سونوغرافيا بلا حركة
رحاب حسين الصائغ
بحياد لا منتاهِ، وتهذيب ممشوق الحياء، سرت في شوارع أنفاسكِِ يا مدني المعذبة، كزهرة نبتت من عالم مجروح، وامتدت إلى أزمنة الفروسية والبطولة المطحونة بطرف التاريخ، لم ينتهي عطشي المحبوس كالأنين، بين ثنايا الأغصان، التي أصابها الضجر من الجفاف، واحتراق الأنفاس على قارعة الانفعال، لم أعرف عنك ما أشاهده من قسوة ؛ تجري بين الرصيف والرصيف، وحملة العتمة الذين أجسادهم محشوة بالموت، ودمهم لونه أزرق غامق، يطفر من عيونهم المثقبة بالغروب الذي يملأ جلودهم المغمسة بالحقد، ويا مدني المعذبة بالزمن الرديء، يا حاملة تماثيل الجبناء على صدرك، أعرضي أرضكِ والتهمي الأعداء، وابعدي عن أبرياؤك طغيانهم، واخلعي عنك معطف الذل؛ واقتلعي دخانهم الأسود، يا مدني المطحونة بصمت، اغسلي عارك، وأطلق لسماء الفجر الجديد حق الشروق، لأنني كلما سرت أكثر وأكثر، في عمق الشوارع، أحس أنني لم أعرفك، وما بدأت خطواتي الأولى على أرضك! .. أجدك مغلفة بمطر حالك.. كيف حدث هذا؟؟؟؟، ومن يساعد على الاحتضار؟؟، انهضي يا شوارع المدينة، تفجري، صدي الضجر والصمت، اخلعي عنك أثواب الموت، وحلقي كالنسور الباسقة إلى القمم، واصعدي الأعالي، كموج البحر تفجري، وحطمي سفن القراصنة وسارقي الكنوز، ما الذي يشدك للقاع!، وينخر حيطان البيوت!، يا شوارع المدن تعالي نركض، كالكحل نحط فوق العيون المغمضة، لنجلي النظر، ونحدق في التكوين الأرعن، للذين يحصدون الفرح والربيع وبطاقات العيد، ويقتلون المصابيح التي ما كانت تنطفئ، ومشرقة على الوجوه، أين ابتسامات أطفالنا، الملتفة الآن بالخوف، ومصعوقة في السرير، مما تسمع وتشاهد، وأنت يا مدني كغانية سحقتها الأيام، وتركتها بأمراضها تنتظر الموت في سراديب عفنة، وعزرائيل لها لا يستجيب، أخذت أصرخ في وجه الشوارع ومدني تكاد تحتضر، وأنا أريدها أن تصرخ مثلي لما يحدث.
كاتبة من العراق