الدكتور زاحم محمد الشمري
في صباح يوم الأربعاء المصادف ٤-٢-٢٠١٥ وأنا اقلب بقنوات التلفاز توقفت استمع لبرنامج في قناة الحياة المسيحية اسمه “سؤال جريْ”، وهي حسب الكتاب والمشاهدين والبرامج التي تبثها قناة “تنصيرية اصولية متطرفة، عملت منذ تأسيسها على مهاجمة الاسلام والطعن الصريح بالقرآن الكريم والهجوم على شخص نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين وسلم وحياته الخاصة بطريقة سمجة بعيدة عن الادب والاخلاق والاستهزاء بالشعائر الدينية”.
يقدم هذا البرنامج “سؤال جريء” شاب يعرف بإسم ( الأخ رشيد حمامي أو الأخ رشيد المغربي ) والذي ربما قد يكون اسما مستعاراً له كما يسميه البعض في كتاباتهم، وهو مواطن مغربي مسلم اعتنق المسيحية واستغل قناة الحياة المسيحية ليقود حملة التنصير والتشهير بالاسلام ورسوله الكريم محمد ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم )وكما في الروابط المدرجة في نهاية النص. يستضيف الأخ رشيد بعض الشخصيات المسيحية العربية للتحث عن معاناة المسيحيين في الدول العربية وخاصة العراق، ويطعن بأخلاق الرسول محمد (صلاة الله عليه وسلامه)، ويتطرق الى جرائم تنظيم ما يعرف بالدولة الاسلامية “داعش” ومنها حرقهم للطيار الاردني معاذ الكساسبة وذبحهم للأسرى وإسنادها الى الموروث الإسلامي في الكتب، حيث تم عرض الكثير من المقتبسات عن أمهات الكتب الاسلامية التي تجيز القتل والذبح والحرق وانتهاك الاعراض وحرمة الانسان والتمثيل بالجثث.
فبدل أن يستغل الأخ رشيد برنامجه وسلاطة لسانه في الدعوة الى التسامح والالفة والمحبة والتعايش السلمي والتقارب بين معتنقي الأديان السماوية كما اوصى السيد المسيح ( عليه السلام )، أخذ يروي قصصاً عجيبة غريبة عن الرسول محمد (صلاة الله عليه وسلامه) بهدف الطعن وتشويه السيرة النبوية المباركة، مستخدماً اساليب التجريح والاستهزاء بالرموز الدينية الاسلامية المرموقة التي خلدها التأريخ واتهامها جزافاً بانها أسست لما يقوم به اليوم تنظيم ما يعرف بالدولة الاسلامية داعش من جرائم يندى لها جبين الانسانية، ناسياً أو بالاحرى متناسياً عن قصد الجرائم البشعة والمجازر التي ارتكبت وما زالت ترتكب ضد البشرية في تأريخ اليهودية والمسيحية المتطرفة التي لاتعترف لحد هذه اللحظة بالاسلام كدين سماوي منزل وتكفر معتنقيه. وهذا دليل على ان الأخ رشيد كما يسمونه يلهث وراء السمعة والمال الذي اعمى بصيرته فانساه الله ان يسلك طريق الحق كما في قوله تعالى: ” أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون “سورة الجاثية الآية (23). ومن هذا المقتبسات التي يمكن الاطلاع عليها في الروابط كما اسلفنا ما جاء عن الحرق، ومنها ما يجيز قطع الرؤوس، والتمثيل بالجثث وشفاء الصدور … الخ.
وفي مساء نفس اليوم ٤-٢-٢٠١٥ كان هناك برنامج على قناة بي بي سي العربية يناقش على الهواء مع احد شيوخ الأزهر، وباستضافة احد محرري الصحف المصرية ، الموضوع نفسه الذي طرحته قناة الحياة في برنامج الأخ رشيد “سؤال جريء” وكذلك بيان الأزهر ودعوته لمقاتلة المتطرفين في مصر بعد احداث سيناء استنادا الى الآية القرانية الكريمة: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ”… . لكن شيخ الازهر لم يقدم حجج واجابات مقنعة في الرد على الاتهامات المنسوبة الى الاسلام والمسلمين في التحريض على العنف والتفنن في القتل وتفنيدها بشكل موضوعي ومقنع للجميع، رغم انه صاحب قضية وبلاده تتعرض الى مؤامرة وهجمة ارهابية شعواء من قبل ما يعرف بالإسلاميين المتطرفين.
للاسف ان ما موجود في أمهات الكتب، والذي يستخدمه الان أعداء الاسلام كحجة للهجوم والتشهير بشخص رسول الله وآل بيته وأصحابه، قد اطلع عليه رجال الدين المسلمين الذين يتربعون الآن على عرش ما يسمى بالمؤسسة الاسلامية، ولم يفندوه أو يكذبوه، ولم يدعوا الى إلغائه من هذه الكتب لانه دس في غفلة من الزمن في صفحات الكتب وبين سطورها. فهل هذا سكوت على الحق ام ان رجال الدين أصبحوا يلقنون من قبل أسلافهم حتى ولو كانوا على خطأ في بعض مواضع النصوص؟ ام انهم ينظرون الى هؤلاء على انهم معصومين من الخطأ حين يكتبون؟ وهل يضمن هؤلاء انه ليس هناك من يحرف الكلم عن موضعه باستثناء ما جاء في القرآن الكريم كما في قوله تعالى “انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون”؟ . فكيف يتم السكوت على مثل هذه الجرائم التي ترتكب بحق الاسلام والرسول الكريم وعلماء الأمة الاسلامية يقفون أسارى للصمت المطبق بعد ان سرقت منهم الطائفية المقيته جوهر الاسلام وبقوا يراوحون مكانهم بين خجل التراجع ورغبة الانطلاق حيث الابتعاد كثيرا عن الاسلام الحقيقي الذي يتعرض اليوم الى هجمة شرسة من قبل أعدائه الذين يتربصون به منذ ان ابصر النور .
اين العلماء المسلمين من كل الذي يحصل، هل يكفيهم فقط البكاء والخشوع في الصلاة حين قراءة آيات من الذكر الحكيم، واهمين بان ذلك سوف يدخلهم الجنة بدون حساب، هل يضنون ان النهج الطائفي وحده هو الذي سيقربهم الى الله زلفى ويحفظهم من عذابه الأليم؟ وهل يضنون ان التفرقة بين المسلمين وعدم الصفح والصلح هو ما أوصى به الله ورسوله الكريم؟ نعتقد ان هناك لبس كثير في حياة رجال المؤسسة الدينية الإسلامية يراد له اعادة نظر وتصحيح بعض المفاهيم التي يستخدمها أعداء الاسلام كأدوات في القول والفعل والتجريح أمام تقهقر وتشرذم المؤسسة الاسلامية التي باتت أسيرة للأفكار البالية التي لا تقبل الحداثة والنقد حتى لو كانت ضارة ومضرة لجميع الذين يدعون الاسلام وهو براء منهم الى يوم الدين.
لذلك فان الاسلام يواجه اليوم حملة بربرية شرسة، وبأمس الحاجة الى توحيد الصف الاسلامي والوقوف بخندق واحد من اجل مواجهة التحديات وإعادة النظر بما هو سلبي ويشوه صورة الاسلام في أمهات الكتب لبعض المراجع الدينية وتصحيحه او إزالته لان هؤلاء ليسوا أنبياء منزهين من الخطأ كي لا يُطعن بآرائهم، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الأمة الاسلامية مرت بفترات مظلمة خلال تاريخها الطويل وقد تعرضت بعض المراجع والأحاديث الشريفة الى التحريف والتخريف من قبل أعداء الاسلام لكي يطعنوا به من الخاصرة وليضلوا أهله على تعاقب الاجيال، علماً بأن معركة صراع الحضارات والأديان مازالت مستمرة ولم تنتهي بعد، وهذا ما يعرفه الكثيرون من رجالات الدين والسياسة المسلمين الذين أعمت بصيرتهم الطائفية والحقد الأعمى الذي افسد إيمانهم حين أصبحوا يشاطرون أعداء الاسلام مشاريعهم الرامية لتشويه صورة الاسلام والمسلمين ونبيهم الطاهر الامين الذي قال عنه الله تعالى “وانك لعلى خلق عظيم” (صدق الله العظيم).
لقد نادى المستشرقون والمختصون الغربيون في العلوم الاسلامية في مناسبات كثيرة بضرورة إيجاد مرجعية إسلامية موحدة لكي يتم اعتماد ما يصدر عنها من كتب وفتاوى وتفاسير للآيات القرانية الكريمة والأحاديث الشريفة حتى تتم ترجمتها الى اللغات الأوروبية المختلفة كمراجع إسلامية متفق عليها وغير مشكوك بصحتها. وهذا الامر طالب به صراحةً الاستاذ الدكتور هازه الرئيس السابق لقسم الاثار والمخطوطات الاسلامية في متحف بيرغامونت في برلين امام حشد كبير من السلك الدبلوماسي العالمي في ندوة ثقافية أقيمت في المتحف عام 2006 وكنت احد حضورها، وقالها قبله ايضاً الاستاذ الدكتور راينر بازنر رئيس قسم اللغةً الالمانية وآدابها السابق في جامعة روستوك عند لقائي معه عام ٢٠٠٥ لمناقشة مشروع أطروحة الدكتور التي تطرقت فيها الى تأثير الحضارة الاسلامية على الثقافة وحركة التنوير الأوروبية في القرون الوسطى والقرون الحديثة، حيث قال لي في الحرف الواحد “لا تعتمد على تفاسير القرآن لمراجع المسلمين بسبب اختلاف آرائهم، فنحن نقرأ القرآن ونفسره، يقول بازنر، حسب فهمنا للآيات القرآنية لعدم وجود مرجعية إسلامية موحدة ننهل منها في هذا المجال”.
لذلك فان على رجالات الدين المسلمين من كافة المذاهب الدعوة الى عقد مؤتمر إسلامي تحت عنوان “مصلحة الاسلام أولاً، قوتنا في وحدتنا لمواجهة التحديات” يتمخض عنه انتخاب هيئة مستقلة يقع على عاتقها توحيد الخطاب الاسلامي في الرد على الاتهامات والنظر في مراجعة بعض النصوص والتفاسير التي تسيء للإسلام، والتي تم ذكرها في أمهات الكتب وتهذيبها بما يخدم قضية الاسلام والمسلمين المصيرية التي ما ان تفاقمت فسيخسر الجميع ويحشر يوم القيامة ملوماً محسورا …. فهل من رد منطقي على اتهام الاسلام باستباحة الأعراض والقتل والحرق والتمثيل بالجثث وشفاء الصدور؟!…………………………… ………………………………………………………………………………….. أنظر الى الرابط (https://www.youtube.com/watch?v=3T_hKqg_1So) و الى هذا الرابط ايضاً (https://www.youtube.com/watch?v=10U7vvnQNi) لكي تتضح الصورة.