*إبراهيم زيدان
لم تثر سفارة في العالم ريبة مثل سفارة الاحتلال الأمريكي في العراق ، فمواصفاتها ليست كباقي أبنية سفاراتها في العالم وأعداد العاملين فيها لأغراض التجسس المخابراتي مبالغ فيها جدا إلى حد يثير الشك في النوايا التي تضمرها إدارة البيت الأبيض للعراق ومحيطه الإقليمي ، بل وأثارت الكثير من ردود الأفعال بشأنها ، فهذه السفارة التي تعد اكبر مركز تجسسي فالعالم بشهادة موقع ويكليكس الذي كشفت وثائقه في وقت سابق (أن عمل السفارة الأمريكية في بغداد عمل جهاز استخباري على العراقيين، أكثر ما هو دور دبلوماسي ، وتبدو هذه السفارة أشبه بآلة نسخ ترسل إلى واشنطن كل تفصيل سياسي أمني اقتصادي يتعلق بالعراق ، كما أن مصادر أمنية عراقية بينت أن الشبهات تدور حول وجود عناصر مرتبطة بأجهزة مخابرات أجنبية وخاصة المخابرات الإسرائيلية (الموساد) بموجب العقد الأمريكي الذي يضمن توظيف (5500) مرتزق من جنسيات افريقية وأوربية وأمريكية يتولون حماية السفارة الأمريكية في بغداد فهذا العدد من المرتزقة في رأي هذه المصادر يعادل جيشا كاملا لافتة إلى أن الأمريكان غير معنيين بإطلاع الجانب العراقي عن جنسيات هؤلاء المرتزقة ومهامهم الأمنية بالضبط وأماكن تواجدهم والأسلحة التي يحملونها والخطط الأمنية التي يضعونها الأمر الذي يجعل وجود هذا الجيش من المرتزقة يشكل خطرا كبيرا على امن العراق ودول المنطقة ، كما أن الناطق الرسمي باسم السفارة الأمريكية في العراق (ديفيد رانز) قد كشف في وقت سابق مؤكدا أن خروج قوات بلاده من العراق وفقا لجدولة الاتفاقية الأمنية المشؤومة، لا يعني إنهاء دورها الأمني والعسكري في البلاد ، موضحا( أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون متواجدة في العراق من خلال (مكاتب مساعدة أمنية) و(لواحق عسكرية) وضباط يعملون تحت إمرة السفير الأمريكي في العراق ) مضيفا انه سيكون للولايات المتحدة مكاتب أمنية بعد خروج الجيش الأمريكي المحتل من أرض العراق ، بينما يؤكد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون العراق (مايكل كوربين) هو الآخر أمام مؤتمر صانعي السياسات العربية الأمريكية بواشنطن (أن الولايات المتحدة سوف تعين 7 آلاف من مرتزقة الشركات الأمنية في العراق بعد موافقة الكونغرس على ميزانية عام 2011، وقال المتحدث باسم السفارة الأميركية (مايكل مكليلان) بأن (عدد موظفي سفارة بلاده الحاليين يقارب الـ15 ألفا )، لافتا إلى (أنه جاء بدراية وموافقة الحكومة العراقية ) ، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد كشفت قبل عدة اشهر عن أن سفارتها في بغداد ستضم 16 ألف شخص بين دبلوماسي وعامل بعد انسحاب قواتها من العراق، مؤكدة أنها ستزيد عديد العاملين العراقيين لديها ، فيما أشار السفير الأميركي في بغداد( جيمس جيفري) إلى ( أن واشنطن ستنفق ستة مليارات دولار في العراق خلال العام المقبل 2012 ) ، مبينا (أن المبالغ خصصت لبرامج تشمل اللاجئين وقضايا أمنية )، مؤكدا انه طلب للعام 2012 موازنة لسفارته قدرها 6,2 مليارات دولار ، وتعتزم السفارة الأميركية في بغداد، اكبر سفارة في العالم، مضاعفة عدد موظفيها في 2012 ليبلغ 16 ألف موظف، فيما كشف مصدر رفيع المستوى لمصادر صحفية عن اتفاقية عراقية أميركية يقتضي بموجبها بقاء أعداد كبيرة من الاميركان في خمس محافظات عراقية ولغاية عام (2016) قابلة للتمديد ، وقال المصدر ( أن معظم السياسيين والبرلمانيين يصرح كل منهم على طريقته الخاصة وجميع تصريحاتهم بعيدة عن الواقع ، لأن الاتفاقية بين الخارجية العراقية والسفارة الأميركية مررت الماء من تحت أرجل الشعب) ، مضيفا ( أن الاتفاق بدأ بين مكتب رئيس الوزراء والسفارة الأميركية بحضور مسؤول كبير في الخارجية الأميركية لإجراء مباحثات بعد شهر واحد من تشكيل الحكومة العراقية ) ، أما الرئيس الأمريكي( بارك اوباما) فهو يسوغ وجود هذا العدد الكبير من العاملين في سفارته (العدد الكبير للعاملين في السفارة الأمريكية في بغداد ، هو لحماية الدبلوماسيين الأمريكيين الذين نعتقد أنهم سيتعرضون للاستهداف بعد خروج الجيش الأمريكي من العراق) ، وسفارة الاحتلال الأمريكي هذه تقول عنها (جين لوفلر ) الخبيرة في هندسة السفارات، إنها تشبه قلعة من قلاع الصليبيين (التي انتشرت في الزمن الغابر في منطقة الشرق الأوسط) ، وقال عنها من رآها إنها (قلعة داخل قلعة)، فهي أضخم سفارة في العالم، تقع في (المنطقة الخضراء) المحصنة بثلاثة أسوار، سور من الجدران الإسمنتية ويليه سور من الأسلاك الشائكة وسور من الأكياس الرملية، تبلغ مساحتها 104 هكتارات من أرض (المنطقة الخضراء) وتعد أكبر بستة إضعاف من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك، وبعشرة أضعاف من السفارة الأمريكية الجديدة التي يجري بناؤها في بكين على مساحة 10 هكتارات، وهي أكبر المقرات الدبلوماسية الأمريكية حجما وتحيط بها أسوار عالية من جدران أسمنتية، مطلية باللونين البني والرمادي، جعلتها معزولة عن محيطها تماماً، علماً بأن هذه الأرض كانت تابعة للقصور الرئاسية ولمتنزه عام يؤمه كل العراقيين ، وقد بلغت تكلفتها حتى الآن 592 مليون دولار، إلا أن بعض التخمينات تتوقع زيادة الكلفة عن ذلك بكثير، أما تكلفة إدارة السفارة بعد انتهاء بنائها تقدّر بحوالي مليار دولار سنوياً ، وتضم السفارة (20) مبنى، منها ستة مجمعات سكنية تضم 619 شقة، ومبنيان للإدارة يتسعان لحوالي 1000 موظف، ومساكن خاصة متميزة للدبلوماسيين رفيعي المستوى، ويتوافر في مجمع السفارة كل ما يحتاج إليه أفرادها فلن يجدوا الحاجة لمغادرتها، إذ هناك سوق للتبضع، وصالة للسينما، وصالون للتجميل، وملعب رياضي، ومسبح، وساحات للعب التنس، ومدرسة، وناد خاص للمناسبات الاجتماعية ، وهي مجهزة بوحدة خاصة بها لتوليد الكهرباء وأخرى لتنقية الماء وثالثة للصرف الصحي ومعالجة مياه المجاري، ولها مخازنها الخاصة وورش التصليح والصيانة ، وقد رفضت الخارجية الأمريكية أن تنشر صورة السفارة على الموقع الالكتروني للشركة الهندسية التي تولت بناءها ، ولحماية كل هذه المباني يمتد جدار يرتفع إلى 9 أقدام يحيط بالمجمع إحاطة السوار بالمعصم، وستكون للجدار قوة دفاعية خاصة من جنود (المارينز) ومسلحين منتشرين خلف المتاريس الإسمنتية ، وقد أثار الوضع المريب لهذه السفارة الكثير من ردود الأفعال فالسيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري اعتبر بقاء موظفين في سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد بعد العام 2011، محتلين ويجب مقاومتهم ، فيما ترى النائبة عن التيار الصدري مها الدوري (أن بقاء السفارة الأمريكية في العراق بعد 2011 هو وجه آخر من الاحتلال لأنها ستضم عدداً غير قليل من الموظفين وعناصر الحمايات والذي يقدر بالآلاف وسوف تتدخل بكل صغيرة وكبيرة في الشأن الداخلي العراقي سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو غيرها من المجالات) ،فيما لم يخف النائب طلال الزوبعي مخاوفه مبينا ( لدينا مخاوف كبيرة من بقاء 15 ألف موظف في السفارة الأمريكية بعد انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق، لان جزءا من هذه الأعداد سيوظف للقضايا الاستخباراتية) ، مطالبا الحكومة العراقية بالكشف عن حقيقة الغرض من إبقاء هذا العدد الكبير في العراق ، والضغط على الجانب الأمريكي لتقليص العدد لما له من تأثير على مستقبل البلد خاصة على القرار السياسي العراقي ، ووصف النائب عن كتلة الأحرار جواد الشهيلي عمل السفارة الأمريكية في بغداد بأنه استخباري و ليس دبلوماسياً مؤكدا أن السفير الأمريكي في بغداد يمارس ضغوطات كبيرة على الساسة العراقيين لتمرير قوانين تخدم مصالح الإدارة الأميركية في المنطقة ، ووجد أن الأعداد الكبيرة الموجودة داخل السفارة الأميركية والتي تزيد على خمسة عشر ألفا تمثل خطرا كبيرا على الوضع السياسي العراقي ، ورأى رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي أن الحديث عن 15 ألف موظف في السفارة الأميركية بعد انسحاب قواتها أمر غير منطقي، مؤكدا أن ذلك يتطلب إجابة واستفسارا من الحكومة العراقية ، بينما كان المرجع الديني الشيخ (قاسم الطائي) المرجع الوحيد الذي حرم التعامل الكامل مع السفارة الأمريكية في العراق ، مؤكدا في فتواه (سنعمل على وضع أوصاف للمتعاملين مع السفارة لتمييزهم عن غيرهم من أبناء المجتمع وسيكونون منبوذين ومرفوضين اجتماعياً في الوسط العراقي وعلى الجميع مقاطعتهم واستهجان عملهم وتعاملهم مع السفارة) ، محذرا منها ومخاطبا البرلمان والحكومة داعيا إياهما إلى دراسة الموضوع بجدية ووضع حلول مناسبة لإنهاء ماوصفها ب (مهزلة السفارة ) ، التي ( يتكابر فيها السفير على العراق حكومةً وشعباً) ، معبرا عن استغرابه من (صمت القوى السياسية والحكومة على وجود هذه السفارة بهذا الحجم الذي يعد الأكبر في العالم عدةً وعدداً ومساحة وكأنها ليست لمراعاة المصالح الأمريكية في العراق خاصة بل لإدارة العالم برمته من قلب العاصمة بغداد).
·
صحفي وكاتب وشاعر عراقي