شبح الدولة بين الحظر الأمني والحجر الصحي
في مواجهة سياسة التقشف الحكومية
وزير المالية يفشي سر حكومة الكاظمي حول التخلص من الأزمة الاقتصادية وليس حلها.
من ينظر الى الاجراءات الحكومية تجاه فيروس كورونا من خارج العراق، يستنتج دون عناء بأن هذه الحكومة ماضية في سياستها اسوة ببقية عدد كبير من دول العالم بأنها جادة في احتواء هذا الوباء وتضع في حساباتها صحة المواطن أو الإنسان بشكل عام. الا ان هذه اللوحة تبدو معاكسة اذا كنت داخل العراق، وستجد كم أن هذه اللوحة مخادعة ومضللة ولا تمت بأية صلة للحقيقة، وليس هذا فحسب بل ان تلك اللوحة لا تكشف عن ما خفي، فهو اعظم. فالحكومة الجديدة برئاسة الكاظمي تعد العدة لاستغلال هول صدمة كورونا في العراق وتفشيه الواسع الذي صعد من نسبة الإصابات والوفيات بشكل مريع، لتمرير سياستها التقشفية، كما أعلن وزير ماليتها علي علاوي في مقابلة مع (فرانس برس) يوم ٢٣ حزيران، بأن على ٤٠ مليون عراقي عليه أن تتحمل سياسة تقشفية لمدة ((عامين)) كي تتم معالجة الأمور.
السؤال البسيط والذي يطرح هنا، هو لماذا لم يدلي وزير المالية بهذا التصريح من قبل، أي قبل تفشي هذا الوباء؟ ولماذا تزامنت هذه التصريحات مع انتشار الوباء مثل انتشار النار في الهشيم؟ وأكثر من ذلك فأن كل حكومة جديدة تأتي وتلقي بوزر الازمة الاقتصادية على الحكومة التي كانت قبلها، وتدعي انها استلمت الخزينة فارغة. وإذا كانت كذلك فلماذا اذن تتحمل المسؤولية وترفع من حجم ومساحة مزايداتها السياسية وتعلن ان في سلم أولوياتها حل الازمة الاقتصادية والمالية، وهذا النهج ابتدأ بحكومة العبادي ومرورا بعبد المهدي وانتهاءً بالكاظمي!
وكي نربط تزامن تلك التصريحات مع تفشي الوباء، فعلينا العودة الى سياسة أو خطة الحكومة سواء الحالية او التي قبلها تجاه فيروس كورونا. ولا بد من التنويه باننا نستخدم مقولة (الحكومة) ولا نقول (الدولة) لأنه ليس هناك في العراق اية دولة كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، وبغض النظر عن ماهيتها الطبقية، ونقصد غياب الدولة بالمعنى القانوني والأمني والصحي والاقتصادي والاجتماعي.
ان أقل ما يقال عن سياسة الحجر الصحي الحكومية بأنها مهزلة، وهي لا تعبر إلا عن سياسة مرتبكة تغيب فيها اية خطة واضحة لاحتواء الوباء، ومحاولة لإرضاء الضمير والافلات من الضغط العالمي، وبنفس القدر فإنها تعبر عن غياب كلي للدولة التي لم يبقى سوى شبحها، وهو عبارة عن عدد من نقاط التفتيش والكتل الكونكريتية التي تقطع الطرق الرئيسية والمنافذ الى المناطق والاحياء. ألا إن من يتجول في تلك الأحياء فحدث ولا حرج، فلا كمامات، ولا تباعد اجتماعي، ولا معقمات، ولا منع للتجمعات. هذا ناهيك عن وضع المستشفيات سواء على صعيد استقبال المصابين او الفحص او حجم الاستيعاب او تقديم العلاجات التي اقل ما يوصف بكارثة محدقة.
وليس هذا فحسب ولكي يخفي المسؤولين في الحكومة الجديدة فشل سياستها تجاه احتواء الوباء، وتنصلها من مسؤوليتها تجاه المجتمع، فهي تلقي باللوم على عاتق المواطن بسبب تفشي الوباء وتبرر ذلك بعدم الالتزام بتوجيهات وزارة الصحة وعدم وعيه بخطورة الفيروس.
قد تحمل هذه التصريحات في الظاهر شيئا من الحقيقة، ولكن من حيث المحتوى فهي مجافية للواقع الذي ادى بالمواطن الى الحالة التي يتحدث عنها اولئك المسؤولين. وإذا ما أوضحنا أكثر فالحقيقة هي غياب خطة سياسة واضحة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والصحي لاحتواء الوباء من قبل الحكومة.
ان غالبية الشعب العراقي يؤمن اليوم بحقيقة وجود فيروس كورونا وخطورته المميتة، إلا ان مجمل الوضع الاقتصادي من بطالة سرطانية وتدهور الوضع المعاشي لعموم جماهير العراق بعد عملية ما سمي بالحجر الصحي، هو الذي أوصل الإنسان إلى مرحلة عدم الاكتراث وعدم المبالاة، بحيث دفعه أن يضرب كل شيء عرض الحائط بما فيه حياته. اي بعبارة اخرى ان سلطة الاسلام السياسي الشيعي بالدرجة الاولى وكل الطبقة السياسية الحاكمة في العراق بما فيها العناصر الحكومية اليوم هي من اوصلت جماهير العراق الى عدم الاكتراث بحياتها وهي من تتحمل المسؤولية لما آلت اليه الاوضاع الحالية.
إن التغلب على فيروس كورونا لا يتم عبر قطع الطرق الرئيسية الذي أصبح مهزلة تضاف الى بقية مهازل الحكومات العراقية المتعاقبة، بل يتم وقبل كل شيء توفير الحد الادنى من معيشة الجماهير. ان جميع الارقام والاحصائيات الطبية والحقائق العلمية أثبتت ان مناعة الجسم هو الخط الدفاعي الرئيسي بوجه الفيروس، وهذا مرتبط بنوع التغذية ونمط الحياة الذي يعيشه الإنسان. وهذا يعني أن مناعة الجسم تعتمد على التغذية الجيدة التي توفر الفيتامينات والمعادن للجسم البشري، وأن يكون الإنسان بعيدا عن الضغوطات والتوترات العصبية، واساس هذين المسألتين هو الأمان اقتصادي. وهذا يعني أنه عندما تعيش الاغلبية المطلقة للجماهير في فقر مدقع وعوز والخوف من الغد، فهل سيجد فيروس كورونا مكان أفضل واستقبال مليء بالحفاوة مثلما سيجده في المناطق الفقيرة، حيث يعتبر العراق هو من الأماكن المفضلة للسياحة لدى كورونا.
ان حكومة الكاظمي التي دشنت عهدها مثل سابقاتها بالكذب، تحاول ذر الرماد في العيون من خلال القول بأن من اولوياتها هي الاقتصاد واحتواء كورونا. ففي الحقيقة ومن تصريحات وزير ماليته فإن خطة الحكومة تكمن في القاء المسؤولية على كاهل الجماهير العمالية والكادحة في العراق.
ان سياسة نشر الرعب وعدم الشعور بالأمان بسبب مرض كورونا هي وراء تصريحات علي علاوي وزير مالية الكاظمي. فالحكومة تحاول وعبر (نظرية الصدمة) ــ التي تحدثت عنها الصحفية الكندية نعومي كلاين في كتابها حول سياسة الليبرالية الجديدة التي مفادها استثمر الأموال طالما الدماء لم تجف بعد في الشوارع ــ تمرير سياستها التقشفية ولمدة عامين، وكأن سبعة عشر عام منذ الاحتلال لم تكفي، وتريد المزيد من الوقت لشد الاحزمة على البطون.
ان حل هذه الازمة كما طرحناه هو في ورقة الحزب الشيوعي العمالي العراقي وفي برنامج العمل الوطني في مواجهة فيروس كورونا ايضا حول انخفاض أسعار النفط والأزمة الاقتصادية جراء وباء كورونا، الا أن هذه الحكومة مثل سابقتها لن تتمكن من حل لا ازمة كورونا ولا الازمة الاقتصادية، لأنها وببساطة لا تريد ذلك وغير مستعدة سوى لإطلاق الجعجعات الاعلامية والمناورات السياسية بينما تعد العدة لشن هجمة جديدة على معيشة وسلامة وصحة العمال والطبقة المحرومة من جماهير العراق.
واخيرا نقول بأن هذه الحكومة لن تستطع الإفلات من محاسبتها بواسطة الجماهير مهما طال زمن كورونا، فهي اي هذه الحكومة جاءت على أكتاف انتفاضة اكتوبر، وان شعلة الانتفاضة خفتت ولكنها لم تنطفئ، وان المساواة والحرية لن تأتي عبر هذه الجماعات او الترهات حول السيادة الوطنية التي صم بها السيد الكاظمي آذاننا واعمى بها عيوننا، بينما سادة الدولة الفاشية في تركية والجمهورية الاسلامية في ايران تصول وتجول وتقتنص ما طاب لها من معارضة سياسية ومدنيين في مناطق كردستان العراق. أن عمر الإنسان في العراق لم يبق منه سنوات أخرى كي يسرقها هؤلاء اللصوص والفاسدين.