هل كان دفع الأمور نحو إقامة ” جزر ” سلطوية هنا وهناك متمردة على الثورة أو معادية لها ، أو بين بين ، او متقمصة زورا لاهداف الثورة ، أحد أسلحة النظام لمواجهة الثورة السورية عبر الاحتواء ، والاجهاض ، والتشويه ؟
ولماذا اقتصر امتداد ” سلطات الامر الواقع “على الأراضي المحررة ، أو المناطق الصديقة للثورة والمعارضة ؟
وهل أدت تلك – السلطات – التي تسترت بلبوس الدين ، والقومية ، والمناطقية ، وظيفتها المنوطة بها ؟
وهل آن الأوان لعودة البقية الباقية منها ، الى حضن النظام ، وتبديل وظائفها ؟
أسئلة مازالت دون إجابات حاسمة ، ولابد من محاولة التصدي لها ، والبحث عن سبل لتسليط الضوء بكل شفافية ، وموضوعية .
سلطات الامر الواقع : منشؤها ، وظيفتها ، مآلها
بداية لابد من التنويه بان العديد من مثقفي ، ومناضلي معارضة نظام الاستبداد ، ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة الوطنية السلمية في سوريا ، قد حذروا من خطورة سيطرة الإسلام السياسي ، وإظهار الحراك الثوري تحت شعارات دينية وطائفية ، ليس لان ذلك يخالف واقع حجم الإسلاميين في الاصطفاف الوطني فحسب ، بل انه استفزاز لمشاعر الوطنيين السوريين في بلد متعدد الاقوام ، والديانات ، والمذاهب ، ومناقض لاهداف الثورة على النظام من اجل التغيير الديموقراطي ، والخلاص من منظومة اللون الواحد ، وإزالة الاضطهاد عن كاهل كل المكونات السورية القومية منها خصوصا ، واطلاق الحريات العامة ، وصولا الى سوريا جديدة تعددية ، تشاركية ، بدستور حضاري ، علماني ، حداثي ، يثبت مبدأ : الدين لله ، والوطن للجميع .
لقد قدم الإسلام السياسي عندما واصل عن سابق إصرار بزعامة – الاخوان المسلمين – السيطرة على المقدرات ، والتسلل الى كل مواقع القرار في الثورة ، والمعارضة ، خصوصا في مرحلة إقامة ( المجلس الوطني السوري ) السيئ الصيت ، وبالرغم من كل التحذيرات ، هدية كبرى الى نظام الأسد ، لم يكن ليحلم به ، عندما بدأ بالتحرك على المستوى الخارجي ( عربيا – ودوليا ) ليقدم نفسه حاميا للدولة السورية الوطنية ! من مخاطر دعوات الاسلمة ، وموجة الإرهاب الاسلاموي التي تهب على دول المنطقة .
لم يكتفي النظام بذلك بل مضى قدما في رسم استراتيجية جديدة بدعم من خبراء الامن ، والثورة المضادة ، من حلفائه الروس ، والإيرانيين ، والميليشيات الشيعية ، خصوصا اللبنانية ، والعراقية ، تقضي بغمر المناطق الملتهبة بسيل من الموجات الإسلامية المتطرفة من جهة ، واثارة الحروب والمواجهات البينية ، المحلية في تلك المناطق وفي عقر دار الثوار ، عبر وكلاء محليين ( حروب داخلية بين الفصائل المسلحة ) وفي الساحة الكردية إعادة تطبيق مخطط ( تكريد الصراع ) .
وقد كان من مهام خلية الازمة التي تعرضت للانفجار ( تموز ٢٠١٢ ) بعد انجاز مهامها ، ( وقد توجهت أصابع الاتهام الى رأس النظام ومحيطه الأقرب بغية إزالة أي اثر لمنفذي الاستراتيجية تلك ) العمل على عدة مستويات ، منها اطلاق سراح عدد من السجناء الإسلاميين ، مثل : زهران علوش ، والجولاني وآخرين ،شرط ان يقوموا بتشكيل فصائل مسلحة ، وبشعارات متطرفة تزاود على شعارات الاخوان المسلمين ، والمناضلون الوطنييون السورييون اللذين قارعوا النظام لعقود خلت ، وتعرضوا للاعتقال ، والتعذيب على علم ودراية باساليب ومخططات أجهزة الامن السورية بهذا المجال ، كما ان بعض الأحزاب السورية وبينها حزب كردي معروف ( الاتحاد الشعبي الكردي ) تعرض للانشقاق بشكل مدروس ، وباشراف ضباط من المخابرات ، وقام المنشقون برفع شعارات مزاودة على القيادات الشرعية ، بما في ذلك التهجم على النظام بشدة ، ورفع وتيرة المطالب الكردية ولكن كل ذلك باشراف ، وضبط إيقاع ، من جانب الأجهزة الأمنية المعنية .
وهكذا وبعد عدة أعوام من نشوب الثورة السورية ظهرت سلطات أمر واقع محلية عسكرية شبه مستقلة ، في مناطق محررة ، او محسوبة على الثورة ، أو صديقة لها ، ومن بينها : منطقة نفوذ أو سلطة – جيش الإسلام – في ريف دمشق بزعامة زهران علوش ، وامارة الجولاني ” القاعدية ” أو ” جبهة النصرة ” في ادلب ، وريفها ، ودولة الخلافة الاسلامية لابي بكر البغدادي في شرق سوريا ، والذي اطلق سراحه أيضا من سجنه ببغداد من جانب الحكومة الموالية لإيران ، مع مناطق نفوذ فصائلية اسلاموية في مناطق أخرى ، ومايشبه ذلك ولكن بطرق مختلفة في جنوب البلاد ( منطقة حوران ) ، هذا الى جانب مايطلق عليها بالمناطق المحررة بقيادة فصائل مايسمى بالجيش الوطني التابعة اسميا الى – الائتلاف – والتي تحصل فيها ممارسات إجرامية خارج القيم الإنسانية يستفيد منها نظام الاستبداد في ماكينته الإعلامية .
لاشك ان ” سلطة الامر الواقع ” التي تدار باسم الإدارة الذاتية ، وقسد ، في بعض المناطق الكردية ، والتي ( ومن المفارقات البليغة ) قامت بالبداية بعد اتفاق – صفقة مثل النظام صهر الأسد ورئيس جهاز المخابرات العسكرية اللواء – آصف شوكت – ومنظومة ب ك ك – مراد قرايلان – ، بوساطة كل من الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني ، ثم توسعت بدعم امريكي عسكري ، ومادي ، واعلامي لتغطي معظم مناطق محافظات الحسكة ، ودير الزور ، والرقة وهي من اكبر تلك السلطات الامر واقعية ، وأكثرها نفوذا وامكانيات ، تشمل آبار النفط ، ومحطات الغاز ، ومصادر المياه .
كل هذه ” السلطات ” كانت معاركها الأساسية عمليا وعلى ارض الواقع ليست ضد النظام بقدر ماكانت في مواجهة الثورة ، وخلق العراقيل امام تمددها الشعبي ، وحتى عندما كانت تحاول بعضها ولو في سبيل – التكتيك – ان تظهر وانها تدافع عن الثورة الا ان النتائج كانت حصرا لمصلحة النظام وبالضد من مصالح الثورة والمعارضة ، كما انها هي من نسقت مع النظام ، ونفذت باسم سماسرة وامراء الحرب مصالحات ، وصفقات ” خفض التصعيد ” في اكثر من منطقة ومحافظة ، وتنفيذ عمليات الانتقال عبر ” الباصات الخضراء ” ، وارسال النفط والمواد التموينية ، الى مناطق النظام لكسر الحصار عليه ، واختراق قانون – قيصر – ( كمافعلت الإدارة الذاتية لسلطة ب ي د ) وبالاخير الاستعداد للانخراط في قوات جيش وامن وشرطة نظام الاستبداد ، تحت ستار مزيف باسم الحوار ، والمطالبات بالاعتراف الشكلي ، أي بمعنى التغطية على انحرافاتها ، وجرائمها بحق الشعب ، والوطن ، والقضية .
استثمر نظام الأسد سلطة – ب ي د – في عدة مجالات ، واناط بها وظائف عدة لخدمة مشروعه ، فاذا كانت للسلطات الأخرى ذات الطابع الديني وظائف واضحة ، فان دوائر النظام استخدمت هذه السلطة لعدة أغراض ، فبالاضافة الى حروبها العسكرية الميدانية ضد الثورة والمعارضة ، استخدمتها أيضا في تقويض وحدة الصف الوطني الكردي السوري ، وكذلك لأغراض عنصرية في اثارة الفرقة والانقسام بين الكرد ، والعرب ، والكرد والتركمان في اكثر من مناسبة ومنطقة ، وكل ذلك خلق إشكاليات في العمل الوطني ، وعراقيل امام وحدة المعارضين السوريين خصوصا بين الكرد والعرب ، والثورة هي من دفعت ثمن ذلك ، كما لوحت بها كجماعة انفصالية تهدد الامن القومي العربي ، حتى تظهر نظام الأسد كحامي عروبة سوريا !! .
هذه الحقيقة تدحض بشكل قاطع كل اتهامات النظام اللفظية ، ومن يدور في فلكه تلك السلطات الامر واقعية أو بعضها ، بالانفصالية ، أو التبعية لجهات خارجية ، لان النظام وبكل بساطة عبر أجهزته الأمنية العميقة ، وخبرات حلفائه اللامحدودة ، هو صانع تلك السلطات ، وداعمها ، باعتبارها في خط دفاعه الأول ، وفي الصفوف الأولى لمواجهة أية معارضة جادة ، وحتى ان وجدت جهة خارجية ما تتعامل مع احدى تلك السلطات ، فانها تدفعها بالوقت ذاته نحو حضن النظام سرا وعلنا .
ان الجماعات ، والمنظمات السياسية ، والعسكرية التي تدعي معارضة النظام ، وحمل المبادئ الوطنية والقومية ، تسقط عنها هذه الصفات عندما تحاول التقرب من هذه ” السلطات الامر واقعية ” التي جئنا على ذكرها أعلاه ، بغية المشاركة معها في سلطاتها ، واداراتها ، ومصادرها المالية ، ومؤسساتها ، على أساس المحاصصات ، بل تصبح شريكة في تحمل مسؤوليات مااقترفه القائمون على تلك السلطات من أعمال ، وممارسات .