الدكتور زاحم محمد الشهيلي – الشمري
تعد الامراض النفسية من اخطر الآفات المرضية التي تفتك بالانسان، ولها تأثير مباشر وخطير على البنية الاجتماعية والتطور الحضاري للأمم والشعوب. ولذلك تعطي مجتمعات العالم الاول اهمية كبيرة لمعالجة المشاكل والامراض النفسية على مستوى الفرد والعائلة والمجتمع من خلال مختصين في الارشاد التربوي والامراض النفسية يعايشون الحالة مع المريض نفسياً حتى يجدوا الحلول المناسبة لمعالجته، لكي لا تترك الحالة النفسية المضطربة التي يعيشها الفرد ارهاصاتها وآثارها السلبية في منظومة البناء الانساني الصحيح للمجتمع.
حيث يكون الانسان عرضة للاصابة بالامراض النفسية الفتاكه نتيجة لعدة اسباب منها: (القهر الاجتماعي، والظلم، والحرمان، والتهميش، والملاحقة، والضياع، وعدم القدرة على اثبات الذات الانسانية في تحقيق الامال والتطلعات التي يسعى لتحقيقها كل فرد اجتماعي). وهذا الامر يولد لدى الشخص المصاب، رجلا كان ام امراة، خوفا كبيرا من المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وينظر الى الجميع بعين الريبة وعلى انهم اعداء يتربصون به دوائر السوء، مما يجعله يملي على نفسه الكثير من المحاذير الغير مبررة في كثير من الاحيان بتعامله مع الاخر، الامر الذي يجعله غير مؤهل فكرياً وثقافياً واجتماعياً للتعامل مع محيطه الانساني، من حيث تكون علاقاته وقراراته وتقييماته للاخرين تصورية غير منطقية مبنية على حقائق غير ملموسة اغلبها من نسج الخيال المريض لا تستحق الاهتمام والمتابعة. وينعكس هذا الحال سلبا على مسألة التنشأة الاجتماعية الصحيحة للعائلة اذا ما كان المصاب رب العائلة او الام او احد الابناء والبنات مثلا، او يكون ذلك المصاب صاحب قرار في تقييماته وادارته لمجموعة من الاعمال، أو حال كونه مشرعاً قانونياً او قاضياً … الخ، مما يؤثر سلبا على الاستقرار الاجتماعي الانساني واستمرار دوران عجلة التطور وزيادة الانتاج، حيث تعم فوضى البناء الحضاري المضطرب.
ومن الامراض الخطيرة التي يصاب بها الانسان نتيجة للاسباب سالفة الذكر هي (الكآبة، والحالة العصبية المتأزمة، والانفعالات النفسية، والاضطراب النفسي، والانطوائية، والعدوانية في التصرف، والحقد الاعمى غير المبرر، والتمرد على الذات والواقع، والفساد الاخلاقي والمعنوي والمادي)، والتي تفضي الى أهم مرض اذا ما تطورت ألا وهو “فصام الشخصية” وهو “اضظراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع”، والذي يولد الشك وعدم الثقة بالنفس و”فوبيا الخوف من الاخر” حسب تصورات مبنية على الوهم الذي لا يمت للواقع بصلة، نتيجة لتراكمات الخوف والحرمان التي مرت بها تلك الشخصية خلال مسيرة حياتها، حيث تتاثر سلبا حين تشعر انها اصبحت تمتلك شيئاً هو من حقها أو ليس من حقها فتحاول المحافظة عليه بشتى الطرق والوسائل، او احساسها بارتكاب جرم او اثم ستعاقب عليه عاجلا ام اجلا، حينها يحصل الاضطراب النفسي والتخبط في العلاقات واتخاذ القرارات لتصل الى اعلى مستوياتها، والتي تكون المصلحة الخاصة هدفها الاسمى والمصلحة العامة الهدف الادنى.
وتكمن المشكلة في المجتمعات الشرقية المنقسمة على ذاتها التي لا تعي خطورة هذه الامراض، ولا تعطي تلك الاهمية الكبيرة لمعالجة الحالات النفسية المضطربة لمواطنيها، ولذلك أضحى الامر عبئاً اجتماعياً كبيراً يثقل كاهل المواطن من عامة الناس، وعيباً لدى الكثيرين حين يراجع احدهم طبيباً نفسياً لمعالجة حالة نفسية معينة يعاني منها، خوفا من ان يتهم بالجنون والخرف من قبل الاخرين، مما جعل هذه الامراض تستشري بهدوء في النفوس والاجساد وعلى مستوى الطبقات الاجتماعية المختلفة حتى وصلت الى صاحب القرار والمشرع القانوني الذي اضحى يتخذ القرارات وينفذها على اساس ما تمليه عليه حالته النفسية المضطربة على الدوام بمنعزل عن القانون او محددات العرف الاجتماعي والاخلاقي.
وأمست المشكلة لا تكمن فقط في المريض نفسه وانما في الطبيب المعالج ايضا الذي يقوم بتقمص حالة المريض النفسية آملا في ايجاد طرق لعلاجه، الامر الذي جعل الناس ينظرون الى الاطباء النفسيين على انهم مجانين، متناسين ان فهم المشكلة هو نصف حلها، مما افسد وظيفتهم وجعل الكثيرين يتجنبون الدراسة في مجال الطب النفسي. وعليه فكيف لك ان تعالج حالات نفسية في مجتمعات فيها الانسان يعاني والطبيب متهم بالجنون!!!! وهذا يعني اننا يجب ان لا نستسلم الى هذه الحقيقة وانما نسعى الى ايجاد حلول تثقف المريض على ضرورة معالجة الحالات النفسية التي يمر بها من قبل الطبيب المختص دون عيب أو حرج من ناحية، وزرع الثقة في ذات الطبيب وترقية مكانته الاجتماعية ومهنته الانسانية من ناحية اخرى ، التي اذا ما ذاع صيتها وقبلها الناس دون حرج سنصنع مجتمعاً صحياً مثالياً خالي من العقد النفسية، يسوده الوئام والتعايش السلمي والتسامح الانساني بعيدا عن أجواء الامراض النفسية المسماة ” شيزوفرينيا “!!!