سؤال وجواب- مرض لكنّه لم يمت.. رسائل ودلالات تزايد هجمات تنظيم الدولة في العراق
صلاح حسن بابان
عاد تنظيم الدولة الإسلامية إلى الواجهة، لكن بقوة وأسلوب وتكتيك مغاير هذه المرة، وبات أكثر نشاطا خلال شهر رمضان المبارك، بتنفيذه عمليات هجومية مفتوحة ضد قطعات الجيش العراقي والحشد الشعبي وقوات البشمركة الكردية، وتحديدا في المثلث الأخطر بالعراق ما بين محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين.
وقُتل ما لا يقل عن 19 من أفراد قوات الأمن العراقية وعناصر البشمركة الكردية في الفترة الماضية بمختلف أرجاء البلاد، وفقا لبيانات عسكرية وتصريحات مسؤولين أمنيين، وهو ما دفع الرئيس العراقي برهم صالح للدعوة إلى توخي الحذر من خطر نهوض التنظيم مرة أخرى.
ويطرح التصاعد اللافت لهذه الهجمات السؤال مجدّدا؛ هل فعلا تم القضاء على التنظيم أو أنه ما يزال نشطا؟ وما هي الرسائل التي أراد إيصالها؟ وما سرّ ازدياد عملياته تزامنا مع إعلان التحالفات السياسية تمهيدا للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
هذه الأسئلة وغيرها يحاول التقرير أدناه الإجابة عنها باستضافة خبراء في المجال الأمني والعسكري.
لماذا ازدادت هجمات تنظيم الدولة خلال شهر رمضان المبارك، وما الدافع منها؟
يفكّ الخبير الأمني فاضل أبو رغيف سر ازدياد العمليات الهجومية لتنظيم الدولة على القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية خلال الفترة السابقة بأنّ شهر رمضان مناسبة لتنظيم الدولة، ويحاول استخدام قدسية الشهر الفضيل لتنفيذ ما يسميه بـ”الغزوات”، وجاءت الهجمات متناسقة مع الأدبيات الواضحة للتنظيم التي عُرف بها وبالتالي هي غزوات، ونجح في صناعة أكثر من 16 غزوة منذ أول يوم من رمضان.
ويسجل أبو رغيف ضعفا واضحا في الجانب الاستخباراتي لدى القوات الأمنية، بالإضافة إلى المناطق الرخوة التي يحاول تنظيم الدولة أن يستخدمها بين فترة وأخرى، وهذا ما يساعد أن تكون الهجمات مُتّسقة مع توجهات التنظيم لا سيما مع المناطق الأخطر في العراق؛ وهي كركوك وصلاح الدين وديالى، وتحديدا كركوك التي باتت مسرحا مفتوحا للتنظيم، خاصة بعد انكسار شوكته وانطفاء شمعته.
هجمات التنظيم هذه المرة جاءت متعدّدة ومتزامنة في أكثر من مكان، وهو من بادر بالهجوم، ما السّر في ذلك يا ترى؟
يُجيب عن هذا السؤال للجزيرة نت أبو رغيف قائلا إن التنظيم يحاول دائما أن يعود إلى الواجهة بعد أن انكسرت شوكته وذهبت قدراته الإعلامية، وباتت مواقعه عاجزة عن القيام بأي إصدارات أو عمليات مرئية، والهدف من هذه الهجمات بهذا الشكل المفتوح هو من أجل لفت أنظار الإعلام العالمي والدولي وإعادة الثقة في نفوس بعض من أفراده وبث المعنويات الزائفة فيهم وإعطاء صورة لكل الأمن العالمي والمخابراتي بأن التنظيم مرض لكنه لم يمت.
هل هناك أي عوامل مشتركة بين قرب الانتخابات والإعلان عن التحالفات السياسية مع هذه الهجمات؟
يقول أبو رغيف إن تنظيم الدولة لديه مجسّات معينة يضعها على الجانب السياسي، وكلما احتقن هذا المفصل في العراق دفع بمسلحيه لتنفيذ وشن هجمات، سواء كانت على مستوى التفخيخ أو العمليات الانتحارية أو زراعة العبوات الناسفة وشنّ الهجمات المتفرقة.
هل يمكن أن يكون الفراغ الأمني الموجود بين الجيش العراقي والبشمركة سببا لازدياد الهجمات؟
بهذا الخصوص، يقول اللواء قارمان شيخ كمال -نائب رئيس الأركان للعمليات في وزارة البيشمركة الكردية- إن تأخير تشكيل قوة مشتركة والتنسيق بين الجيش العراقي وقوات البشمركة لا يخدمهما أبدا، ويصبّ في مصلحة التنظيم الذي يستغل هذا الفراغ لزيادة عملياته وقواته وإعادة تنظيم نفسه.
لكن شيخ كمال ينفي أن يكون التنظيم موجودا في حدود مناطق قوات البشمركة، ويؤكد أنه يوجد وينتشر في المناطق الواقعة ضمن عاتق مسؤولية القطعات العراقية، والهجوم الأخير الذي استهدف البشمركة في منطقة ألتون كوبري بين أربيل وكركوك وقع من داخل حدود الجيش العراقي.
لماذا لم تُشكل قوة مشتركة من البشمركة والجيش العراقي لمنع توسع تحرّكات التنظيم؟
يشير شيخ كمال إلى أن تشكيل قوة مشتركة من الجيش العراقي وقوات البشمركة من أبرز المطالب الرئيسية والنقاط التي تُناقش في اجتماعات الطرفين؛ لكن ما هو محزن حتى الآن هو أنه لم يدخل بعد مرحلة التنفيذ، ونُطالب منذ سنوات طوال بتشكيل هذه القوة وزيادة التنسيق المشترك بين الطرفين، وأن تكون هناك غرفة عمليات مشتركة لا سيما في مناطق التي تشهد فراغا أمنيا، إلا أننا -مع الأسف- لم نلمس أية خطوة واضحة على أرض الواقع حيال هذا الموضوع بالرغم من أن التنسيق يساهم في مواجهة التنظيم ويمنع تكرار هجماته على القوات الأمنية بمختلف صنوفها.
هل هناك رسائل مبطنة أو واضحة أراد التنظيم إيصالها؟
قبل الإجابة عن السؤال، يعترف الخبير العسكري العميد المتقاعد الدكتور أعياد الطوفان أنه لم يتم القضاء على تنظيم الدولة إطلاقا، وكل ما حدث هو أنه تم إبعاده من حيث أتى من الصحاري ومناطق أطراف المدن بالإضافة إلى الكهوف والجبال.
ويُمكن القول إن الرسالة الأولى للتنظيم -من خلال هذه الهجمات- هي لأتباعه بأنه ما زال موجودا على أرض الواقع ويعمل كما يريد، وأما الثانية فهي للإعلام بأنه باقٍ أيضا لن يُقضى عليه بسهولة، والرسالة الثالثة هي أن الحكومة العراقية لم تقض عليه ولن تستطيع ذلك في ظل هذه الخطط غير المجدية والجهل الاستخباري الكبير.
وينتقد الطوفان القوات العراقية بأن كل عملياتها تأتي كرد فعل لفعل، ويكشف عن شن التنظيم نحو 89 عملية ضد القوات الأمنية منذ 1 أبريل/نيسان الماضي لغاية الـ30 منه.
ما سر انطلاق عمليات تنظيم الدولة من مناطق تابعة أو قريبة من كركوك تحديدا؟
يتوقع المحلل السياسي الدكتور محمد نعناع -في رده على هذا السؤال- سقوط محافظة كركوك بشكل شبه كامل بيد التنظيم، وذلك بسبب سياسات الحكومة الاتحادية الخاطئة، وأطماع إقليم كردستان العراق، وضعف الدور الاستخباري للقوات الأمنية والحشد الشعبي.
ويكشف نعناع عن إنشاء التنظيم مؤخرا 3 مقرات قيادة في جنوبي كركوك، وأنه جهز ما يقارب 150 مقاتلا للانتشار في مناطق نفوذه كالحويجة والرشاد وغيرها.
ما الحل إذن؟
يطرح نعناع معالجة صحيحة -حسب رأيه- تمنع سيطرة التنظيم على كركوك، وتكمن في التنسيق بين القوى الفاعلة من أجل إفشال إستراتيجية تنظيم الدولة التي تتلخص بالانتقال من نظام المفارز الأمنية إلى الهجمات النوعية المنسقة التي بلغ عددها 4 هجمات خلال 10 أيام مضت.
وكان العراق أعلن عام 2017 تحقيق النصر على تنظيم الدولة باستعادة كامل أراضيه التي كانت تقدّر بنحو ثلث مساحة البلاد اجتاحها التنظيم صيف 2014.
لكن التنظيم لا يزال يحتفظ بما تسميها السلطات “خلايا نائمة” في مناطق واسعة بالعراق، ويشن هجمات في أوقات متباينة.