سَاعَةٌ مِنْ لَيْل
شعر / سامي أبوبدر _ مصر
مَاذا أَقُولُ وقدْ هَوَى بُنياني
والآهُ مِنْ بينِ الورَى تَغْشاني؟!
قلبي يَئِنُ وما أَصَبْتُ دَواءَهُ
وتَماسَكَتْ إذْ ما تَئِنُ بَناني
فَلَكَمْ تَخُطُّ من السُّطورِ جَريحةً
ترثي بها عُمرًا بلا عُنوانِ
والدَّهرُ صَوَّبَ سَهْمَهُ مُتعَمِّدًا
قلبي ، ولَمَّا قد ضَعُفْتُ رَماني
مِنْ كُلِّ لَوْنٍ لِلجراحِ يُذيقُني
وبكلِّ كَأْسٍ للهُمومِ سَقاني
لَوْ يَشْعرُ الحَجَرُ الأَصَمُّ بِحُرْقَتي
لَتَحَرَّكَتْ أَحْشَاؤُهُ وَبَكاني
مَنْ لِي بَهَذِي البِيدِ يُؤْنِسُ وَحْشَتي
ويَصُبُّ في قَلبي مِنَ الرَّيَّانِ؟
الكَائناتُ تَشَابَهَتْ في ناظِرِي
حتى كَأنّي قد صُلِبْتُ مَكاني
وتوقّفَتْ بيَدِي عَقاَرِبُ سَاعَتي
والأرضُ لا تَهْفُو إلى الدّوَرانِ
والليلُ يَعْجزُ عن بُلوغِ نَهارِهِ
فالصبحُ أَبْعَدُ من مَنالٍ دَانِ
وظلامُ هذا الليلِ يَحْجُبُ رُؤيتي
فكأنَّهُ سِجْنٌ بلا قُضْبانِ
لكنّهُ كَشَفَ العَنانَ لخاطري
لِيَدُورَ فوقَ مَشاعرِ الوِجدانِ
فأَراهُ يَسْبحُ في الفضاءِ ولو دَنَا
مِنِّي لَعَايَنَ ثَورةً بِكَياني
ثارَتْ تُحَدِّثُ ما بِهِ لكنَّها
لم تَلْقَ إلا وَحْشَةَ الوُدْيَانِ
تُلْقِي حديثَ الرُّعْبِ في نفسي ولَمْ
تَرْفَقْ بحالِ فُؤادِيَ اللهْفانِ
لَمَّا سألْتُ عنِ الأحبَّةِ أَيْنَ هُمْ؟
إِنِّي أَتُوقُ لِرؤيةِ الْخِلانِ
قالتْ وكيفَ لنَا بِهمْ يا صَاحبي؟!
أَخْطَأْتَ فينا سَاحةَ الإحسانِ
وطُمُوحُكَ المهْزُومُ أن تَلْقاهُمُ
يا صاحبي ضَرْبٌ من الْهَذَيَانِ
فرَجَعْـتُ مَطْعـونًا بِخِنْجَرِ وَحْدَتي
أَبْكي وأَرْقُبُ شَافيًا لِطِعَاني
هَمَسَ السُّكونُ بخاطري أولا تَرَى
أنَّ الشِّفاءَ بروضَةِ القُرْآنِ؟
أَسرعْتُ مدفوعًا بلهفةِ ظامئٍ
وبدأتُ أَقرأُ سُورةَ (الرَّحْمَنِ)
فرأيتُني في جَنّةٍ قد أَنْبتَتْ
نَخْلاً وفاحَتْ نَسْمَةُ الرَّيْحانِ
ورأيـتُني حُــرًّا وأَمْـرحُ لاهِـيًا
وَسطَ الرُّبَا وتَمايُلِ الأفنانِ
وأَرَى الجَوارِي الْمُنْشئاتِ جَرَى بِها
في البحْرِ سِرٌّ طالَما أَعْيَاني
وبِمُلْتقَى البحْرَينِ قَاعٌ زاخِرٌ
باللؤلؤِ المكنُونِ والْمَرْجَانِ
وعلى الشُّطوطِ مَلاعِبُ الغِلمانِ قدْ
حُفَّتْ بنُورِ مَلائِكٍ وحِسَانِ
وبَصُرْتُ عن جَنْبٍ بَنِيَّ فَهاهُما
قَصَدَا أمَامي مَرْتَعَ الغِلْمانِ
وعلَى جبينِهِما ابْتِسَامةُ آَمِلٍ
وبَرَاءةُ الأَطفالِ تَلْتَقِيانِ
تَنْسابُ من بينِ الأناملِ فيهِما
شِيَمُ المكارمِ … صُورةٌ ومَعَانِ
(عُمَرٌ) يُقَبِّلُ مِن (أُسَامَةَ) رَأْسَهُ
سُبْحانَ مَنْ حَلَّاهُما بِحَنَانِ
هَلا تَعَلَّمَ مِنْ صَغِيرِي عَالَمٌ
أَمْسَى يُعانِي جَفْوَةَ الإِخْوانِ
وأَرَاكِ يا أُمَّاهُ قَلْبُكِ دَامِعٌ
وتُسَائِلينَ الْخَلقَ عن عُنْواني
هُمْ يَعلمُونَ وأنتِ أَعْلَمُ مِنْهُمُ
أَنِّي نَزلتُ منازلَ الحِرْمانِ
لا شيءَ أَأْلَفُهُ فيألَفُني هُنا
فأَنَا وهَذا الوضعُ مُختلِفانِ
لكنَّهُ قَدَرُ الإلهِ وحُكْمُهُ
أَنَّا إلى المجْهُولِ مُفْترِقَانِ
ويَدُ النَّوَى راحَتْ تُشتِّتُ شَمْلَنا
وتَحُولُ بينَ الفُلْكِ والرُّبَّانِ
فتَقاسَمَتْنا لَوْعَةٌ مِنْ فِعْلِها
وغَدَتْ تُهدِّدُ عِصْمَةَ البُنْيانِ
وتَمزَّقَتْ أَوْصَالُنا وتَباعَدَتْ
والصَّرْحُ باتَ مُهَلْهَلَ الأركان
فَسَلي الأحبَّةَ كيفَ كان صَبَاحُهمْ
في (العِيدِ) حينَ أَصَابَهم فُقْداني
كيفَ اسْتطابوا العيدَ مِنْ دُوني؟ ومَنْ
في (مَجْلِسِ الإفطارِ) حَلَّ مَكَاني؟
أَمْ كيفَ طابَ طعامُهم وشَرابُهم؟!
أَوَلا يَدورُ بِخُلْدِهِم حِرمَاني؟!
ومَنِ الذي أُمَّاهُ قامَ مُصافِحًا
ومُهَنّـئًا للصَّحبِ والجِيرانِ؟
وسَلِي العُيونَ ورَقْرَقاتِ دُمُوعِها
وهَلِ اسْتباحتْ لَحظةً نِسْياني؟!
وأَنَا الغريبُ فلَيْسَ يَعرِفُني هُنا
إلا أوامِرُ جَيْشِنا الْمَيداني
أَنَا لَنْ أَفَسِّرَ فيهِ قَوْلاً إِنَّني
أَخْشَى انتـقامًا منْ فَصِيحِ بَياني
ولَذَاكَ خَيرٌ مِنْ كتابةِ أَحْرُفٍ
تَمضِي بِصَاحِبِها إلى الخُذْلانِ
أَسْرارُه تَبقَى أَسِيرةَ خَاطري
وأَخُونُ إن هَمَسَتْ بِها الشَّفَتانِ
فأَنَا أَصُونُ العَهْدَ ، والقَسَمَ الذي
أَقْسَمْتُ أَنْ أَرْعَى حِمَى الأوطانِ
جَيشُ العُبورِ إذا يُنَادِي لِلفِدَا
أَمْضِي أُجيبُ نِدَاءَهُ بِتَفَانِ
هُوَ حِصْنُ إسلامي ودِرعُ عُروبتي
ويَرُدُّ عَنّا بَطْشَةَ العُدْوانِ
وبِخَيرِ أَجْنادِ البَريّةِ سابقٌ
في سَاحةِ النُّبلاءِ والفُرْسَانِ
سَنَظَلُّ جُندَ الحقِّ في مَيدانِهِ
نَغْزُو فنَصْرَعُ هامَةَ الطُّغيانِ
فَهُنا أَرَانَا لا يَنامُ سِلاحُنا
والفَخرُ والإيمانُ يَمْتَزِجانِ
قدْ بِتُّ أَحْرُسُ في سبيلِ اللهِ في
شَرَفٍ أُغازِلُ صَرْحَهُ وعَسَاني
ولأَنَّني أَهْفُو لِوعْدِ مُحَمّدٍ
بَاعَدتُّ بينَ النومِ والأجْفانِ
فالنّارُ إنْ حَمِيَتْ وحَمَّ سَعيرُها
أَمِنَتْ هُنالكَ وارْتَضَتْ عَيْنانِ
حَسْبي هُنا أَنِّي أَتَيْتُ بِنِيَّةٍ
تَصْبُو إلى فَضْلٍ مِنَ الْمَنَّانِ
وإذا العِبادُ تَآَلَفَتْ نِيَّاتُهم
والدِّينُ ، ذابَتْ حُرْقَةُ الأحزانِ
فيهِ شِفاءُ النفسِ من هَمٍّ بِها
وبهِ تَتِمُّ نَضَارةُ الأَبدانِ
ولَهُ اسْتقامَ الكَوْنُ يطلبُ مَخْرَجًا
للناسِ مِنْ مُسْتَنقَعِ الأَوثانِ
فترَاهُ بالشَّرعِ الحكيمِ وفضلِهِ
يَسْمُو بِهمْ في واحةِ الإيمانِ
ويصُونُهمْ بالوَحْي مِنْ وَحْلِ الهوَى
واللَّهُ يَمْنَحُهمْ مِنَ الغُفْرانِ
فيُقابلُ الذَّنبَ العظيمَ بتوبةٍ
ويقابلُ الإحسَانَ بالإحسَانِ
لكنني بَشَرٌ وقلبي مُثْقَلٌ
ويَدُورُ في فَلَكٍ مِنَ الأشْجانِ
ورأيتُني أَمْسَى يُؤَرِّقُ مَضْجَعي
هَمٌّ يَنُوءُ بِحَمْلِهِ الثَّقَلانِ
لَمَّا رأيْتُ حَبِيبتي مَكْلومَةً
والكَوْنُ يَبْكيها بِدَمْعٍ قَانِي
مِصْرَ التي كانتْ جَوَادًا طامِحًا
مُتَحَرِّرًا مِنْ فَارِسٍ وعِنانِ
كانتْ تُسَطِّرُ لِلْوجُودِ حَضارةً
في العلمِ والأخْلاقِ والعُمْرانِ
والله زكّاها فأَحْسَنَ ذِكْرَها
أُمَّ البلادِ ودُرَّةَ الأَزْمانِ
باتتْ أَسِيرةَ جُرحِها وأَنِينِها
وإذا بِها في الحَادِثاتِ تُعاني
ومُصِيبةُ الأَوطانِ جُرْحٌ غَائِرٌ
ومُصِيبتي فيها لَجُرْحٌ ثَانِ
مَنْ لِلْجَوَادِ يُجِيرُهُ مِنْ كَبْوَةٍ
عَصَفَتْ بِهِ في غَيْهَبِ التَيَهَانِ؟
مَنْ لِلْبلادِ يَقُودُهُ عِشْقٌ لَها؟
والعِشْقُ يَسْمُو في هَوَى الأَوطانِ
إِني نَهَلْتُ العِشقَ لِلأوطانِ مِنْ
هَدْيِ الكتابِ وسِيرَةِ العَدْنانِ
في فِتيْةٍ قَامُوا إلى غَسَقِ الدُّجَى
يَتَنافَسونَ الدِّينَ بالأَيْمانِ
يُحْيُونُ مَوْتَ ظلامهِ وسُكونِهِ
بنوافلِ الصلواتِ ، والقُرآنِ
ومعَ الصباحِ تَراهُمُ يَسْعَوْنَ في
أَمَلٍ يُسابِقُ سُرعةَ الرُّكْبانِ
هُمْ ثُلَّةٌ عَشقَوا الحياةَ لأَنَّها
سَبَبٌ ومَرْكَبُهُمْ إلى الرَّحْمَانِ
فهُوَ الذي خَلَقَ الحيَاةَ جَميلةً
وهو الذي مِن أَجْلِها أَحْياني
طَرَقَتْ على أُذُنِي هُنالِكَ بَغْتةً
أصْواتُ أقدامٍ فقُلْتُ لِجَانِ
والجنُّ ويْلٌ من فِعالِ شِرارِهم
إِنْ هُمْ أَرَادُوا السُّوءَ بالإنسانِ
واسْتَيْقظَتْ فِيَّ الجَوارحُ رَهْبَةً
مَنْ ذا الذي اسْترَقَتْ خُطاهُ أَماني؟!
وتَصَلَّبتْ فِيَّ النَّوَابِضُ كُلُّها
مَاذا – وكُنْتُ الْمُطمَئِنَ – دَهَاني؟!
يَدْنُو فيَدْنُو الخَوفُ في خُطُواتِهِ
وانْسَابَ يَلْهَجُ بالدُّعاءِ لِسَاني
رُحْمَاكَ ربي إِنَّما هِيَ نَفْحَةٌ
أَنْجُو بها مِنْ بُغْيةِ الشيطانِ
لولا اكْتساءُ النفسِ مِن أسرارِها
لانْهَارَ في الرَّيْبِ الْمُخِيفِ جَناني
وإذا بهِ بَشَرٌ فقلتُ أَيَا تُرَى
أَمُبَشِّرٌ هُوَ؟ أَمْ نَذِيرُ هَوانِ؟!
أَلْقَى التّحيّةَ ثُمَّ قال: أَيَا أَخي
لا تأْخُذنَّكَ رَوْعَةُ الحَيْرانِ
دَعْ يا أَخِي عنْكَ الْمَخَاوِفَ إِنّها
لا تَصْحَبَنَّ مُرَتِّلَ القُرآنِ
وامْنَحْ فُؤادَكَ ما يُهَدِّئُ رَوْعَهُ
والْجَأْ لِرَبٍّ واهبٍ مَنَّانِ
إنْ كُنتَ قدْ أََيْقَنْتَ أَنَّ عَطاءَهُ
لِلْمَرءِ مَقْدُورٌ على الميزانِ
فَلْتطمئنْ لِحُكمهِ واخْضَعْ لَهُ
فالنَّاسُ عندَ قضَائِهِ صِنْفانِ
فيَنالُ مَنْ يَرضَى .. الثوابَ وحُسْنَهُ
ويَبُوءُ مَنْ لم يَرْضَ بالخُسْرانِ
فَرَضِيتُ غَيرَ مُعَقِّبٍ لِحَدِيثهِ
وعَلِمْتُ أَنَّ الفَوزَ في إِذْعاني
إذْ بالقُيودِ الآَسِرَاتِ تَكَسَّرَتْ
وسَرَى شُعورُ الْحُرِّ في وِجْداني
وتَزَحْزَحَ الليلُ الكئيبُ وأقْبَلَتْ
نَسَماتُ فَجْرٍ مُؤْنِسٍ بِأَذَانِ