شبعَ العَسَل ليتجَرَّعَ البَصَل
بروكسيل : مصطفى منيغ
اعْتَقَدَها من العَجَائِب ، أن يكونَ الشعب له مُراقِب ، ولم يفطن إلاَّ والنتائج تُنقله لحالٍ مُرعِبٍ غير مُناسِب ، كان عليه بالبَعيدِ الغَريب بلغة الاطمئنان لأقرب المُقَرَّبين إليه مُخاطِب ، مُعْرِباً بما قضاه مُلازِماً خدمة كبراء الدولة أنَّ الفوزَ له بالولاية الثالثة مُصاحِب ، المؤشر يلْغِي تكهنات مُعارضي الدَّاخل الطامعين كانوا في بعض المناصب ، يَستطْرِدُ مُدَغْدِغاً أحلامه بما شابَه ذاك الرَّاغِب ، في تقديمِ سِلسلةٍ من التنازلات الأُُخْرى ولو بإشارةٍ غير مباشرةٍ مِن نفس الطَّالِب ، مُستعداً أن يَحلِق الذّّقن بالكامل المُهم أن يبقََى بنفس النُّفوذ كاتِب ، للحكومةِ جداول أعمالها المكيََّفة بتعليماتٍ النَّظر في شأنها مهما كانت مضامينها بالأمر الصَّائِب ، لكن الثامن من سبتمبر الحالي يصبغ زجاج شرفة مكتبه بالأسود الغاضِب ، فما أبصر غير ظلام يستنجد بنورٍ لكنَّ الأخيرَ يردُّه خائِب ، إذ استرجَع الشعب قبسه ولن ينفعه اليوم إلاَّ أخْذ آخر كوب من العَسَل ليتجرَّعَ بعده (سياسياً) عصير البصل المر مهما كان الجانِب ، فجاء خروجه مزدوجاً من رئاسة الحكومة ومن رئاسة الحزب كأفضل إجراء كتب عن خيبته تاريخ الأحزاب السياسية لصقل الأتي من المواهِب ، حتى َّتبتعد عن تحمُّسها لتقليد بعض أصحاب أللحيّ (من ذات الحزب) ألمتفاوتي المراتِب ، من المطبعّين مع إسرائيل إلى المتساهلين مع “القنب الهندي” إلى الموافقين (عن استسلام مكشوف) على سلسلةٍ من الغرائِب ، كرؤيتهم المباشرة للأجساد البشرية وهي تتمرَّغ بين الطرقات من فرط تنفيذ مصيبة المصائِب ، الضرب بغير رحمة والتنكيل بدون حشمة بغير اكتراث إن أعلمَ الحاضر الغائب . عشر سنوات وأغلبية المواطنين ينتظرون من ذاك الحزب أنجاز ما وعد به من إصلاحات ، فلا كانت ولا حصلت إلاَّ بمزيد من التراجعات ، التي قابلها المتضررون بالمشروع من النِّضالات ، غالبها صامتة وأخرى شبه علانية باءت بنكبات ، وقعت عليهم بما أجبرهم على الانزواء لساعة كان مطلعها الثامن من سبتمبر 2021 ، سنوات عشرة والعاطِل كالعامِل كالموظَّف كالحِرفي تشملهم معاناة غلاء المعيشة وتحديات العيش ، والحزب نسي أن الإسلام الذي اتَّخذَه مطيَّة لينجح بتفوُّق غير مسبوق ، يأمر بالمساواة بين العباد ومنحهم ما يستحقونه من حقوق كحق وليس مِنَّة من أحد ، بل يلزم أن يكون المسلم حراً في وطن الحرية الحقيقية القائمة معه بما يجب كواجب ، حفاظا على كرامته وشرفه وعرضه ، لكن للأسف بدأ الحزب نفسه خلال الولاية الثانية بالخصوص يتصرَّف وكأنه بدَّل جلبابه المتواضع عن إيمان ، الزكي الرائحة الناصع البياض ، بهندام مهما بَدَا غاليا ، رائحته أبعد ما تكون عن المغربية الطيِّبة الأصل .
… ظاهرة انتخابات الثامن من سبتمبر الحالي حرّمت اللعب مع الشعب، من لدن حزب افرغ نفسه من الهدف الذي تأسَّس من أجل وصوله إسلامي الصفات جوهره كمظهره لكل المشروعة من الغايات ، فأراد أن يعكر صفو مرجعيته الواضحة المعالم بإضافات لا هي من الإسلام في شيء ، ولا تصلح بتاتاً إلا لخدمة “قلة” بما فيها الأمين العام المستقيل الذي يرجع له الفضل في تشتيت من مثَّلوا واجهة تعكس التعايش مع الحداثة في حدود المباح ، مع ترسيخ التجديد بالإصلاح ، والتشبّث مهما كانت المَقامات بقيم التقوَى و الفلاح ، بعيداً عن أي نوع من انبطاح . طالما توصَّل رئيس الحزب بما شكلّ النُّصح البين عساه يتراجع ، ومن قول “نعم” (حتى وإن كانت في غير محلّها) يشبع ، لكنه امتنع وتمنَّع ، ولغير حكماء الحزب خضع . الكثير من الأطر رحلت حينما علمت ، بل أسماء وازنة ابتعدت حالما تيقنت أن الأمر قُُضِيَ والهزيمة ستكون من عشرة أصناف قابلة في مثل الكتابات الموضوعية للوصف ، إن أردنا مكاشفة الجميع بما يحدث في المغرب المجهول عمقه وبخاصة في شأن التدبير السيادي الذي يجعل من الحكومة مقيدة بشروط البقاء مؤدية دورا محدوداً يعكس قوة الدولة ونفوذها الحقيقي غير المعروف في الغالب .
… الحكومة تأتي بوجودها رغبة الشعب المغربي بواسطة انتخابات مهما كانت النسبة المُشارٍكة المسموح لها قانونا لضمان نتائجها في اختيار الأحزاب المؤهلة لتدبير الشأن العام الوطني لتكون انطلاقاً من نفوذها ممثلة كالبرلمان لنفس الشعب. أما الدولة ففوق الحكومة وما تطَّلع به الأخيرة من مسؤوليات التنفيذ الإداري العمومي ، وما تمثله كمنبثقة عن انتخابات الشعب لها مهما كانت نسبة المُشارَكة كما أشرنا إلى ذلك ، تبقَى كمؤسسة قابلة للتغيير كل خمس سنوات ، أو قبلها إن حدث ما يتطلَّب إيقافها عند حدٍ معيَّن تفرزه حالة من الاضطراب غير المسموح به أصلا . الحكومة تملك ما خصّه بها كحقوق وواجبات دستور سنة 2011 ، لكنها عاجزة ظلَّت عن ممارسة ما أنشِئت من أجل ممارسته مهما كان مستوى تدخلها في شأنه ، ليصل الذروة في عهد حزب العدالة والتنمية الذي فقد بالتدرُّج ثقة أغلبية الشعب ألمغربي ، الذي وقف على حقيقة تتحدث بالواضح وليس المرموز أنَّ حكومةَ “العثماني” تجاهلت بالكامل وبغير تردُّد ، أنها تمثّل الشعب المغربي جملة وتفصيلاً ، لذا المتحدثين عن تزوير انتخابات 8 سبتمبر بعدم توصلهم بالمحاضر ، العائد إليها تفسير ما وقع داخل مكاتب التصويت ، إنما لتبرير أشرس هزيمة تلقاها حزب سياسي في التاريخ ، الهزيمة التي تُرجمت في بعض جهات المغرب ، أنها مناسبة يجب الاحتفال بها من طرف شعب مهما كانت نسبته ، لم يعد يقبل مَن يلعب معه حزباً سياسياً . (للمقال صلة)