلا من الثقافة اللغوية لاهل البصرة حيث يجول بنا في روائع شذا العرف في فن الصرف ويسمو بنا المعالي في المعاني والبيان والبديع والنحو .
ايه بصرتنا الحبيبة كيف لنا النسيان فانت الوفاء كله مثل وفاء (صبري افندي) لآمانته على صندوق البصرة وحرصه عليه .
وانا عنك اشكر زميلنا غالب الراجحي لانه اثار مواجعي لاني بعيد عنك الا ما احمله من طيب الذكريات واتذكرك كلما زارني اخي وزميلي وصديقي الصدوق (فاروق حمدي) ونتبادل الاحاكي والذكريات صدى السنين الحاكي.
استميحك العذر بصرتنا العزيزة فمهما كتبت وقلت فلن أفي شربة من ماءك الطهور يا منجبة الطاهرين .