إيناس البدران
الصمت يحكي الكثير .. قد نحتاج لبعض الضوضاء لاسكاته ، والاقدار تختارنا لاكثر الادوار غرابة دون ان تتيح لنا فرصة لرفض او حتى اعتراض ، هكذا نجد انفسنا محشورين قطعا في لعبة شطرنج مفترضة تحركها يد مجهولة تجمعها تبعثرها تدنيها تقصيها فيما نرمقها نحن بعيون ذاهلة ، لعبة لاغالب فيها ولا مغلوب فقط تستنزف دماء القلب لتعيدنا في كل مرة الى خط البداية .
وإعلمي اننا بعد كل هذا يصعب علينا ان نتعظ ، فكوننا بشرا يعطينا العذر لتكرار ذات الاخطاء مدفوعين بأمل ساذج مكابر كالسائر معصوب العينين على حبل مشدود فوق هاوية . ولأن الأمل آخر شيء يموت نظل نحاول ونحاول او حتى نراوح ذلك ان التوقف ما هو الا الاختيار الذي يسبق الموت .
ليس من السهل ان تكوني امرأة في عالم يعج بالفوضى والرجال.. عالم لايعترف بغير القوة مفتاحا لمغاليقه ، ليس في مواقيته متسع لتأمل الجمال او لاحتضان الحياة . هكذا تدركين قبل الاوان انك قارورة وسط جلف الجلاميد .. يمامة تشاطر عشا هزيلا هشّا كواسر الطيور في عالم صنع امجادا زائفة من جماجم خرساء وشيّد مسلات من احجار اعدت خصيصا للرجم ، عالم ظل يسن السنة وسكاكين من جحيم بانتظار زلة .. زلة واحدة .
لهذا وسواه اخترت ان اكون .. حفنة ماء ، بضع قطرات تتسرب عند اللزوم من بين قبضات الاصابع ، تتسلل خلل الصخور الصماء فتتشربها ذرات تراب الارض وترتوي بها جذور الشجر ، تسمق مع اغصانها تتسامى من بين مسامها لتستحيل غيمة في الفضاء كشمعدان .
لعله اصاب كبد الحقيقة ذلك القائل ” ان قلب امرأة واحدة يرى اكثر من عيون عشرة رجال ” فأي عين مهما بلغ افقها ومداها تستطيع ان ترى ما تراه غيمة في السماء ؟؟ .. سحابة اثيرية محلقة خارج حدود الارض الزمكانية واملائاتها الفجّة بمحدداتها المبتذلة وخساراتها الفاجعة المرتبة على وفق ابجدية الالم .
أجل اخترت الماء لأن القوارير مآلها الى التصدع والتهشم تهميشا او من قساوة وفضاضة او حتى لمسة شرعية تستبيح سلامها !! .. اخترته لأنه يسكن العيون ، يروي يباس الروح وشرايين القلب ويكتنز به الضرع ، تسكبه الغيوم ضياء قزحيا صافيا صاخبا فتهتز له الارض وتخرج من كل زوج بهيج . ورغم الوأد الذي عشّش في النفوس على مر العصور مازال لنا بصيص من ارادة ظللنا نتناقلها كالنبوءة اصبح معهابمقدورنا ان نمتلك شيئا من نعمة الاختيار ، ولأن الاخرين هم الجحيم وهم النعيم ايضا فاختاري على قدر استطاعتك جنتك وجحيمك وبعض النار افضل من جنان يضيع فيها صوتك وتكبل ارادتك بسلاسل الذهب .
مازال امامك الكثير لتتعلميه وتتقنيه كيما تظلي على قيد الحياة في عالم يسير الهوينا فوق خرائبه متعكزا على اكثر الحجج غرابة وغباء ، مثلا النساء يغريهن عذب الكلام وزخرف الوعود، وشيء كهذا لايصدر في الغالب الا عن فم كذوب !! .. هن يعشقن الجمال لدرجة انهن يؤرخن اعمارهن به ، ولهن توقيتاتهن ومواسمهن التي لاعلاقة لها برزنامات اي عام جديد ، ولهن طقوسهن وقدسية احلامهن التي يجب ان لا تنتهك بأي من شطط او ابتذال او تسرّع يصوّر السراب للضمآن ماء .. وإعلمي ان هناك اشياء بعينها تفقد الكثير من سحرها بمجرد الاقتراب منها اكثر مما يجب كالقمر وكواكب الشمس والنساء .
حين تتفتحين كزهرة ستحلمين احلاما باذخة الجمال كقوس قزح ، عذبة كأنفاس الوليد نقية نقاء سريرتك وسترسمين لها خارطة طريق تسلكيه رغم وعورته مستهدية ببوصلتك بصبر وحب جبلت عليهما بفطرتك .. وذات يوم غير بعيد ستدركين انك غادرت منطقة الحلم الى مرحلة ايقاد الشمع لتصبحي انت نفسك شمعة نارها فوق رأسها ونورها يضيء للأخرين الطريق ، إعلمي ان لابأس في هذا ولكن اياك ان توقدي شمعتك من طرفيها .
ستمر بك اوقات تشعرين فيها انك وحدك تماما بمواجهة الريح .. عندها يتحتم عليك الاستعداد للاسوأ لخريف يعد الكل فيه عدته للرحيل ، ليغادروك وأنت في اضعف حالاتك .. رحلة شاقة كما ترين انما لابد منها كيما تصلي .. اليك .
أوه لا ادري لماذا اقف منك في كل مرة موقف الناصح ربما لهول ما لاقيت ولطول ما تعثرت وتخبطت في متاهات الطريق ، إذ ليس من السهل ان تكوني امرأة في عالم كهذا . لعلك تتساءلين كيف السبيل الى مبتغاي وقدري قدر طائر راغب في التحليق وليس له من متاع الدنيا الا جناح ؟؟ .
لا املك اجوبة لكل الاسئلة ولكن حين يعجز العقل عن الاختيار فلا مناص حينها من اتباع حدسك وما يراه قلبك فقلب امرأة واحدة يرى افضل من عيون عشرة رجال .. آه يا إبنتي المسكينة للاقدار سطوتها وسلطانها واملاءاتها التي لاترد والتي لانملك ازاءها الا الانصياع ولعل اكثرها رأفة اني .. لم ارزق بك .