فريد حسن
وقع نظري على قصة طريفة حيث يحكى انه كان في زمن مضى فلاحا قد علا الشيب رأسه وتقوس ظهره وبانت عليه علامات الكبر والشيخوخة وكان يعمل في بستانه ويزرع فسيلا وقد مر بقربه امير البلاد فاستوقفته الحالة ووقف عند هذا الفلاح الطاعن بالسن فقال له ماذا تفعل ايها الشيخ العجوز فرد عليه قائلا ازرع هذا الفسيل فقال الامير وهل تضمن ان تبقى سنوات حتى يكبر الفسيل ويثمر فقال الفلاح لايهم
ان اكلت منه ام لا بل المهم ان يأكله الاخرون من بعدي لان اجدادنا وآباؤنا قد زرعوا فأكلنا واريد اليوم ان ازرع ليأكله الاخرون حين يثمر انها نكران ذات وشعور عال بالاخرين فهذا الفلاح المسن يريد ان يبقي له اثرا طيبا بعد مماته كما وان اجابته قد نال استحسان الامير فأعطاه عشرة دراهم فقال الفلاح يامولاي لاول مرة ارى فسيلا حين زراعته يثمر فأعطاه عشرة دراهم اخرى فقال الفلاح يا مولاي انها المرة الاولى ان يثمر الفسيل مرتين في السنة.
اما اليوم من منا زرع مثلما زرع من سبقونا الا ربما فرادى ولكن العامة اختطت لنفسها طريقا آخر بعيدا عن قيم ديننا الحنيف وموروثنا الانساني فأضحى الفساد شعارا واللجوء الى السحت الحرام منارا وبات الرعاة لامرنا يأكلون منا بدلا من ان يزرعوا لنا واذا ما تصفحنا الملفات المتعلقة بالفساد المالي لشهدنا العجب العجاب في حين على القائمين على امور البلاد والعباد ان يهتموا بالعلماء ويبذخوا لهم العطايا مثلما فعل امير البلاد مع الفلاح لكي ينهض العلماء ويبدعوا اكثر لكنهم غائبين عن البال لان الزمن اضحى للفاسدين والجهلة والنزاعات السياسية والطائفية والكتلوية والصراع على الكرسي .
ومما يثير الاستغراب ان معظم المرشحين هم من السابقين الذين لم يزرعوا ماهو بفائدة للوطن والمواطن واليوم يعاودون الكرة ثانية لعلهم يظفروا ثانية بالحكم ويستمروا في انجاز ما يفيدهم ويملاء خزائنهم التي ادعو الباري عز وجل ان يجعلها نارا شواءا تحرق وجوههم وجنوبهم لما اقترفته اياديهم من ظلم وجور بحق الوطن والمواطن هؤلاء الذين يحسبون ان المال سيخلدهم لا بل سيلعنهم وسيخزيهم يوم تقوم الساعة قولوا معي آمين.
ان الجميع مطالب بالتصويت لمن هو اجدر واقدر على نفسه الامارة بالسوء فجميعنا نعرف المرشحين (كلنه ولد كريه) وانها المسؤولية الاخلاقية والاعتبارية والمسألة لاتقف عند التصويت بل عند قدسية الصوت وهل يحقق لنا الفعل والفاعل والمفعول به في آن واحد والذي بات الوطن احوج اليه لان السنوات العشر التي مضت كانت كارثية بكل القياسات حيث انشغال السياسيين واصحاب القرار بجمع الاموال والارتزاق من السحت الحرام والاغرب تباهيهم بذلك بل ويعدونها البطولة بعينها الى جانب الانشغال بصناعة الازمات لتمرير اخطاءهم او حجبها عن العيون لكن الغربال لاتحجب وجه الشمس والحقيقة فيما ان الصراعات على كرسي الحكم قد اجهض الديمقراطية وورث لنا المخبر السري الذي لم يألوا جهدا في التلفيق والكذب لينال العطايا من اسياده الذين كلفوه بالمهمة من اجل اشاعة الفوضى والانتقام والقتل او التهجير او السجن ومن ثم الاعدام بمحاكمة صورية لم يشهد لها العالم منذ الخليقة وجودا لها الا عندنا نحن (ولد الخايبة) الذي علينا تحمل اخطاء الآخرين المتسلطين على مقدراتنا ورقابنا واذاما انتفضنا فالمادة اربعة ارهاب لنا بالمرصاد لان شرعتنا اصبحت تفسر الانتفاضة والمطالبة بالحقوق ارهابا اما سراق المال العام والمفسدين هم الوطنيون والمخلصون فسبحان مغير الاحوال .
القادة من القدوة عليهم ان يزرعوا ويعملوا من اجل الشعب لكن المعادلة في بلادنا معكوسة فهم يأكلون ما نزرع وهم لا ولن يزرعوا لنأكل لانهم قادة واسياد واباطرة فهم خلقوا من نار ونحن من طين كما خلق( ؟ ).