محمـــد حســـن الساعدي
لم تحظ الأحزاب الإسلامية في العراق بفرصة مثل تلك التي حظيت بها بعد عام 2003،فقد ارتسمت ملامح الإسلام السياسي على المشهد عموماً،من خلال تدخل الأحزاب عموماً ، سواءً الشيعية منها أو السنية أو الكردية ، لأنها شاركت جميعها في السلطة، فقد كان التسلط والتفرد بالسلطة من النظام البعثي السبب الرئيسي في بروز ظاهرة الأحزاب وتدخلها المباشر في السلطة ، والذي انعكس بالسلب على المشهد السياسي عموماً، وأمام هذا الكبت والتسلط ، تنفس الشعب العراقي عموماً الصعداء،وتعاطف مع هذه الأحزاب،لأنها كان يعتقد بها الخير ، وإنها ستكون المنقذ له من حكم الحزب الواحد ، وإنها ستكون المنقذ له من الواقع المأساوي الذي يعيشه ،وعلى الرغم من التنوع القومي والمذهبي ، والذي يعد امراً معقداً ، إلا إنها كان منسجماً تماماً مع هذا التغيير .
حكومة عبد المهدي جاءت على أنقاض حكومات متعاقبة ، وحملت أرثاً كبيراً من الفساد المستشري، فقد كانت حكومة عبد المهدي هزيلة لم تتمكن من معالجة المواقف بحكمة وسرعة عالية ، لذلك كان سقوطه محتماً، إذ أن عبد المهدي لم تسقطه التظاهرات بل كان ضحية التناحر والخلاف السياسي بين الكتل ، والتدخل المباشر في حكم الدولة ، ما جعل الأمور تسير نحو حكم الأحزاب ، وليس حكم الدولة ، وباتت الأحزاب هي المسيطرة على مجريات الأحداث والتظاهرات والسلطة في وقت واحد،لذلك فان سقوط عبد المهدي مثل نقطة النهاية في نهاية الإسلام السياسي في العراق ، بعد تجربة فاشلة ومريرة في الحكم .
لقد اتسمت مرحلة حكم الإسلاميين بالسلطة بالفشل، كونها اتسمت بالاقتتال على المناصب وتقاسم السلطة بين القوميات والمذاهب، ما جعل مؤسسات الدولة عموماً تتحول إلى مقاطعات وكانتونات يحكم فيها القوي، ما انعكس بالسلب على الشارع العراقي وتسبب في صراعات قومية ومذهبية ذهب فيها البرئ،كما أن الأحزاب الإسلامية أضاعت فرصة ذهبية في حكم البلاد،وضيعت كل مجهودها الماضي وتاريخها، وخسرت تعاطف الجمهور معها، وضياع قوة الدولة وهيبتها .
الأسباب التي جعلت الإسلاميون يخسرون مكانتهم في المجتمع كثيرة ، ولكن أهمها هي عدم قدرتهم التعاطي الجدي مع المشاكل التي عصفت بالبلاد ، إلى جانب افتقارهم إلى أدبيات الحكم والإدارة ، خصوصاً مع كل ما يمتلكه العراق من خيرات متنوعة ، تتيح له أن يكون اللاعب الرئيسي والمؤثر في المنطقة عموماً ، لذلك لم يستثمر السياسيون هذا الموقع والأهمية ليكونوا ذو تأثير ايجابي على مكانات الصراع في المنطقة ، بل تحول العراق إلى تابع لهذا البلد أو ذاك ، وأمست ساحته ملعب للتراشق والصراع بين القوى الإقليمية والدولية ، مما تسبب بضياع هيبة الدولة وفقدان شرعيتها، لذلك فان سقوط عبد المهدي يمثل آخر صروح الإسلاميين في الحكم بالعراق، ما وسع الهوى بينهم وبين الشارع العراقي ، لذلك فان الأحزاب الإسلامية لن تتمكن مرة ثانية من ترميم هذه العلاقة مرة ثانية وستعيش العزلة لبقية وجودها السياسي .