لقد كتب الصحفي المغربي (خالد الجامعي) يوما مقالاً تحليلياً حول (الوضع السياسي بالمغرب) وأشار فيه إلى أن من يحكم المغرب هو نظام الحزب الواحد، يدعى “حزب المخزن”، والآخرين، أي (الأحزاب)، وصفهم ب “خضرا فوق طعام”. اليوم الموالي تمت مناداة الصحفي من قبل غول الداخلية المغربية آنذاك ( إدريس البصري)، فكانت أول عبارة تصدر كالشرر منه :
“شكون نتا؟؟ شكون نتا لي تكتب هدشي؟!”.
هكذا أستهل دفتي هذا المقال، بواقعية هذه القصة التي تكتظ بكثير من نوستالجيا الحقيقة، الحقيقة الغائبة أو المُغيبة قسراً عن الكثيرين.ونحن نتجول بداخل أروقة سيرك تُعجعج أجواؤه الداخلية بالكثير من اللغط و المضاربات و صُراخ المناقصات و تعدد الدكاكين (33 دكان للبقالة السياسية)،قاسمهم المشترك لا يتجاوز: سرقة المجالس،التناوب على تأثيث كراسي الحكم أو تمثيلية،التهريب،الريع،تحسين أوضاع القادة والمقرات، التجارة المكوكية في المخدرات… ومزال العاطي يعطي _كما يقول اللسان المغربي_.فالراعي الرسمي لهذا السرك الهزلي هو ما يعرف ،تاريخياً ضمن المشهد السياسي المغربي، بالحزب السري( سواء ضمن الفترة الاوفقيرية أو البصراوية أو فترة فؤاد علي الهمة …)، أي التوغل المستشري لأجهزة وزارة الداخلية في سائر العملية،حيث هي التي تقرر، تنهى وتأمر كذلك.
إن الإنتخابات محطة بارزة في كل نظام ديمقراطي، بل إنها الإختبار المهم للديمقراطية.بذلك حرصت الحكومات و البرلمانات و التنظيمات السياسية،على إختلاف توجهاتها،على وضع قواعد قانونية واضحة للتباري الإنتخابي،فمنذ خروج الإستقلال من الباب و دخوله من النافذة سنة 1956، كانت أول “انتخابات برلمانية” سنة 1963 في فترة من وُسمت مرحلته “بالجمر و الرصاص”، هذا الأخير عرف عهده إجراء ست أشواط إنتخابية 1963،1970،1977،1984،1993،1997. أما من عُرف عهده “بالعهد الجديد”، فاستهلت بإنتخابات برلمانية سنة 2002 تلتها سنة 2007 والانتخابات السابقة لأوانها سنة 2011 ثم 07 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وفي سبتمبر / أيلول المقبل من هذا العام، سيستدعى الناخبون، إن لم نقل الرعايا _كتوصيف دقيق_ لإنتخاب أعضاء خامس برلمان في مملكة العهد الجديد، وفي الوقت ذاته،سيكون التصويت على تحديد المجالس البلدية و الجهوية،لكن الجديد هذه المرة هو القانون التنظيمي لمجلس النواب المعروف ب “القاسم الإنتخابي” الذي في حقيقته مجرد عبث و مهزلة هجينة و لعبة كراكوزية وتحايل على الديمقراطية _غير الموجودة أصلا_ مما يبرر هاجساً سياسياً لدى “حزب الأخ الأكبر” و باقي “أحزاب صاحب الجلالة” حول حصول عزوف كبير عن المشاركة في مسرحية، كُتابة السيناريوهات المتعلقة بمآلها لا يكاد يتجاوز تعداد أصابع اليد من مستشاري الملك.
تاريخياً، رغم الغموض الذي يلف الأرقام المتراقصة لنسب المشاركة في العملية الانتخابية،إلا أن المتتبع يلاحظ وبشكل صارخ وواضح من خلال “الأرقام الرسمية” ذاتها أن الدكاكين السياسية و برامجها ومِن ورائهم المال السمين لوزارة الداخلية،لم تستطيع كسب ود وتطلع أكدح كادحي الشارع المغربي وخصوصا فئة الشباب. إذ نجد نسبة 62.7% في انتخابات 1993،قد بدأ هذا الرقم المترهل في الهبوط على شاكلة مضاربات بورصة وول ستريت؛ وسجلت سنة 1997 نسبة 58.3% و 51.6% سنة 2002، ليسجل أدنى معدل مشاركة في تاريخ مملكة العهد الجديد سنة 2007 بنسبة 37% معلنة السؤال و إعادة السؤال حول شرعية الممارسة الانتخابية _غير الموجودة أصلا_. وكانت “انتخابات 2011” ما وراء الإلتفاف على إرادة حركة 20 فبراير بقيادة من ينتعشون على السيمفونية الدينية، هي الأخرى لم تتجاوز عتبة 45%.
فكيف نفهم أن 69.3% من الشباب لا ينتمون لأي “حزب سياسي”؛ حسب الدراسة التي أجراها ( مصطفى تاج) حول “إتجاهات الشباب المغربي نحو المشاركة السياسية في أفق الإستحقاقات الانتخابية المقبلة”، وحسب ذات الدراسة فإن السبب وراء هذه الهوة الشاهقة هو عامل الثقة. وفي دراسة أخرى نشرها (المعهد المغربي لتحليل السياسات)، إعتمدت التحليل الكمي على عينة 1000 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 فما فوق؛ خلصت إلى نتائج كارثية و مكفهرة بذات الوقت. وتتمثل في _انعدام الثقة كلياً_ بمحالات البقالة السياسية “أي الأحزاب المغربية”،إذا 81% من المستطلعين لا يثقون بها مطلقاً،فيما تبلغ نسبة الشباب الذين لديهم ثقة كاملة بالأحزاب السياسية 1%. ورغم لجوء المغرب منذ سنوات إلى “نظام الكوطا” ذلك باعتماد لائحة وطنية تمنح 30 مقعداً للشباب الذي تقلّ سنه عن40 سنة من مقاعد مجلس النواب البالغة 395، و ذلك لم يفتح شهية هذه الفئة _الشباب_ للمشاركة في تمييع السياسي المغربي،بل المشاركة في انتخابات ليست سوى وسيلة لتلميع “الواجهة الديمقراطية” للنظام المغربي.
مؤشر (الديمقراطية العالمية) يستمر في تصنيف مملكة العهد الجديد ضمن خانة “الأنظمة الهجينة”؛ فقد احتلت المركز 96 عالمياً من أصل 167 دولة ،وفقاً للمؤشرالذي يصدر سنوياً عن مجلة “ذي إيكونوميست البريطانية” المعتمد، في مدى إلتزام هذه الدول بمعايير العملية الإنتخابية و التعددية و أداة الحكومة و المشاركة السياسية و الثقافية و الحريات المدنية.
تنظيم الانتخابات المغربية وفق ميكانيزمات غير نزيهة صار تحصيل حاصل، ولا عجب! ولا يمكن أن تقنع أحدا بأن الصفر يساوي الواحد، فمنذ حوالي نصف قرن من ((المسلسل الديمقراطي)) وعملية إجترار نفس الكائنات الانتخابية المؤثثة للمشهد السياسي المسير و المدبر من طرف المؤسسة الملكية و المستشارين التابعين لها. فالصراعات الداخلية “للأحزاب صاحب الجلالة” على عروشها مُتقدة :
“حزب الإستغلال” يتهاوى بين الأمين العام السابق “حميد شباط” و الأمين العام الحالي “نزار بركة”.
“فيدرالية اليسار الملكي” هي الأخرى على صفيح أرجواني.
ما يعرف “بالحركة اللاشعبية” وشبح الإنشقاقات.
“الذئاب الملتحية” بين تيار “بن كيران” و تيار “سعد الدين العثماني”.
حرب التزكيات تقسم ظهر البعير لدى “حزب الأصالة و النذالة”.
“التجمع الوطني للأشرار” هو الأخر لازال غارقاً في فضيحته الأخيرة المتمثلة في إستغلال العمل الخيري لغايات إنتخابية.
ما يعرف “بالإتحاد الدستوري” هو الأخر يعيش صراعاً حامي الجنبات بين الأمين العام “محمد ساجد” و فلول المعارضين.
الخريطة السياسية المغربية تميعت بفعل فاعل و بورصة الترحال السياسي مفتوحة مثل الميركاتو الشتوي أو الصيفي، الرشوة و المال الصادر من ثلاثية (سرقة المجالس،التهريب،المخدرات) متوفر، و التجاوزات الإدارية بالجملة و بشكل بنيوي.و هنا يصح لنا القول ختاماً تعبير الراحل “امحمد بوستة” :
الإنتخابات مخدومة.