صلاح حسن بابان
يبدو أن احتمالية بقاء العراق ساحة حرب ساخنة وباردة في آنٍ واحد ما زالت قائمة ومفتوحة، في إطار التنافس الإقليمي والصراع الدولي الذي وصل ذروته بفتح جبهة جديدة بين تركيا من طرف وخصومها من طرفٍ آخر، وفي مقدمتهم فرنسا واليونان، إضافة إلى الجبهة التقليدية بين أميركا وإيران.
وكانت الساحة العراقية حبلى بالتحوّلات السياسية المفاجأة بعد الاهتمام الفرنسي في الآونة الأخيرة، ثم تأتي زيارة وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس، وهي الأولى من نوعها منذ عام 1998، حيث أبدى استعداد الشركات اليونانية للعمل بالعراق في مجال إعادة الإعمار، والطاقة، والمواد الطبية، مؤكّدًا دعم بلاده لسيادة العراق، ووحدته، واستقراره، ومواجهة التحديات التي تواجه العالم والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب.
وبالتزامن مع زيارة دندياس، تلقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي رسالة خطية من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تضمنت دعوى رسمية لزيارة تركيا، بحسب المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.
تكهنات وتفسيرات
وتعددت السيناريوهات وكثرت التكهنات عن احتمالية تحول العراق مجددًا إلى ساحة صراع جديدة بين تركيا وخصومها التقليديين، لا سيما فرنسا واليونان، من خلال تفسير التحولات السياسية والدبلوماسية السريعة على أراضيه، تزامنًا مع التحركات اليونانية التركية المضادة ضد بعضهما البعض على خلفية الخلافات القائمة بينهما بسبب الحدود البحرية وملف جزيرة قبرص، مع استمرار اليونان في توسعة التحالف المشكّل بدعم فرنسي لتعزيز جبهتها ضد تركيا.
وفسّر مراقبون عراقيون التحرك اليوناني الأخير على أرض العراق بعد هذا الانقطاع الذي استمر نحو 22 عامًا بأنه من أجل الضغط على تركيا من دون أن يحقق أي منفعة اقتصادية للبلد.
وهناك عدة تفسيرات ومغزى سياسي لزيارة وزير الخارجية اليوناني إلى العراق، في وقت تمرّ فيه بلاده بأزمة سياسية واقتصادية وتاريخية مع تركيا، منها محاولة أثينا أن تكون لها أذرع في المنطقة، مع استمرار المشاكل العالقة بين البلدين في البحر المتوسط وإيجة، في ما يخص التنقيب عن الغاز.
ولن تحقق اليونان -وهي تمر بهذه الظروف الاقتصادية الصعبة- أي منفعة اقتصادية للعراق، وإنما تسعى لجذب الأطراف الأخرى في المنطقة إلى قضيتها ضد تركيا نتيجة سياسة أنقرة ومصالحها الممتدة في العراق، كما يرى الخبير الأكاديمي في مكافحة الإرهاب الدولي نبيل العبيدي.
وسيدخل العراق في مأزق أكبر من المآزق السياسية والاقتصادية والأمنية التي يمر بها الآن في حال سمح بأن يتحوّل إلى ساحة أو طرف رئيسي للحرب الباردة بين أثينا وأنقرة، كما يقول العبيدي.
ويرى أن من الضروري خروج العراق من طوق مشاكله الدائرة، ويُوظّف جهوده لحلحلة هذه المشاكل والتحديات الدولية والخارجية والداخلية من دون المرور أو الاقتراب من التوترات الدولية، في وقتٍ تعد فيه تركيا دولة قوية يمكنها الاعتماد على نفسها، وعلى العراق الاعتماد عليها كدولة لها مكانتها الإقليمية في صراعه ضد بعض التنظيمات الإرهابية.
ودعا العبيدي الرئاسات العراقية إلى إبعاد البلد عن هذه الصراعات، وتكفيه ويلاته من الصراعات وتحوّله لساحة لتصفية الحسابات بين طهران وواشنطن، مؤكدًا عدم أهليّة العراق ليكون ساحةً للصراع التركي اليوناني.
زيارة روتينية
وتساءل الخبير الأكاديمي: “هل من الممكن أن ينقل العراق صراعه إلى دول أخرى والحرب بالوكالة السارية منذ سنين؟ معززًا سؤاله بسؤال آخر: كيف يمكن للعراق أن يحمي نفسه إذا سمح بانتقال الصراع اليوناني التركي إلى أراضيه؟
ولم تخرج زيارة وزير خارجية اليونان عن دائرة الروتين، وليست لها أي أبعاد بأن يتحوّل العراق إلى جسر لمباحثات أو طرف في نزاع بين دول المنطقة، لا سيما أنقرة وأثينا، مع عدم وجود أي تمايز لنوعية العلاقات بين الطرفين على المستويين السياسي والاقتصادي، وحتى الثقافي بين العراق واليونان، كما يقول المحلل السياسي هاشم الكندي.
وجاءت هذه الزيارة لاستدامة الحضور السياسي، كما يصفها الكندي، مؤكدًا في حديثه للجزيرة نت أنه لن تكون للزيارة أي تبعات سياسية أو محورية، مستبعدًا وجود أي محاولات لزج العراق في صراعات إقليمية، والاختلاف اليوناني التركي بعيد كل البعد عن العراق.
وفي تعليقه على أهمية دور اليونان في مكافحة الإرهاب، يقول الكندي إن التصريحات التي صدرت من المسؤولين سواء من الطرف العراقي أو اليوناني عن دور أثينا في هذا الجانب؛ ليست إلا عبارات مجاملة وتجميل للزيارة وترتيباتها، ولن يكون لها أي فعل على أرض الواقع، عازيا السبب إلى أن أثينا ليست معنية بأمن المنطقة، وليس لها أي دور في ذلك، والعراق لم يتلق أي مساعدة أمنية منها مع ضعف جانبها الاقتصادي.
مصلحة العراق
ويؤكد العراق أن الحوار وتبادل الآراء في معالجة المشاكل، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، في وقتٍ تمر فيه المنطقة بشكل عام بوضع سيئ؛ لا يحتمل أي صراع جديد مع اشتداد الحرب في أذربيجان وأرمينيا، حسب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب شيركو محمد.
ويرى شيركو محمد أن الصراعات الدائرة في المنطقة لا تؤثر على الدول الإقليمية فحسب، بل على المنطقة برمتها والأمن العالمي، وما يتعلق بالصراع التركي اليوناني فهو شأن أوروبي بعيد عن ساحة العراق، مع وجود موقف لكل من أميركا وروسيا ومراقبتهما للتطورات الجارية.
ومن مصلحة العراق في الظروف الراهنة أن يصب تركيزه على تهدئة الأمور وحل المشاكل التي يعاني منها داخليا -حسب شيركو محمد، الذي قال للجزيرة نت إنه في حالة واحدة يمكن للعراق الاستفادة من أوروبا عبر اليونان، وهي إعادة بناء البنى التحتية.