“بين منطق الثورة وفلسفتها هذا الاختلاف هو أن منطقها يمكن أن يؤدي إلى الحرب، بينما فلسفتها لا تؤدي إلا إلى السلام”. فيكور هيجو
لا يحدث هناك تمرد وعصيان وانتفاضة وانقلاب واحتجاج واعتراض واشتباك الا إذا كان هناك ظلم وتمييز وغطرسة وفساد ورشوة ومحسوبية وتفاوت طبقي ولن يتحول كل ذلك الى ثورة الا اذا كان هناك وعي وعقل وثقافة ورموز وقيادة وتنظيم ومشروع وبديل ونظرية نقدية وقوى اجتماعية وكتلة تاريخية وفضاء مواطني.
التمرد سهل وانفعالي، والصعوبة تكمن في تحويل التمرد إلى ثورة منتجة وتوجيه الحراك الى عمل حقيقي،
توفر الثورة الكثير من الوقت والطاقة على الأحرار، لكنهم يقضونه مع مصالحهم الخاصة بهم ويهدرونها في أمور لا تعني الأغلبية في شيء ولكنهم ينسون بشكل سريع إن سماع صراخ السكان هو تجنب ثورة مستقبلية.
لم تكن الحرية من متطلبات الثورة ولم تكن الجماهير الثائرة تنتظر من القوى الخارجي أن تقدم لها العون لكي تطيح بالدكتاتور بل عولت على نفسها ووظفت أرادتها الذاتية وصوبت عملها المشترك نحو العدل الاجتماعي.
لقد تميزت بالمدنية والسلمية والتحضر وأولئك الذين أرادوا أن يجعلوا الثورة السلمية مستحيلة كانوا قد تخيلوا أن الوضع السائد غير قابل للتغيير وأن النظام الحاكم متماسك وقوي وأن الثورة العنيفة حتمية تاريخية مؤجلة.
في هذا العقد الذي كان قانونه لاستكمال الثورة التونسية وبدء الثورة العربية، كانت المساواة بين الجنسين جزءًا من المساواة بين البشر، كان من الضروري وجود أكثر من امرأة عظيمة الى جانب الرجال العظماء.
قبل حدوث الثورة، كان يُنظر إليها على أنها مستحيلة. بعد ذلك وعندما ظهرت اعتبرت من الأمور الحتمية.
الثورة الوحيدة الممكنة هي محاولة تحسين الناس لأنفسهم، على أمل أن يفعل الآخرون الشيء نفسه وسيكون العالم الواقعي أفضل بعد ذلك. إن تجربة الثورة والمشاركة فيها أجمل وأكثر فائدة من التنظير لها وافتراضها.
لإحداث ثورة اجتماعية تحتاج إلى هبة مجتمعية واردة الشعب بينما يمكن للجماهير فقط أن تثير الشغب. ولا يمكننا التكهن إلى أين ستأخذنا ثورة الكرامة. كل ما نعرفه على وجه اليقين هو أنه عندما نصل أخيرًا، لن يكون لدينا ذاكرة وصول عشوائي كافية. لأن الثورة تمثل عددا من الشراكات التي نبدأ في تجاهل نتائجها.
فهل كان مفهوم الثورة البشرية متوقع في مفهوم التكنولوجيا الجديدة؟ ومتى تنجح الثورة وتنتج ما بعدها؟
” لن نعود الى مرابضنا حتى تستكمل الثورة مطالبها وتستوفى مطالب الناس وتتفق مع إرادة الشعب”
لا توجد ثورة ناجحة حيث نحب العدو الذي حاربناه، حيث نتوسل إلى النظام الذي كان يستغلنا للاندماج فيه.
حكومة الثورة هي الحرية ضد الاستبداد والحق ضد القوة والاستصلاح ضد الفساد والمساواة ضد التفاوت.
لقد بدأت الثورة بإعلان حقوق الإنسان من الناس ولن تنتهي إلا بإعلان حقوق المواطن وتركيز الدولة المدنية.
عندما تريد منع أهوال الثورة من التضخم، عليك أن تفعل ذلك بنفسك. في الثورة، يجب أن تنتصر أو تندثر.
هكذا تحدث جان بول سارتر في ملحمته النضالية بين الانسانية الوجودية: العمل الثوري يعدل ما هو كائن من الموجود باسم ما ليس بعد من المنشود. نظرًا لأنه لا يمكن تحقيقها دون كسر النظام القديم، فهي ثورة دائمة.
يمكن أعادة صياغة تعريف الثورة: نور عظيم في خدمة عدالة عظيمة. ستكون الثورة هي ازدهار البشرية كما أن الحب هو ازدهار القلب. أليست الثورة حلا للرداءة والفساد والتلوث والتفاهة والانتهازية والبيروقراطية؟
لكن “من يخدم بالثورة يحرث البحر” سيمون بوليفار
بعد 10 سنوات من اندلاع الثورة في تونس، أين هو الربيع الذي يضم الجميع أولا؟ لماذا تعطلت المصالحة والتوافق والعدالة الانتقالية وغاب مشروع الكتلة التاريخ؟ وأين هي الشرارة الثورية التي تسري في قلوب الشعوب العربية؟ وماهي الأسباب التي عطلت الربيع العربي وجعلت ثوراته تخدم سياسات تطبيعية ثانيا؟
“نحن اليوم نفكر في الثورة، ليس كحل للمشاكل التي تطرحها الأحداث الجارية، ولكن باعتبارها معجزة تستغني عن حل المشاكل”. سيمون فايل
أول الملاحظات هي كارثية:
-فشل في إدارة شؤون الحكم
-ضياع القوى الثورية وتشتتها وانقساها وعراكهم الداخلي
-بروز الدولة العميقة وتزايد الحنين للماضي الشمولي
-عزلة الحدث الثوري ومحاصرة الظاهرة البوعزيزية
هل تؤدي هذه الملاحظات الى القول بفشل الثورة في تونس؟
كلا. تونس بعد 14 جانفي أفضل من تونس 7 نوفمبر
تنظيم الانتخابات – التداول على الحكم – الانتقال السلمي للسلطة – تزايد مساحة الحرية والتعددية
– تواصل الاحتجاجات وتكاثر التنسيقيات وتزايد الإضرابات وتوسع دوائر الاهتمام بالشأن العام
– المطلبية هي البوصلة نحو تجسيم المساواة وانتزاع الاعتراف بالحقوق من المركز
– الطابع اللامركزي للسلطة وتفعيل منظومة الحكم المحلي والتنظيم الذاتي عن طريق المؤسسات.
– مقاومة الفساد وانصاف الضحايا وتكريم المناضلين وجبر الاضرار لعائلات الشهداء
– كسب معركة الجديد ضد القديم والخيال الاستراتيجي ضد الانقلاب على المنجز الثوري
تشكل ديمقراطية ناشئة: واحة من الحياة السياسية وسط صحراء من العدمية الشمولية
زوال العالم القديم، تفكك النظام السياسي السابق، رحيل رموزه وشخوصه، رسكلة الحزب الواحد.
الشعار المستقبلي: غدوة تونس خير، أحسن البلدان العربية
لكن مقولة الربيع العربي هي ضباب كثيف يخفي الكثير من العواصف والأعاصير والانقلابات والاهتزازات
– خريف عربي
– شتاء إسلامي
– ربيع عبري
– صيف غربي
الثورة العربية هي الثورة التونسية التي وصلت متأخرة الى المجتمعات العربية بسبب المحافظة والتقاليد.
لم تتحول الثورة التونسية الى ربيع عربي. لقد تدخل العامل الخارجي ووجه الحراك الاجتماعي الذي عم الشوارع العربية لمصلحته الاستراتيجية ووظفها للتخلص من بعض الأنظمة المناوئة لسياساته والمعطلة لأجنداته في المنطقة. كما أن العامل الداخلي استفاد من مسار الأحداث ورضخ للضغوط وقام بإصلاحات جذرية وقدم تنازلات مهمة بغية الاحتواء والانحناء أمام مرور العاصفة ومواكبة التحولات العالمية والانفتاح على المتغيرات الدولية وتبديل الواجهات السياسية نحو المزيد من التحديث والعصرنة والمدنية.
لقد كانت الثروة البترولية هي تبني الحلم الألفي لجميع الديكتاتوريات – مواطنون بلا خصوصية، والذين تخلوا عن حريتهم بأنفسهم والان يمكن دراسة تطور الشبكات الاجتماعية الرقمية التي تساعد على تسليط الضوء على حركات اجتماعية جديدة، وهي مساحة عامة مفتوحة حيث يشارك الناس الأفكار والمعلومات والآراء، وحيث يمكن أيضًا أن تولد علاقات وأشكال جديدة من المجتمع. يجب علينا بالتأكيد إعادة التفكير في الإنترنت وشبكات الاتصالات الرقمية كأرض حقيقية يجب تأمينها. ميزة الثورة هي أننا نحتفظ بكل التجارب الفاشلة.
لم تتحول الثورة الاجتماعية الى ثورة ثقافية ولم يتمكن التمرد الشعبي في العالم العربي من بناء دولة قوية.
النخبة كانت غائبة من البداية الى النهاية وكانت متحالفة مع الأنظمة الشمولية وفي خدمتها وحراستها.
الجماهير صادقة في عفويتها واندافاعها ولكنها لم تكن واعية بما يكفي ولم تكن مسيسة لكي تعرف ما تعمل
الأحزاب والهيئات والمنظمات كانت مدجنة وشكلية ومركبة بصورة فوقية وغير قادرة على تقديم أي شيء.
سيتم استخدام معظم دخل الطبقات المتوسطة والعليا لشراء الخدمات: التعليم والصحة والأمن. المزيد والمزيد من الناس سيفضلون أن يعهدوا بتغطية مخاطرهم إلى شركات التأمين الخاصة، أكثر وأكثر قوة، على حساب الولايات. سوف تفلت التبادلات التجارية والرقمية والمالية من الدول بشكل متزايد، وبالتالي ستحرم من جزء كبير من عائداتها الضريبية. لم تكن هناك مثل هذه الفترة من الوعود والتهديدات. نحن بحاجة إلى تطوير فهم واضح وشامل لتأثير الثورات على حياتنا وكيفية إعادة تغيير بيئتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية نحو الأفضل. ان التحدي الأكبر في التحول التاريخي الذي فرضته الثورة هو تغيير الفاعلين دون منع الحراك الاجتماعي واستبدال المنتجين دون إيقاف عجلة الإنتاج وتطوير منوال التحديث دون افراغ مطلب التنمية من عدالتها. في الواقع ثورتنا هي مستقبلنا. سواء في مجال الاقتصاد أو العمل أو التعليم، هي عامل أساسي في تطور مجتمعنا وتقدمه واستدامته”، الوقت تاريخي ومتعته الكاملة. لقد زودت الثورة الناس بالأدوات وردود الفعل التي تجعلهم متحدين، مدركين أنهم جزء من المخاض الاجتماعي الذي نهض ضد الظلم والازدراء. ان الرؤية الثورية جيدة، وتطبيقها في المجتمع أفضل. فالمنظمات لا تتغير، البشر يتغيرون. تقليديا، كان ما يفصل بين المجتمعات العربية والمجتمعات المتقدمة هي الحداثة. نحن في خضم التحول الثوري. ما يجعل الحالة الاجتماعية مختلفة اليوم هو الموهبة الثورية! من أجل تحفيز ثقافة مؤسسية جديدة تشرك المواطنين في الحكم والتسيير لابد من المخاطرة مع الارتفاع، طريقة لإزالة المناطق الرمادية و “المخاطرة هي اللحظة الحاسمة في رحلة العودة الى الذات”، حسب أينشتاين لن يدمر العالم أولئك الذين يفعلون الشر، بل أولئك الذين يراقبونهم دون فعل أي شيء. ألم يقل ليون تروتسكي إن الثورة هو مصمم ديكور رائع لأصحاب الشخصية. تدفع الأشجع إلى التطرف وتفرغ الأقل مقاومة؟ اليس مصير الثورة في تونس والعالم العربي رهين قدراتها؟
كاتب فلسفي
سنوات عن الثورة، تونس في مواجهة الارتداد
اترك تعليقا