الدكتور زاحم محمد الشمري
ما من شك أن هناك أحد يعيش على سطح الكوكب الأخضر يكره التطور ويحول دون المدنية والحداثة والرقي الاجتماعي والثقافي، إلا ممن يقتاتون على تخلف شعوبهم، وعليه فقد برزت ظاهرة التخلف الفكري والاجتماعي في بلدان الشرق الأدنى نتيجة لكبت الحريات وتحجيم الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي البناء وسوء تنمية الموارد البشرية والاقتصادية بالشكل الذي عطل عجلة النهضة الفكرية والعلمية في جميع مجالات الحياة، وساعد على ذلك استعمار المنطقة الغربي، لتبقى المجتمعات العربية جاثمة تعيش الحياة البدائية المغلفة بوحشية الأنانية والعرقية والطائفية التي ذبحت المجتمعات الإسلامية على مر التأريخ مع استثناء بعض الفترات في العصور السابقة، حيث انتج هذا الوضع المزري مجتمعاً شرقياً (عربياً – إسلامياً – قبلياً) متخلفاً، تجذر فكره في عقول الناس، حتى اصبح البعض من ابناء هذه الأمة يبحثون عن طرق للنجاة توصلهم الى الحياة الحرة الكريمة والعيش الرغيد في غربة الخارج.
ومن محاسن الصدف انه كان هناك غرب متطور تتوفر فيه كل سبل الحرية والعيش الرغيد للفرد الذي ذاق مرارة التخلف والحرمان وكبت الحريات في بلده، الأمر الذي ادى الى هجرة الكثير من العلمانيين والمتدينين من البلاد العربية والإسلامية الأخرى الى البلدان الغربية لسبب أو لآخر، وأسسوا لهم تجمعات وحلقات دينية وسياسية خاصة لم تكن بعيدة عن أعين المخابرات الغربية، مستغلين بذلك حرية الفكر والرأى والمعتقد، حتى ولو شكلياً، الذي تؤمن به اوروبا المسيحية الحديثة.
أخذت هذه المجاميع القادمة من الشرق تعمل ضمن خلايا نائمة في السر والعلن وفي خطين الاول ديني سياسي يهدف الى مسك الأرض واعتلاء كرسي الحكم بعد تحقيق حلم الإطاحة بالدكتاتوريات المقيتة بطريقة أو باخرى في البلدان التي هاجروا منها، وقد تحقق لهم ذلك الحلم المصحوب بصحوة الفشل بسبب عدم تحديث افكارهم وجهلهم بالقيادة المؤسساتية للدولة، وتحييد رجالات الدولة السابقين تحت ذرائع مختلفة والاعتماد على أناس غير مؤهلين ترتكز عليهم البنى التحتية لمؤسسات الدولة.
اما الثاني فقد كان دينياً بحتاً يدعو في السر والعلن، ومن خلال حلقاته الدينية، الأجانب في القارة الباردة وأمريكا الى اعتناق الإسلام، وقد تحقق له ذلك بشكل ملحوظ حين أخذت مجاميع من الأجانب وبفئات عمرية مختلفة من كلا الجنسين تعتنق الإسلام خاصة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حين أصاب الناس الملل في الغرب من روتين الحياة اليومية الرتيبة ذات الحرية المفرطة والتحلل الاجتماعي وتفكك العائلة، وأخذوا يبحثون عن حياة جديدة بعيدة عن صخب تلك الحرية. لذا كان الإسلام والثقافة الاسلامية اقرب الى تفكير هؤلاء الامر الذي جعلهم ينخرطون في الإسلام بإعداد كبيرة مما هدد في أسلمة أوروبا المسيحية وأمريكا. وعليه أخذ المتشددون المسيح من رجال الدين والسياسة ووسائل الاعلام المرئي والمقروء والمسموع يحذرون من المد الإسلامي وضرورة مواجهته بشتى الوسائل والطرق، خاصة بعد ان قام المسلمون الأجانب “الجدد” بإعادة طرح القضية الفلسطينية ودعم اوروبا وأمريكا غير العادل لإسرائيل على حساب العرب المسلمين في خطبهم الداعية الى تطبيق العدالة بين الشعوب في العالم، والتي وجدت لها صدىً مدوياً في العالمين الغربي والإسلامي، وانتجت فكراً متحدياً للظلم ومصحوباً بالتطرف العقائدي.
وهنا رأت الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا ضرورة مواجهة هؤلاء الإسلاميين المتطرفين كما يسمونهم، ولكن على ان لا تكون تلك المواجهة داخل دول الغرب، وانما فتح منافذ لهم للجهاد في دول اخرى خارج اوروبا وأمريكا بعد ان دست بينهم عناصر من جواسيس مخابراتها تحفزهم على الجهاد وتهيئة الأجواء المناسبة والمستلزمات الضرورية لتنفيذ مهامهم الجهادية الى الحد الذي اصبح فيه هؤلاء الجواسيس دعاة ومنظرين لأفكار ما يسمى بـ “القاعدة”، التي أسستها الولايات المتحدة ومدتها بالمال والسلاح والرجال لتكوين جبهة من المسلمين في أمريكا وأوروبا للحرب ضد ما يسمى الملحدين السوفيت في أفغانستان وتحت مسمى “طالبان” بقيادة ابن لادن، الصديق الحميم لعائلة بوش وشريكها في تجارة النفط، ليتم بذلك قتل الاسلاميين هناك بعيداً عن أنظار منظمات حقوق الانسان والقوانين الدولية التي تحفظ حقوق حرية الرأي والمعتقد في الغرب.
وعلى هذا الأساس أخذت الولايات المتحدة وأوروبا تمدهم بالخطط الستراتيجية الحربية والدعم اللوجستي بشكل معلن تارة ومن خلال جواسيسها تارة اخرى، والذين بجهودهم التحق اكبر عدد من الاسلاميين الغربيين وغيرهم المشكوك بإسلامهم الى ساحات الموت في أفغانستان لمقاتلة الروس. وبعد أن تحقق الهدف المنشود ولضمان عدم عودتهم الى امريكا وأوربا تم افتعال مسرحية ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ التي تدور حولها الشبهات لاتهام المسلمين بشكل عام بالتطرف الديني وشرعنة محاربة الإسلاميين وقتلهم خارج الدول الغربية. لذا أُعلنتْ الحرب ضد ما يسمى بالإسلاميين بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، حيث بدأت حملات القتل تأخذ أشكالاً مختلفة في أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها من الدول الاسلامية، وأنشأت سجون خاصة لهم في “غوانتينامو” تحت ذريعة محاربة الارهاب، الذي لم يتوصل المختصون الى تعريف مناسب له بسبب تداخل الأسباب التي أدت الى بروز هذه الظاهرة المأساوية، والتي لا تمد للإسلام بصلة وأمست مصدراً يهدد العالم بأسره.
وفي خضم هذه الأحداث برزت ظاهرة “الاسلام فوبيا” في أوروبا، التي أخذت اشكالاً مختلفة، مصحوبة بالحقد الأعمى والكراهية لهذا الدين، بحيث غيرت مجرى التاريخ في حياة المجتمعات الغربية التي بدأت تغير نظرتها تجاه الاسلام حسب المخطط المرسوم لمواجهة اسلمة أوروبا. فبدل انتشار الإسلام السريع في اوروبا وأعتناقه سابقاً، بدأ البعض يرتد عنه ويلعنه لتجنب الضرر الذي قد يصيبه نتيجة السمعة السيئة وعدم الترحيب بالمسلم في هذه المجتمعات كونه شخص غير مرغوب فيه، وذلك حسبما سجلته الشرطة الغربية من جرائم كراهية ضد المسلمين كثيرة جداً.
ومن هنا انطلقت حملة مواجهة أسلمة اوروبا وأميركا بشكل قانوني، فبعد أفغانستان دعت الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها بوش الابن جواسيسها في القاعدة الى العراق تحت ذريعة محاربتهم هناك، لكنه في حقيقة الامر كان الهدف اشعال الفتنة الطائفية بين أبناء المجتمع الواحد بعد ان أخذت مجاميع عراقية مسلحة تهاجم الثكنات العسكرية الامريكية في أغلب محافظات العراق وتطالب برحيلهم. وهنا بدأت الإبادة الجماعية للمسلمين بعد ان جُيشت الأوضاع طائفيا ليقتل المسلمون بعضهم البعض، حيث فُتحت الحدود للإسلاميين الجهاديين من كل بلدان العالم للقتال في العراق تحت مرأى ومسمع المجتمع الغربي لكي تصبح صورة الإسلام والمسلمين اكثر دماسةً في عقولهم وتفكيرهم وثقافتهم من خلال ما يرونه ويسمعونه من جرائم يندى لها الجبين في وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموع التي تغطي الاحداث أولاً بأول، يقابل ذلك صمت الاموات لرجالات المؤسسة الدينية الإسلامية الذين عشعشت في عقولهم الطائفية المقيتة وسلبت ارواحهم الولاءات الى المذهب والطائفة دون الولاء للإسلام والوطن.
وفي ضوء الحرب ضد ما يسمى “بمحور الشر”، ومن اجل القضاء وقتل اكبر عدد من ما تبقى من الاسلاميين المتشددين في اوروبا، تم فسح المجال امام أعداد كبيرة منهم للدخول الى سورية بحجة الجهاد من اجل إسقاط النظام هناك، وتم مدهم بالمال والسلاح وتسهيل نزوحهم بإعداد كبيرة الى الشرق وتغطية فعالياتهم الجهادية إعلامياً، حيث بدأت حرب ضروس طاحنة أحرقت الأخضر واليابس، تحت ذريعة تغيير النظام في سورية، شاركت فيها احزاب المعارضة وفصائل مسلحة تم الأعداد لها وتشكيلها في اوروبا وتركيا، بحيث هُجرت العوائل وعطلت التنمية الاقتصادية والبشرية وهدمت المدن ودمرت البنى التحتية والصناعة الناشئة في البلد.
وبعد ان أدرك المواطن السوري حجم المؤامرة التي تحاك ضده واتضحت له الصورة على مر الأيام والسنين وأخذ يتعاطى إيجابيا بعض الشيء مع هذه القضية، أدركت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الخطر الذي يهدد مشروعها في الشرق الأوسط، وعليه قامت بإدخال متشددين جدد من دول اوروبية الى الساحة بدعم بعض الدول العربية المعادية لنظام الأسد تحت مسميات “الخلافة الاسلامية” و” الدولة الاسلامية” – داعش –كجزء من القاعدة وأكثر مأساوية في التطرف الديني والعقائدي بحيث اصبحت سورية والعراق مناطق جذب لهؤلاء المتطرفين لاسباب معروفة للجميع.
فتجلت حقيقة الصدام في بلاد الشام بين ما يسمى بالدولة الاسلامية (داعش) والنظام في سورية وامتد الى العراق بدعم لوجستي غربي معلن. وبعد ان سقطت بيدها مدن عديدة وأخذت تهدد المصالح الغربية في الشرق ومن اجل العودة الى المنطقة بعد الانسحاب المؤلم من العراق وعدم ضمان المصالح التي دفعت دم ابنائها من اجلها، أخذت الولايات المتحدة تعد العدة للعودة الى المنطقة تحت ذريعة قتل هؤلاء الإسلاميين المتطرفين القادمين من الغرب ومن تعاطف معهم في الشرق تحت مسمى التحالف الدولي لمكافحة الارهاب مدعوماً من اكثر الدول في العالم … رغم ان ابناء العراق الغيارى هم ممن تصدى للدواعش ولقنهم دروساً في بعض القصبات والمدن للقضاء عليهم نهائياً في العراق … وهكذا بدأت صناعة الموت بوجهها القبيح الجديد ولا نعرف متى ستنتهي والى أين ستمضي بنا؟؟!!!