سـَيـْبـَويـه لـم يــَكـُـن عـَـربـيـَّاً..!
الدكتور عـبدالقادرحسين ياسـين
الـقـصـيـدة الـتـاليـة كـتـبـتـهـا طفلة إفـريقية سوداء ، تخاطب فيها طفلا أبيض.
وقـد نشـرتـهـا “مـنـظـمة الأمم الـمـتحـدة للـتـربيـة والـعـلـوم والـثـقـافـة” (اليـونـيـسـكـو) في مـجـلـتـهـا الشـهـرية UNESCO Courier
“وقت ولادتك يكون لونك أزرقاً كامداً،
بعد الولادة بأيام يتحول لونك إلى الأبيض المزهـر ،
ثم يتحول لاحقاً ،كلما كبرت قليلا ، ليصبح ابيضاً حليبياً،
إذا تعرضت للشمس تصبح أحمراً أو أسمراً ،
وإذا تعرضت للمرض أو للخوف تصبح أصفراً ،
وإذا شعرت بالخجل والحب والإحراج يحمر وجهك ،
وحين تموت يتحول لونك إلى بياض باهـت وشاحـب،
أما أنا، فحين وُلدتُ كـنـتُ سوداء ،
وحين سأكبر سأبقى سوداء ،
وإذا تعرضت للشمس أظل سوداء،
الحب لا يغـيـر لوني ،
ولا الخوف ، ولا المرض ، ولا الخجل ، ولا البرد ،
وحين أموت سأموت سوداء،
ومع هذا كله تـُصر وتـقـول عـني “ملونة “….!!
ثمة مفردات في المنطوق البشري اليومي ،
هي محصلة لذهنية بشرية تراكمية ،
قامت على التعصب والعنصرية في كافة أشكالها ومفاهيمها،
مفردات دارجة في الكلام وموجودة في طبقة اللاوعي ،
وان كانت غير مقصودة بما هي عليه في طبقة الوعي الآني،
ولكن كم يجب أن يمضي من الزمن ،
حتى يزول أي اثر لهذه الذهنية العصبية من اللاوعي البشري؟
ترى عن أي حضارة عربية سنتحدث ذات يوم ،
إذا كانت لغة التعصب هي ما يسود خطابنا وأدبياتنا،
وعن أي حضارة سنتحدث ،
إذا كان من يفترض بهم المساهمة في إعادة إنتاج الحضارة العربية،
على تنوعهم ألاثني والديني والثقافي،
يثبتون يوماً بعد يوم أن هذه الحضارة في مراحلها الأخيرة ،
ما دامت مادتها الخام قـد أصبحت معطوبة !!
قـبـل فـتـرة اتهم أحـدهم الشاعر والروائي الكردي سليم بركات ،
بالعداء للعرب وللغتهم، واتهم المدافعين عنه ومحبيه بالتواطؤ الخفي ،
على تقويض دعائم العرب الثقافية والفكرية والشعرية !!
وحين قال أحد المشاركين في النقاش أن سليم بركات الكردي ،
قـدَّم إبداعه كله باللغة العربية ، وبفهم لهذه اللغة ،
عجز عنه الكثير من كتابها العرب الأصليين،
جـُنَّ جنون الحريص على دعائم الثقافة العربية ،
واعتبر أن هذا سبب إضافي لاتهامه:
كاتب كردي “مستعـرب” يحاول الاستعلاء على الكتاب العرب،
عبر استخدامه لغتهم للانتشار، وعبر اللعب بهذه اللغة ،
وتأويلها بما لا تحتمله، هذا هو عين التخريب والمؤامرة !!
طبعا نسي صاحبنا هذا في حمأة عصبيته أن ســيـبـويـه لم يكن عـربيـاً،
وأن المجددين في اللغة العربية زمن أوجها وتألقها ،
كانوا كلهم “مستعربين”!!
نسي ـ أو لـعـلـه تناسى ـ أن اللغة ، إن لم تتجدد وتتأول ،ماتت وانتهت ،
وموت اللغة يعني فـقـدان الهوية ، ويعني موت مؤكد للحضارة !!
ما تذكره فـقـط هو ما تراكم في لاوعـيه ،
من نتائج ذهنية الـتـقـديس و”التحريم” والتعصب،
التي تكاد تودي بهذه اللغة العاجزة أصلا ،
عن اللحاق بركب النهضة التقنية التي يشهدها العالم،
والتي لا نصيب لنا منها غير التلقي !!
حتى في الثقافة والأدب والإبداع هناك من يريد لهذه اللغة الموت !!
مرة أخرى ؛ ألا يحق للبعـض أن يسال عن مصير الحضارة العربية ومآلها ،
وما وصلت إليه ، والبحث عن حلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها !!