الدكتور زاحم محمد الشهيلي
تعد الحروب والكوارث الطبيعية والتطهير العرقي والديني والطائفي أخطر ما يهدد الوجود الانساني على سطح الكرة الارضية، بسبب نتائجها المريبة التي تنعكس بشكل او بآخر على البنية الاجتماعية المكونة للنظام المؤسساتي السياسي والاقتصادي والثقافي للدولة، نتيجة للظروف غير الطبيعية التي تغلف حياة الانسان في المناطق المنكوبة لفترة قد تمتد الى اكثر من عقد من الزمن تتغير فيها تدريجيا الكثير من المفاهيم والقيم الاجتماعية التي اعتادت عليها العوائل الآمنة واصبحت مشردة في العراء تفترش الارض وتلتحف السماء.
ان هجرة العوائل من المدن الآمنة قسراً واستقرارها في مخيمات أو أكواخ في قلب صحراء لا تتوفر فيها ابسط سبل العيش الكريم سينتج عنه نمو عادات وتقاليد اجتماعية غير مألوفة لدى الاطفال والشباب بسبب الخوف وانعدام التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، وهذا الامر سيؤدي الى نشوء جيل من نتاج مجتمع صحراوي ذات مستقبل مجهول أفرزه زواج القصر في العراء، يتسم بالوحشية والعدائية والانتقامية، محملاً باعباء الحروب والكوارث ومعاناة التشريد، زاده الحرمان والضياع ، معبأً بالخوف والاضطرابات النفسية التي تنعكس بشكل مباشر على حياة العائلة المكونة للمنظومة الاجتماعية للدولة التي ينتظر منها أن تنتج القادة والمثقفين الذين يجب ان تكون لهم بصمة واضحة في بناء الدولة المدنية العصرية المواكبة للتطور السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي العالمي.
ونتيجة لذلك، يصبح لزاما على الدول التي عانت شعوبها من هذه الظروف ان تتحمل مسؤولياتها الوطنية في الحرص على اعادة ترميم وبناء الانسان من خلال اعداد برامج للتنمية البشرية لتأهيل القطاعات الاجتماعية المتضررة في الحروب والكوارث الطبيعية لخلق بيئة اجتماعية صحية وصحيحة تتماشى مع البناء المؤسساتي الصحيح للدولة بشكل عام، وعليه لا يمكن الشروع في بناء البلدان بمنعزل عن بناء الانسان الذي يمثل اللبنة الاساسية للمنظومة الاجتماعية التي اذا ما صلحت ستعود بمردود ايجابي ومنتج في البناء الخالي من الفساد والعدائية والمحسوبية والمنسوبية، وتكون قادرة على ان تقدم جيلاً من القادة والمثقفين القادرين على ادارة الدولة بشكل صحيح في جميع المجالات، لها شأنها واحترامها المحلي والاقليمي والدولي.
لذا يمكن القول: إنه من غير الممكن ان يكون هناك تقدم او حداثة ومدنية وعيش رغيد في مجتمع معتل نفسيا … وعليه ركزت الدول المتقدمة على اعداد اجيال قادرة على الانتاج اخلاقيا وثقافيا واجتماعيا، واستطاعت بذلك ان تتصدر قائمة دول العالم الاول المتطورة صناعيا وتكنولوجيا، وان تهيمن على اقتصاديات الدول واحتكار التطور وجعله بعيد المنال على الدول المتخلفة التي بدات في بناء هرم الدولة من القمة الى السفح وليس العكس، لتبقى تراوح في مكانها تستجدي العطف والمساعدة مقابل ان تكون سوقا استهلاكيا للسلع، وبؤرة للتوتر والصراعات، ومكبا للمشاكل الطائفية والعرقية، وارضا خصبة للتخلف الاجتماعي والتراجع الثقافي والعلمي وتفشي الامية الفكرية والتعليمية.