روسيا وتحديات الشرق الأوسط
بقلم اسعد عبد الله عبد علي
الشرق الأوسط هو المكان الأكثر تميزا عالميا, فكل قطب أو قوة عالمية, يجب أن تظهر قوتها في الشرق الأوسط, كي تحقق مكاسب قوتها, لذا نجد صراعات في المنطقة دائمة, وتشكل المحاور أمر طبيعي, الساحة اليوم الأكثر سخونة, بسبب اندفاع العصابات التكفيرية, لتغيير الجغرافيا, بدعم غربي خفي, تمتد من لبنان مرورا بسوريا, ووصولا إلى العراق, حيث يشتد الصراع, أفقيا وعموديا, بين الساعين لتفتيت المنطقة, والخلاص من خط الممانعة.
الأشهر الأخيرة شهدت عودة قوية لروسيا, بعد تراجع نسبي لأمريكا, نتيجة عدم وضوح مكاسب حملتها ضد تنظيم داعش, والهزائم المتكررة في اليمن وسوريا, وعدم حسم تلك المعارك, بالإضافة لاعتبارات الانتصار الكبير, لمحور روسيا وإيران, على محور أمريكا والغرب, برسم الملف النووي الإيراني, وها هي مغامرة اوكرنيا تنتهي بحسب الإرادة الروسية, والباقين عليهم أن يجروا أذيال الخيبة, بما فيهم الإدارة الأمريكية, كلها أعطت للروس الفرصة, للظهور الكبير عالميا, انطلاقا من الشرق الأوسط.
نظرة عن التأثير الروسي في جغرافيا المنطقة, تتبين من خلالها أهمية الدور الروسي الحالي للكل.
مصر, بصفقة السلاح الأخيرة مع روسيا, تسعى للخروج من احتكار أمريكا لتسليح الجيش المصري, وهو تأكيد مصري على التعاون والشراكة مع روسيا, وتطابق الرؤية لحرب الإرهاب ودعم استقرار المنطقة, وقد عبر مساعد وزير الدفاع الأسبق المصري, اللواء نبيل فؤاد عن صفقات التسلح مع روسيا, باعتباره انتصار لمصر, في سعيها لتنوع السلاح, وإنهاء الاعتماد على طرف واحد, حيث الصفقات الأخيرة مع روسيا, تمثل خطوة للخروج من دائرة الضغوط الأمريكية, ويوضح للعالم أن مصر لم تعد تابعة لطرف أجنبي.
كان احد دوافع اتخاذ هذه الخطوة المصرية, بعد مشاهدة الإدارة المصرية, لما حصل للعراق, من أزمة خطيرة, نتيجة انتظاره لوصول السلاح الأمريكي, الذي لم يصل في الوقت المناسب, عن قصد خبيث, مما تسبب بحدوث كوارث, فكان قرار مصر تنويع مصادر السلاح, وبالتالي فتح قنوات واسعة مع الجانب الروسي, خصوصا مع ظهور الروس دوما بميزة الالتزام التام بالتوقيت, مما جعلها اليوم القوى الأكثر قبولا, فالذئب الأمريكي (لا يمكن الاطمئنان له).
السعودية, صفقة السلاح الروسية للسعودية, تمثل نوع من التملق السعودي, كسلوك معتاد من حكام مملكة الوهابية, وبغية تحقيق مكاسب سياسية, باعتبار أن الروس مؤثرين في كل ملفات المنطقة, والتي تعتبرها المملكة الوهابية ملفاتها الأساسية, كالحرب السورية, وقضية لبنان, والحوثيون في اليمن, والملف العراقي, السعودية تدرك أن تغييرات ستحصل مستقبلا, وان للروس فيها نصيب, مما حركهم لاستخدام أموالهم, بهدف التأثير على الروس, وتحقيق شراكة مستقبلية.
إيران, تحولت لقوة مهمة في المنطقة, نتيجة اعتمادها سياسة حلف حقيقي مع الروس, بالتزام وثيق,وعلى مر عقود, لم يتغير شكله حتى مع تغير الرئاسة الروسية, فكان الاعتماد على التسلح الروسي, والابتعاد عن إغراءات أمريكا, طريقة ناجحة, للابتعاد عن السقوط في المنزلقات, وأيام الحصار كان موقف الروس باتجاه إيران, هو الموقف الأكثر نبلا, بين باقي المنظومات الغربية.
العراق , بعد سقوط الموصل بيد الدواعش, والتقاعس الأمريكي الفاضح, في مسألة التسليح, ومماطلتها العلنية في قضية تسليم طائراتنا إل (أف 16 ), بحجج واهية ومضحكة, كان اللجوء للروس اضطراري, وكانت سرعة الإجابة الروسية, مصدر ثناء وإعجاب حقيقي, وحتى التعاقد كان على الدفع بالأجل, وليس كالأمريكان الذين جعلوا الخزينة العراقية خاوية, بسحب أموال التسليح قبل التسليم, فكان السلاح الروسي هو العون الكبير لنا, ويمثل نقطة تحول منطقية, بعد التجربة المريرة مع الأمريكان, والذين اثبتوا أنهم الشيطان الأكبر في المنطقة.
العراق أدرك خطر الاعتماد على أمريكا, وفهم طبيعة الروس, والتزامهم المميز أمام الأخر, والحكومة اليوم ساعية بجد, لعقد صفقات تسليح مهمة, تكون عون لنا في حرب الإرهاب, مع طي صفحة الاعتماد الكلي على الأمريكان.
الشأن السوري, يمثل الصورة الأوضح, لمحاولات روسيا إخماد حرائق أمريكا في المنطقة, فصارع الإرادتين في أوضح مظاهرهما, أمريكا عملت كل شيء لإسقاط نظام الأسد, بغية تفتيت سوريا لدويلات متناحرة, فأوجدت عصابات إرهابية بعنوان الثورة, ودعمت جبهة النصرة الإرهابية, وداعش التكفيرية, والجيش الحر المجرم, بغية إسقاط الأسد, ودعمت موضوع أصدقاء سوريا, لتشكيل تحالف دولي لإسقاط الأسد, بالمقابل بقيت روسيا تعمل بهدوء لدعم الأسد, من دون اللجوء للعصابات والتخطيط الخبيث, بل روسيا عملت بصورة علنية, لدعم دولة لمواجهة موجة إرهاب, وهنا تبرز حقيقة القوتين, احدهما شريرة جدا ( أمريكا), والأخرى تبحث عن دعم الدول ومحاربة الإرهاب (روسيا).
الخطوة الروسية الأخيرة بإرسال مقاتلين وطيارين روس إلى سوريا, هو دليل الإحساس بالقوة, والإعلان عن الخطوة, يوضح أن الأمر يجري في مسار التعاون العلني بين دولتين, وليس بأساليب أمريكا ولحلفائها, التي تعتمد الإخفاء والطعن والكذب, كأسلوب المافيات! وليس دول عظمى.
من جانب أخر روسيا تقوم بهذه الخطوة, لاعتبارها إن سوريا هي الخط الدفاع المتقدم ضد انتشار التطرف الإسلامي, الذي إذا لم يتوقف فانه سيصل إلى حدود روسيا, فبعد الفشل أمريكا وحلفائها, في الحد من تمدد داعش والعصابات المتطرفة, كان على روسيا القيام بخطوات اكبر, من دون إن تنتظر شكرا من احد.
الرؤية توضحت ألان, بين دولة ( مجرمة) تسعى لإحراق المنطقة, وتستخدم أقذر الوسائل, في سبيل أهدافها الخبيثة, وبين دولة (روسيا) تساعد وتدعم الدول, وتتصرف بنبل كبير, لتحقيق الاستقرار.