سطحية الطرح والتلقي لدى الفكر المستحدث العراقي
لقد جذب نظري بعد غياب لفترة ليست بالقصيرة عن (المجتمع الفيسبوكي) بصورة خاصة و(مجتمعات التواصل الاجتماعي بصورة عامة) ظهور طبقة مستحدثة طافية على السطح تطلق على نفسها مسمى “المثقف العراقي”، بمحاولات يائسة لاضائة هالة مصطنعة لايلبث ان يخمد وهجها عاجلا ام اجلا.
ولا يخفى عن القارئ مدلولات مصطلح (المجتمع الفيسبوكي) الذي يستطيع ان يتحلّق فيه الجميع حول مائدة واحدة يضع عليها الناشر ما يشتهي من اطباق سمينة او نحيلة بمدلولاتها النفسية والثقافية والاجتماعية؛ وهي احدى الهبات العظيمة التي وهبتها العولمة المعلوماتية للانسانية بازالة الاسوار الطبقية التي زرعتها المجتمعات اللا انسانية. وكما هي هبة عظيمة، هي في ذات الوقت رزية اعظم اجتماعيا وثقافيا وانسانيا.
ومن الرزايا العظيمة التي وجدتها طفو طبقة مستحدثة تمتلئ بها صفحات الفيسبوك والانستجرام وغيرها في محاولة لدس النفس بين سطور المثقف العراقي الذي عرف منذ الازل بحنكته وحبكته واتزان طرحه وجدله وسعة افقه وجدية نقاشاته.
فاني لاجد (واعذروني لهذا الوصف) هذا المستحدث الرغوي الذي طفا الى السطح وانتشر كما ينتشر الرغاء على وجه الماء، ولشد حزني لما وصلت اليه سمية وسطحية طروحات ونقاشات هذا المجتمع المستحدث على مجتمعنا الذي يدس السم في العسل والذي ينتهك حرمات الانسان والاديان، وكأن اولادنا وشبابنا لا ينقصهم الا تتبع تلك الثقافات ذات الافكار الهدامة الناتجة من انفس متزعزعة بعيدة عن ثقافة وسمو واخلاق الانسان والمجتمع العراقي.
وكما وجدت تلك الصفحات وجدت المتلقي المستحدث الذي يقوده الفكر الجمعي مؤيدا غير معارض لكل ما يطرح وكل ما يكتب بدون اشغال العقل او الفكر بالتمييز والتمحيص عن صحة الطرح ودماثة الاسلوب، بل تقبل دون وعي ازدواجية الفكر للطارح الحديث الذي قد يبعث في طرح واحد افكار متضاربة ومتضادة ينأى عن قبول تضادها وازدواجيتها الفكر السليم.
وكما وجدت هذا، فقد وجدت المثقف العراقي الحقيقي والانسان الحق ذلك العراقي القارئ والمفكر الاصيل الذي اهمته هموم بناء الانسان والوطن، والذي ما طرح وما ناقش وما ابدى رأيا الا ليبني الفكر والانسان، وما ادلى بعبارة الا ودلت على سمو ودماثة الفكر والخلق؛ قد ابتعد جدا عن هذا (“الشارع” الحديث) الذي تغلغلت فيه مزعزعات الاركان والجدران لمجتمعنا، فهو ينأى بنفسه وخلقه وفكره عن الجدل او النقاش مع ما مطروح رغاءا على سطح الماء.
لم اعد الى قلمي لالقي الضوء على لوحة اصبحت منظورة للجميع، بل لاهدي ذاكرة المفكر الذي نأى بنفسه وابتعد باقة من الزهور علها تعيده لاصلاح تلك اللوحة وتوقف نزيف الفكر الذي ينتشر بسرعة لا تضاهى.. اقلامكم تتوسل اليكم لتثري العقول الصغيرة ولو بالقليل ولتسهم مجددا في بناء الفكر الشاب الذي سرقته مستحدثات الافكار والقيم وتردم ولو اليسير من ذلك الصدع الكبير….
صبا عبد العزيز الحديثي